مقالات مختارة

أذرع الظلم

1300x600
لدينا فى مصر مجلس قومى لحقوق الإنسان، وشكلت لجنة لتقصى حقائق الأحداث التى تلت 30 يونيو 2013 بهدف توثيق الانتهاكات وتفعيل مبدأ المحاسبة القانونية المتورطين بها. إلى الجهتين، أوجه المقتطفات التالية من شهادة هدى محمود، زوجة خالد السيد عضو المكتب التنفيذى لائتلاف شباب الثورة سابقا وعضو حزب التحالف الشعبى سابقا والذى ألقى القبض عليه وعلى زميله ناجى كامل وآخرين فى 28 يناير 2014 بعد محاولة جبهة «ثوار» التظاهر السلمى رفضا لعودة القمع وانتهاكات الحقوق والحريات وممارسات الدولة الأمنية:

«النهارده كان أول يوم أعيش تجربة الزيارة فى السجن اللى بيعيشوها آلاف الأسر المصرية واحنا ما نعرفش عن ألمهم ومعاناتهم حاجة، بعد ترحيل خالد وناجى والشباب اللى معاهم من يومين، وبعد محاولات بحث طويلة عشان نعرف رحلوهم فين، عرفنا انهم فى أبو زعبل، وجبنا إذن تصريح ليا ولزوجة ناجى وياسمين حسام محاميتهم. وصلنا عند السجن الساعة 9ونص الصبح، لقينا طوابير طويلة ومئات من أسر المعتقلين والمحكوم عليهم فى انتظار الدخول. وطابور السيدات طبعا وبطبيعة الحال هو الأزحم وفيه أطفال كتير جدا، والسيدات فى حالة من البؤس الشديد والغالبية العظمى منهن من الأقاليم، جايين من مشوار سفر طويل وموجودين من الفجر شايلين معاهم أكل وإعاشة لأبنائهم وأزواجهم. بعد تعذيب الانتظار والإهانة وأوجاع الناس اللى مشاركاك نفس الطابور، وصلنا باب التفتيش الساعة 12 ظهرا، وكسيدات دخلنا لغرفة التفتيش الذاتى، واللى شفنا فيه جنب إهانة الكرامة إهانة اكبر لأجسامنا، سألنا فين المسجونين السياسيين، قالولنا مع الطلبة فى السجن المشدد، وهناك سألنا على أسماء خالد وناجى، وقالوا: آه موجودين هنا وأخذوا أسامينا.

بعد ساعة، دخل عسكرى ينده على الناس اللى ليها زيارة، وقف على ترابيزة عالية وعيون الأهالى كلها متعلقة بالورقة اللى فى إيده، لكن كوباية شاى فى إيده التانية كانت أهم بكتير! اتجمع الأهالى حواليه وكلهم وجع ولهفة ومحاولة للصبر على المرحلة الآخيرة من الانتظار والإهانة، ومع كل شفطة شاى اسم أو اسمين وياخد شفطتين شاى على مهله وبعدين اسم كمان وشفطتين كمان وهكذا، ولما الأهالى يعترضوا ويستعجلوا أسماء ولادهم، يتضايق «الباشا» ويقوللهم: خلاص مافيش زيارة خالص.

وتبدأ مرحلة الانتظار الأخيرة.. أب راح يسأل على ابنه، فسأله الضابط: سياسى ولا جنائى؟ فرد الأب: سياسى إيه وجنائى إيه باقول لك ابنى طالب فى الأزهر. وأب تانى قال ان الضابط بيقول له: احنا بس جايبين ابنك هنا يومين يتربى وحنطلعه. الأب قال له: لا أنا ولاحد حيعرف يحكم الولد ده بعد اللى شافه عندكم؟

وأخيرا، على الساعة 4 العصر لما حاولنا نشوف أسماء خالد وناجى (كامل) فى آخر كشف زيارة، اكتشفنا انهم فى سجن تانى ــ ليمان 1. نزل ناجى الأول ودخلتله زوجته هبة والمحامية ياسمين، وكان واضح من بعيد إنه شكله منهك.. ورفضوا يدخلوهم غرفة الزيارة ووقفوا بيهم بره ومعاهم ضابط واتنين مخبرين، استلموا منهم حاجات الإعاشة اللى كانت معاهم ورفضوا يقف مع مراته أو حتى المحامية اللى المفروض من حقها قانونا تتكلم وتشوف موكلها على انفراد. بعد كده نزل خالد.. شكله تعبان ومش قادر يتكلم، ومنطقش ولا كلمة، ولما سألته: حد عمل فيك حاجة؟ عايز تشتكى من حاجة؟ ما ردش عليا.. طيب ناقصك حاجة؟ أجيبلك حاجة؟ برضه ما بيردش.. مقدرتش أشوف ضرب أو إصابات واضحة فى وشه، لكن حالته بتخلينى أتأكد انهم اتعرضوا لضغوط وانتهاكات. الضابط قال: مش يالا كفاية كده مع السلامة.. ماكنتش كملت معاه دقيقتين.

خرجت وانا مش عارفة اخد نفسى ووضحت تماما بالنسبة لى ملامح المرحلة اللى احنا فيها، طول عمرنا بنشوف الظلم حوالينا وبنتقطع وبنتعاطف مع اللى بيتظلم، سواء المظلوم أو أهله، لكن كله كوم وانك تشوفه فى أقرب الناس ليك كوم تانى. الحرية لكل المحبوسين باطل، وبالذات اللى محدش يعرف عنهم حاجة. ربنا يصبر كل أب وأم، كل زوج وزوجة، كل ابن وبنت، كل أخ وأخت، كل صديق وصديقة، كل حبيب وحبيبة.. ويقدرنا نكمل المشوار».

تستطيع الجهتان، المجلس القومى لحقوق الإنسان ولجنة تقصى الحقائق، الإطلاع على شهادات أخرى كثيرة لأسر الضحايا وثقتها المنظمات الحقوقية وعرضت بعضها (كشهادة منال زوجة علاء عبدالفتاح) فى مؤتمر «أذرع الظلم» فى 4 يناير 2014. تستطيع الجهتان ذلك، إن أرادتا الاضطلاع بمهامهما الحقيقية ومساعدة مجتمعنا على كشف الانتهاكات والمحاسبة عليها وعلى مقاومة عودة الدولة الأمنية وأجهزتها التى تمتهن الكرامة الإنسانية وتنشر جغرافيا الظلم والغضب والعنف فى ربوع مصر.

(الشروق)
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع