كتب هشام ملحم: مرة اخرى تتسرب المعلومات من مصادر أميركية واسرائيلية الى وسائل الاعلام في البلدين عن نقاش جدي لجدوى الافراج عن
الجاسوس جوناثان
بولارد المحكوم عليه بالسجن المؤبد لتزويده اسرائيل في ثمانينات القرن الماضي كماً ضخماً من المعلومات الحساسة ألحق أضراراً تاريخية بأجهزة الاستخبارات الاميركية والعاملين فيها.
هذه المرة يبدو ان بولارد قد يحقق حلمه بـ"العودة" الى اسرائيل ليمضي آخر ايامه فيها. الاسرائيليون لا يترددون في القول إنهم يعتبرون بولارد، الذي منح الجنسية الاسرائيلية بعد سجنه، كأنه جندي ترك في الميدان ويجب انقاذه. الرؤساء الاميركيون ريغان، وبوش، وكلينتون، وبوش الابن، رفضوا الطلبات الملحة من رؤساء وزراء اسرائيل للافراج عنه. جورج تينيت، مدير السي آي إي خلال ولاية كلينتون، هدد بالاستقالة فوراً عندما رأى ان كلينتون يقترب من الافراج عنه، ومقاضاته بـ"تنازل" من بنيامين نتنياهو خلال جولة مفاوضات مع الفلسطينيين.
هذه المرة، ومع اقتراب المفاوضات بين الفلسطينيين واسرائيل من الانهيار، يسعى وزير الخارجية جون كيري الى وضع "ورقة" الافراج عن بولارد لترضية اسرائيل واقناعها بتطبيق التزامها الافراج عن الدفعة الأخيرة من الاسرى الفلسطينيين، وتخفيف وتيرة الاستيطان، في مقابل موافقة الفلسطينيين على تمديد فترة المفاوضات حتى السنة المقبلة. هذا الموقف يعكس ضعف، وحتى يأس، ادارة اوباما في صون مفاوضات وصلت الى طريق مسدود حتى قبل مناقشة قضايا الحل النهائي مثل المستوطنات والحدود واللاجئين والقدس. واذا كان ثمن انقاذ المفاوضات الهادفة الى التوصل الى "اتفاق اطار" وليس الى اتفاق سلام نهائي، الافراج عن بولارد، فما الذي ستدفعه واشنطن لاسرائيل "لتحلية" السلام النهائي؟
الافراج عن بولارد سوف يخدم نتنياهو، الذي يريد من واشنطن ان "تعوضّه" اطلاق الاسرى الفلسطينيين، لكن ذلك لن ينقذ عملية مفاوضات متعثرة أصلاً، وان يكن سيعطي نتنياهو فرصة لاستقبال بولارد في اسرائيل استقبال الابطال. في هذا السياق، يعني الافراج عن بولارد وضع اوباما قيد الاسر، لان اوباما وكيري يعتقدان انهما لا يملكان اوراقا قوية للضغط على اسرائيل، التي تواصل اعمال الاستيطان في الاراضي الفلسطينية المحتلة، بينما "تتفاوض" مع الفلسطينيين. مكافأة اسرائيل بالافراج عن بولارد، تأتي في سياق الاهانات العلنية التي وجهها وزير الدفاع الاسرائيلي موشي يعالون الى
أوباما حين اتهمه بالضعف، وحين سخر من الجهود السلمية لكيري. اسرائيل كانت قد انضمت الى دول مثل ايران وصربيا وطاجيكستان وقيرغيزستان في رفض ادانة احتلال روسيا لجزيرة القرم أمام الجمعية العمومية للامم المتحدة. الافراج عن بولارد هو تنازل يقدمه اوباما بعدما رفضه الرؤساء الذين سبقوه. اوباما وليس بولارد في الاسر.
(النهار اللبنانية)