"ذات ليلة شتوية باردة داهمت عصابة من رجال الأمن والجيش بلباسهم العسكري منزل العائلة، وفتح أخي الأكبر محمد الباب وهو لم يبلغ العاشرة بعد، سأله أحدهم بقسوة: أين والدك؟ فرد أخي: لا أعرف، وقبل أن يتم أخي جوابه كان أحد الجنود ينادي قائلا: سيدي يوجد رجال هنا وأشار إلى المنزل (مكان تجمع الرجال) فاقتحم كلاب الأمن المدججون بالسلاح المكان وطلبوا من الجميع الخروج"، بهذه الكلمات الحزينة تسترجع بيان بنت "الشهيد" محمود حوى ما حدث في مسقط رأسها مدينة
حماة قبل 32 سنة، حينما اقتحمت قوات الأمن المدينة.
جاء الاقتحام –بحسب مصادر في النظام– رداً على ما أسموه محاولة جماعة الإخوان المسلمين اغتيال حافظ
الأسد وهو ما نفته الجماعة.
أصدر الرئيس الأوامر، وعلى الفور تحركت قطعات من الجيش شملت سرايا الدفاع التي يقودها رفعت الأسد، وألوية دبابات، وسلاح الطيران، وقوات خاصة، تحمل معها صلاحيات كاملة بفعل أي شيء يُفضي في نهاية المطاف إلى إرغام هذه المدينة المتمردة.
حاصرت القوات المدينة قرابة شهر كامل قتلت فيه بحسب اللجنة السورية لحقوق الإنسان أكثر من 40 ألف شخص قضى معظمهم رمياً بالرصاص ودُفنوا في مقابر جماعية كما أنها مارست بحق من تبقى من الأحياء جميع أنواع الإذلال والتنكيل والتعذيب حيث قُدر عدد المعتقلين بأكثر من 60 ألف معتقل.
وخلال سيطرتها على المدينة قامت قوات النظام بهدم 88 مسجداً وثلاث كنائس ومنعت الخروج أو الدخول للمدينة وقطعت جميع طرق المواصلات التي كانت تؤدي للمدينة الأمر الذي فتح المجال أمام ارتكاب "أكبر مجزرة في العصر الحديث"، بحسب وصف منظمة العفو الدولية.
وتقول بيان لـ"عربي21": "بعد أن أخرجوهم إلى الشارع أوقفوهم على الجدار رافعين أيديهم، وبدؤوا يسألونهم عن أسمائهم حتى وصلوا إلى الوالد فاعتقلوه وأطلقوا سراح الباقيين وهم يكيلون الشتائم، كل ذلك تم وأمي وإخوتي ينظرون إليهم من خلف شباك مطل على المكان ولكم أن تتخيلوا صعوبة الموقف والخوف والرعب الذي كان يسيطر على الجميع فهؤلاء لا يرقبون في مؤمن إلّاً ولا ذمة، أخذوا الوالد بسيارتهم العسكرية وانطلقوا به ليأخذوا شقيقه الأصغر".
وتتابع: "وصلوا إلى بيت جدي وكانت فيه جدتي وبعض أعمامي فاقتحموا البيت وروعوا أهله وأخرجوا من فيه من الشباب، وقبضوا على عمي وهو الشهيد مصعب".
وتواصل حوى رواية ما جرى بالقول:"سلم والدي على جدتي وأراد أن يطمئنها بأنه سيعود إليها بعد قليل ليخفف عنها ما أصابها من خوف ورعب، وقد كان بارا بها رحمه الله تعالى فلما رأى ذلك أحد الأشقياء قال لجدتي في لهجة تهكمية ساخرة: ودعيهم يا حجة، يريد منها أن تودع ابنيها الوداع الأخير لأنهم لن يعودوا إليها".
وتتابع: "انطلقوا بعدها إلى مكان بالقرب من
النصب التذكاري في حماة، وما هي إلا لحظات حتى شق سكون الليل دوي إطلاق الرصاص أطلقت معه الوالدة شهقة ألم و أردفت والدمع يملأ عينيها: لقد قتلوه.. وكان فعلا كما قالت، فقد أعدموه رميا بالرصاص في الوجه والجبين مكبل اليدين ومن ثم طلبوا من أحد الأقارب أن يأخذ جثتي الشهيدين إلى المستشفى ويدفنهما مباشرة ولم يسمح لأحد منا برؤيتهما أو إلقاء نظرة وداع أخيرة عليهما قبل دفنهما".
من جهته جدد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في بيان أصدره بهذه المناسبة دعوته لمحاكمة هذا النظام على "جميع الجرائم التي ارتكبها وعلى رأسها
مجزرة حماة".
كما أكد الائتلاف على "انتصار الثورة" وتحقيق أهداف الشعب السوري بالحرية والكرامة وأضاف: "ليعلم نظام الأسد وكل من وقف خلفه آنذاك، ويقف خلفه اليوم أو يؤازره أو يسكت عن جرائمه؛ أن شباب سورية وشاباتها ورجالها ونساءها، لن يرتاحوا قبل أن يتخلصوا من هذا النظام الإجرامي الاستبدادي، وسوف يكملون ثورتهم ويحققون أهدافها كاملة غير منقوصة إحقاقاً للحق وضماناً لمستقبل مشرق لا مكان فيه للظلم ولا للقهر ولا للاستبداد".