اتهمت لجنة أممية، في تقييم حديث لها، دولا أوروبية بـ"التهاون" في تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التمييز العنصري، حيث وجه انتقادات في هذا الصدد إلى كل من:
سويسرا وبلجيكا و لوكسمبورغ، وهي دول تقدم نفسها على أنها راعية لحقوق الإنسان حول العالم.
ورغم أن سويسرا صاحبة جهود مشهودة في الترويج للمعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان والأمم المتحدة، إلا أن التقييم الدوري لـ"لجنة الأمم المتحدة لمناهضة
العنصرية" المعنية بمتابعة مدى التزام الدول بتطبيق "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التمييز العنصري "، الذي صدر، الجمعة، اعتبر أن هذا البلد الأوروبي "يفتقر" إلى "وضع تعريف واضح لمفهوم التمييز العنصري والعنصرية في قوانينه المحلية".
وقالت اللجنة في تقييمها إن ضحايا جرائم العنصرية في سويسرا لا يتمتعون بإمكانيات استعادة حقوقهم؛ حيث "يفتقرون" إلى الحماية القانونية اللازمة، وفق بنود "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التمييز العنصري"، التي دخلت حيز التنفيذ منذ عام 1996.
وأفادت بأن سويسرا "لم تلق بالا"، بالتوصيات التي قدمتها إليها في عامي 2004 و2006، وهو ما يجعلها "دولة غير عابئة بعمل اللجنة، ولا تأخذ توصياتها على محمل الجد".
وكانت هذه التوصيات تتعلق بـ: منع التمييز العنصري، وضرورة توعية رجال السلك القضائي بالمعايير الدولية ذات الصلة بالحماية من العنصرية.
وأشارت اللجنة إلى "تخلف" سويسرا عن مسار المصادقة على "اتفاقية يونسكو لمكافحة التمييز في مجال التعليم" و"اتفاقية ضمان العمل اللائق للعمال المنزليين" و"الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم" و"اتفاقية تخفيض حالات انعدام حاملي الجنسية".
كما لفتت انتباه سويسرا إلى مبادرات شعبية وغيرها "تكون دائما مصحوبة بخطاب من اليمين المتشدد معاد للأجانب"، و"يحمل لهجة تمييزية عنصرية مشبعة بالصور النمطية السلبية حول الأجانب بشكل عام والمسلمين ورعايا دول البلقان وملتمسي حق اللجوء إلى البلاد بصفة خاصة"، بما في ذلك أيضا توزيع ملصقات في الميادين العامة والصحف ذات محتوى عنصري بالتعرض لرموز أو سلوك.
في الوقت ذاته، رأت اللجنة أن نظام الديمقراطية المباشرة في سويسرا يسمح بتمرير مبادرات شعبية "تتناقض مع التزامات سويسرا الدولية"، بينما "لم تقم" الحكومة الاتحادية في هذا البلد الأوروبي بـ"الدور الكافي لتوعية الرأي العام بالتبعات المرتبطة بالموافقة على تلك المبادرات"، كما "لم تدرس جيدا مدى توافق تلك المبادرات مع القانون الدولي والمعاهدات الأممية قبل الموافقة على طرحها للاستفتاء".
واستشهدت اللجنة، في هذا الصدد، بـ"مبادرة حظر بناء المآذن" المعتمدة في عام 2009، و"مبادرة طرد المجرمين الأجانب" المعتمدة في عام 2010، و"مبادرة التصدي للهجرة الجماعية" التي اعتمدت عام 2014.
في الملف البلجيكي لم يختلف الأمر كثيرا، حيث أعربت اللجنة الأممية عن "قلقها" من عدم وجود خطة عمل وطنية لمكافحة العنصرية وفق "إعلان وبرنامج عمل ديربان" المعتمد في سبتمبر / أيلول 2001 اثر "المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري".
كما لم تهتم بلجيكا، بحسب اللجنة، بـ"انشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان وفق "مبادئ باريس".
وذكرت اللجنة أن بلجيكا "لم تعتمد" تشريعات تحظر المنظمات التي تشجع وتحرض على التمييز العنصري، وفقا لبنود "اتفاقية الأمم المتحدة لمنع التمييز العنصري" رغم ظهور عدد من أعمال كراهية الإسلام ومعاداة السامية.
واللافت للنظر أن السلطات البلجيكية، وفق تقييم اللجنة، "لا تحقق فورا" في الجرائم ذات الصلة بالعنصرية، و"لا توفر الحماية الكافية" للضحايا و "لا تقوم بالتحقيق في الأسباب الكامنة" وراء هذه الظواهر "المنتشرة في المجتمع البلجيكي"، وتنعكس في "عدم تمتع الأجانب سواء من المقيمين أم مكتسبي الجنسية بحقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفق المعايير الدولية"
وتستشهد اللجنة على ذلك بــ: توجهات حظر الرموز الدينية أثناء التعليم في جميع المدارس، ووقوع أعمال عنف بدوافع عنصرية، وسوء معاملة المهاجرين على أيدي الشرطة دون إجراء تحقيق فوري ونزيه في تلك الانتهاكات، ومقاضاة الجناة ومعاقبتهم.
ومثلما طالبت اللجنة سويسرا بضرورة توعية رجال القضاء ببنود اتفاقية حظر التمييز العنصري وكيفية تطبيقها، حثت بلجيكا على ضرورة وضع برامج تدريبية لضباط الشرطة حول أحكام الاتفاقية.
وطالبتها بمتابعة تأثير مثل تلك البرامج على أداء أجهزة الأمن في حالات مثل: ترحيل الأجانب قسرا، والتي تكون مصحوبة بممارسات عنصرية، بحسب تقييم اللجنة.
ولفتت اللجنة إلى أنها افتقرت عن إجراء تقييمها إلى بيانات حول ظاهرة الاتجار بالبشر في بلجيكا، والقضايا المسجلة امام المحاكم في هذا السياق، ومسار العدالة في مثل تلك الأحوال، وكيفية ضمان حصول الضحايا على حقوقهم كاملة بما في ذلك: الحق في الانتصاف، والتعويض، وتشديد العقوبات المتعلقة بالممارسات العنصرية بشكل يكون رادعا لعدم تكرارها.
وفي ملف لوكسمبورغ، وجدت اللجنة أيضا "عدم توافق" تعريف "التمييز العنصري" في القانون المحلي مع بنود اتفاقية الأمم المتحدة، و"عدم وجود بيانات حول تطبيقها عمليا"، و"عدم ظهور وعي" لدى القضاة وقضاة التحقيق والمحامين بأحكام تلك الاتفاقية ما يدفع بالشكوك في إمكانية تطبيقها في ساحة القضاء.
وتتشابه لوكسمبورغ مع بلجيكا، بحسب تقييم اللجنة، في عدم حظر المنظمات أو الجمعيات التي تحرض على التمييز العنصري.
وفي هذا الصدد، قالت اللجنة إن القانون في لوكسمبورغ "لا يأخذ بالدافع العنصري وراء ارتكاب بعض الجرائم؛ ما يؤثر على مصداقية المعلومات المتاحة حول شكاوى التمييز العنصري المسجلة أمام القضاء" التي تراها اللجنة "قليلة وغير متناسبة مع حالات التمييز العنصري المنتشرة".
ورغم تشابه الدول الثلاثة في الاخفاق بالوفاء بالتزاماتها وفق الاتفاقية الدولية لحظر التمييز العنصري، ألا أن القاسم المشترك الأكثر قوة بين ملفاتها هو استياء اللجنة الأممية من تناول الإعلام لقضايا الهجرة والأجانب بشكل عام .
وفي السياق، قالت إن وسائل الإعلام في الدول الثلاثة "تروج لقوالب نمطية تمييزية ضد فئات مجتمعية محددة"؛ ما يؤدي، وفق تقييم اللجنة، إلى "تعزيز روح التحيز، وسحب الاحترام الاجتماعي لهذه الجماعات"، متهمة غياها بـ"عدم مراعاة معايير المهنية الإعلامية، وعدم الاخذ بعين الاعتبار بالتداعيات المترتبة على تلك التوجهات وتأثيرها على السلم المجتمعي".