هل من حق الكاتب أن يغير مواقفه طبقا لتطورات الأحداث؟ بالطبع نعم، مع مراعاة أننا نتحدث عن المواقف وليس المبادئ ولا أظنك تحتاج لتوضيح الفرق بينهما.
هل من حق الكاتب أن يدلى بأقوال تتضمن شهادته على وقائع فى محضر رسمى ثم يدلى بعكسها فى محضر رسمى آخر؟ بالطبع لا، فهذه جريمة يعاقب عليها القانون، إلا إذا قدم الكاتب ما يثبت أنه كان مضللا حين تقديمه الشهادة الأولى واعترف بأنه شهد زورا، واعتذر لكل قرائه ومتابعيه عما قاله خاصة إذا كان قد تربح من ورائه، طيب، لماذا أقول هذا الكلام، تعالوا نشوف:
(س: هل شاهدت مطلقى الأعيرة النارية من أعلى سطح الجامعة الأمريكية؟ ج: لا وعايز أنوه إلى حجم الغاز بالميدان. س: قلت فى تحقيق النيابة العامة بأنك شاهدت الكثير من الإصابات بين الشباب المثقف؟ ج: أريد أن أفرق بين نوعين من المتظاهرين الأول أصيب أو استشهد بميدان التحرير والذين قتلوا أمام قسم الشرطة ولم أشاهد أعمال عنف سوى الواقعتين. س: كيف أصيبوا؟ ج: لو سئلت عن التحليل فإجابتى بأن هناك مثلا من أصيب بسبب الغاز والذين أصيبوا من نتيجة إطلاق خرطوش. س: ذكرت فى شهادتك أن العمليات الخاصة للشرطة هى التى تطلق الأعيرة النارية؟ ج: وكان إطلاق الأعيرة النارية على المتظاهرين بسبب ما سمعته من المتظاهرين وأن ما قلته عن قوات خاصة بسبب زيها فقط. س: هل تعتقد وجود قوات أخرى بميدان التحرير تطلق النار على المتظاهرين؟ ج: ممكن وجود جهات لها ولاء للدولة أو جهات لها عداء مع الدولة ففى الأولى أرداوا أن يفضوا المظاهرة ويهربوا المتظاهرين وفى الأخرى يقومون بإسقاط قتلى حتى يتاجروا بدمائهم».
(من نص شهادة الأستاذ
ابراهيم عيسى أمام محكمة جنايات القاهرة كما نشرته صحيفة التحرير التى يرأس تحريرها، مع مراعاة أن الصحيفة لم تنشر ما جاء فى بقية الصحف عن قول إبراهيم فى شهادته بالنص أن «مبارك بالقطع لم يصدر الأمر بإطلاق النار على المصريين لأنه رئيس وطنى لن يفعل ذلك»).
• «وشاهدنا إطلاق الرصاص الحى والخرطوش على جموع المتظاهرين، بغرض تشتيتهم وترويعهم وإطلاق المئات من القنابل المسيلة للدموع، وشهدت وقوع مصابين وقتلى وشهداء أمام عينى على مدى من كوبرى الجلاء حتى ميدان التحرير حتى انتهى اليوم. س: ما هو ما بدر من قوات الأمن قِبل المتظاهرين يوم 28 يناير 2011؟ ج: الاعتداء بقنابل الدخان والمسيلة للدموع وخراطيم المياه وإطلاق خرطوش والرصاص الحى، ثم انسحبت الشرطة الساعة 4:30 فى ذلك اليوم العصر. س: مَن الذى أطلق الرصاص الحى على المتظاهرين وفقا لما شاهدته؟ ج: قوات الشرطة التى كانت ترتدى زيا أسود، وعلى صدرها سترة واقية من الرصاص، وغالبا دول عمليات القوات الخاصة بالشرطة. س: أين كانوا متواجدين فى ميدان التحرير؟ ج: فى مدخل كوبرى قصر النيل أمام الأوبرا، ثم انتقلوا إلى نهاية الكوبرى عند اتصاله بمبنى سميراميس ومبنى وزارة الخارجية القديم وجامعة الدول العربية، ثم تحصنوا فى مدخل القصر العينى بجوار الجامعة الأمريكية.
س: متى كان الاعتداء على المتظاهرين بالرصاص الحى؟ ج: ما رأيته كشاهد من بداية الساعة الرابعة عصرا على كوبرى الجلاء حتى الثامنة مساء عند مدخل شارع قصر العينى. س: مَن أصيب من جراء تلك الاعتداءات؟ ج: رأيت إصابات لكثير من المتظاهرين من الشباب الواعى المثقف، ولم يقوموا بأى أعمال تخريبية أو اعتداءات على قوات الشرطة.
(من نص أقوال ابراهيم عيسى أمام نيابة الاستئناف بتاريخ 2 مارس 2011 والتى نشرها بنفسه فى مقاله بالتحرير بتاريخ 7 يناير 2012).
• «لكن الأمر المدهش أن مزاعم عمر سليمان بتورط الإخوان فى حرق الأقسام وصل إلى حد جلبهم عناصر من حماس وحزب الله (ربما للتقريب بين المذاهب!)، وقد رصدت أجهزة المخابرات الاتصالات التليفونية بين الإخوان وعناصرهم فى الخارج مع هذه المنظمات ودخول هؤلاء إلى الحدود المصرية، وكل هذا كلام مهم وخطير لكن لا يلحق به دليل واحد بعشرة صاغ على ما يقال، وهو ما يجعله محض افتراء وادعاء». (ابراهيم عيسى التحرير 6 فبراير 2012).
• «مبارك يقول هذا الكلام بعد استشهاد مواطنين برصاص الشرطة، ومع ذلك يمتدح حكومته التى نفذت التعليمات، ثم يقرر مبارك أن المظاهرات تحولت إلى أعمال شغب تهدد النظام. والثابت أن مبارك سجل هذا الخطاب فى السادسة مساء الجمعة، وكان مكتوبا قبلها بأكثر من ساعة، وهو توقيت لم يكن فيه أى شىء على الإطلاق يمكن وصمه بالشغب، وكانت قوات شرطة مبارك تضرب وتقتل وتقذف دونما تردد، وكانت المظاهرات بالملايين من المصريين لم تقترب من مبنى، ولم تصل إلى مقر شرطة، فهل كان مبارك فى الخامسة يقرأ الغيب؟
أم أنه كان يعرف أو أعطى تعليماته بخطة انسحاب الشرطة، مما يسمح بالانفلات الأمنى؟ أم أنه كان على علم بأن مجموعات مختارة من مسجلى الخطر والبلطجية مأمورون من الذين يشغلونهم بالتحرك لافتعال الشغب فى مقرات الشرطة وفتح السجون بالتوافق مع مسئولى هذه المقرات والسجون؟ من أين كان مبارك يعرف ليصف المظاهرات بالشغب، وهو الذى توقفت مكالماته مع وزير داخليته عصر الجمعة، بعدما أدرك الثانى عجزه وأدرك الأول سقوط أمنه؟ لكن مبارك يضاعف جرعة التخويف والترويع، خضوعكم وإلا غياب أمنكم الشخصى والعام» (ابراهيم عيسى التحرير 27 أغسطس 2011).
• «يبدو أننا لا بد أن نعيد إلى الرئيس السابق حسنى مبارك حقه ونردّ له اعتباره فعلا، فالرجل حين قتل متظاهرى شعبه وأباح سفك دماء أبناء وطنه كان يفعل ذلك بمبررات قوية وأسباب غاية فى الوجاهة بالنسبة إليه: أولا: كان يحكم منذ ثلاثين عاما فصار هو والحكم والكرسى ملتصقين ومتوحدين لدرجة أنه اعتقد أن وجوده فيه أمر إلهى ومسألة مقدَّرة ومقدَّسة» (إبرهيم عيسى التحرير 24 نوفمبر 2011).
طيب، لماذا غير الأستاذ ابراهيم عيسى أقواله الآن؟، وكل ده كان ليه؟، العلم عند الله، فهو وحده يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.
(الشروق)