سألني أحدهم يوما: هل تعتقد أن زيادة عدد قتلى
حزب الله في
سوريا يمكن أن يؤدي إلى سخط شعبي ضد قيادة الحزب، ما قد يضطره إلى سحب قواته من سوريا؟
أجبت سائلي: هذا وهم كبير؛ فذوو القتلى وجمهور حزب الله يعتقدون أنهم يخوضون حربا مقدسة، وأن قتلاهم شهداء، وهم مستعدون للزج بجميع أبنائهم "في سبيل الله لمقاتلة أعداء الله".
لم يكن بوسع السيد حسن نصر الله ورفاقه في القيادة، أن يقنعوا جمهور حزب الله ومقاتليه بضرورة القتال في الساحة السورية دون اللجوء إلى الحشد المذهبي والطائفي، وأنها معركة الدفاع عن العتبات المقدسة ضد النواصب قتلة الحسين بن علي.
كان من السهل على قيادة الحزب أن تغير عقيدة المقاتلين التي بنيت على أن العدو هو
إسرائيل، إلى أن العدو هم النواصب أعداء شيعة الحسين، وهذه السهولة تطرح سؤالا لم يكن أحد يطرحه من قبل، وهو:هل كانت عقيدة مقاتلي الحزب هي العداء لإسرائيل فقط؟
بالطبع لم يفت قيادات حزب الله أن تموّه وتعلن أنها تقاتل الإرهابيين التكفيريين الممثلين بمقاتلي القاعدة.
ويمكن القول، إنه في اللحظة التي جازف فيها الحزب بالانخراط في معركة النظام السوري المحسوب على الطائفة العلوية، واستخدامه للشحن الطائفي والمذهبي لتبرير ذلك، فإن الحزب فقد بريقه في العالم الإسلامي، وتحول من حزب بطل مقاوم لإسرائيل يسعى لتحرير القدس وفلسطين، إلى حزب طائفي يسعى لحماية العتبات المقدسة في سوريا.
لقد فقد الحزب شعبيته الجارفة التي بناها وحظي بها طيلة السنوات العشرين من عمره، في مواجهة الاحتلال الإسرئيلي.
وتدرك إسرائيل هذا، وهي سعيدة بذلك، وتعلم أن الحزب فقد أهم نقاط قوته أمامها؛ فالحزب لن يحظى بأي تأييد شعبي في أي مواجهة قادمة، وسيكون مكشوفا تماما للضربات الإسرائيلية داخليا وعربيا وإسلاميا، شعبيا ورسميا. لذلك فإنّه من غير المتوقع أن يقدم على أي مغامرة ضد إسرائيل.
علاوة على ذلك، فإن الحزب جعل مسألة التحالف معه، حتى في معركة ضد إسرائيل، صعبة جدا على أي جهة سنية، ولن يكون من السهل إقناع الشعوب بتحالف كهذا.
التقارير الإسرائيلية التي تراقب تحركات الحزب في سوريا عن كثب، تقول إن عدد قتلى الحزب وصل إلى 400 مقاتل حتى الشهر الماضي، قبل معارك يبرود، منهم قيادات ميدانية مهمة. وتقارير المعارضة السورية تتحدث عن مقتل أكثر من 700 مقاتل.
هذه الأعداد الكبيرة من القتلى لن تفتّ في عضد قيادات الحزب، ولا توجد أي مؤشرات تدل على أن الحزب في وارد اتخاذ قرار بسحب قواته من سوريا، وبخاصة بعد الانتصارات التي حققها الحزب في القصير والقلمون.
يحصد الحزب اليوم انتصارات ميدانية، في سوريا وليس "إسرائيل"، غير أنّ هذه الانتصارات تترجم تراجعا في شعبيته، وكراهية وحقدا عليه وعلى الطائفة الشيعية التي زجها في المعركة.
إن الصناديد الذين أعدهم الحزب لمواجهة العدو الإسرائيلي يتساقطون اليوم في سوريا، فهل كان بالإمكان تلافي ذلك؟