أعاد إعلان الجيش المصري في 3 تموز/ يوليو، الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد
مرسي، طرح السؤال الجدلي: هل الخيار الديمقراطي قادر على الوفاء بمتطلبات إنجاح مشاريع الإسلاميين، وتحقيق غاياتهم الكبرى؟ وفق ما يرصده باحثون مهتمون بالحالة الإسلامية.
وكان السؤال قد أُثير من قبل، بعد تجربة إسلامية مشابهة، انفجرت أحداثها سنة 1992، في الجزائر بعد أن حققت جبهة الإنقاذ الإسلامية فوزا كبيرا في الانتخابات البرلمانية، التي لم ترق نتائجها لجنرالات الجيش الجزائري، فقرروا إلغاءها خوفا من وصول الإسلاميين إلى السلطة.
بعد تكرار تجربة الانقلاب على
المسار الديمقراطي في الحالة المصرية، تساءل إسلاميون رافضون للخيار الديمقراطي من أساسه، هل ما زالت تلك الاتجاهات الإسلامية تعلن عن ثقتها بالمسار الديمقراطي باعتباره خيارا استراتيجيا لها؟ ولماذا يصرون على تكرار التجارب الفاشلة، ويمعنون في إضاعة الجهود والأوقات فيما لا طائل تحته؟ ألم تثبت التجارب بما لا يدع مجالا للشك أن الخيار الديمقراطي فاشل ولا يمكن الثقة به؟
لكن في المقابل يجادل إسلاميون آخرون قائلين: إنْ رفضنا الخيار الديمقراطي فما هي البدائل الممكنة والمتاحة التي يمكن استخدامها لتحقيق ما نتطلع إليه؟ هل ثمة خيار آخر إلا الدخول في مواجهات مسلحة عنيفة تدخل البلاد في أتون حرب أهلية طاحنة ومدمرة؟ وهل اعتزال العمل السياسي والاقتصار على العمل الدعوي والتربوي يفي بإقامة المشروع الإسلامي المتمثل في الحكم الراشد؟
التميمي: الديمقراطية ليست عقيدة وإنما آليات
في سياق معالجته للأسئلة المطروحة رأى الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور عزام التميمي، أنه ليس ثمة بديل آخر عن المسار الديمقراطي إلا الحرب الأهلية الطاحنة كما يجري في سوريا، مؤكدا أن الديمقراطية هي "الآلية الأفضل مما توصل إليه البشر لضمان حسم الخلافات المجتمعية بطريقة سلمية".
وأوضح التميمي في حديث خاص لـ"عربي 21"، أن الاتجاهات الإسلامية الرافضة للديمقراطية لأسباب عقائدية وأيدلوجية، تُعرفها تعريفا يخالف حقيقتها، فهي ليست عقيدة، ولا أيدولوجيا، وإنما ببساطة جملة آليات وإجراءات يمكن من خلالها للشعب انتخاب الحاكم وإخضاعه للرقابة والمساءلة في ظل منظومة تكون السيادة فيها للأمة.
أهم ملامحها وفقا للتميمي إلى جانب الإدارة المنتخبة، سيادة القانون، ومساواة جميع المواطنين أمامه، واحترام حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، وغياب المؤسسات أو الأجهزة الخفية التي لا تخضع لسلطة الشعب ومساءلته.
ووصف التميمي الذين يرفضون الديمقراطية بسبب ما يعتري مساراتها من انقلاب العسكر على نتائجها وعدم رضاهم بها كما حدث في تجرتبي الجزائر ومصر، بأنهم يوجهون اللوم للضحية، ومثلهم كمثل إنسان يلوم حافلة تعرض ركابها للاعتداء من قبل قطاع طرق.
أبو بكر: لا بديل عن المنهج السلمي
من جهته لفت القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن جميل أبو بكر، إلى أن الإسلاميين لم يختاروا المسار الحالي، وإنما فرض عليهم فرضا، ولا مناص لهم من مواصلة الحراك من أجل إعادة المسار الديمقراطي، ولا بديل لهم عن المنهج السلمي الذي أعلنوا مرارا التزامهم به.
وقال لـ"عربي 21" إن الانقلاب على الديمقراطية نفسه لم يستقر بعد، وإن شعوب المنطقة قطعت شوطا باتجاه المطالبة بالحرية ولا أعتقد أنها ستذعن وتستسلم للإجراءات القمعية والاستبدادية، مشيرا إلى أن عجز التجربة واضطرابها، لن يكون نهاية الطريق، وإنما يعتبر جولة من الجولات، وفي الوقت نفسه فإن الخيارات الأخرى كالعنف مثلا وصل إلى طريق مسدود ولم يثمر شيئا.
وأكد أبو بكر على أن المنهج السلمي هو الطريق الذي تتبعه الحركات الإسلامية في المجتمعات الإسلامية، أما مع المحتل فالأمر يختلف تماما، لافتا إلى أن اضطرار بعض الشعوب العربية لحمل السلاح لم يكن خيارها، وإنما فرض عليها نتيجة إيغال أنظمة الاستبداد في ممارساتها الدموية.
وحول إمكانية تكرار السيناريو السوري بعسكرة الثورة في مصر، استبعد أبو بكر وقوع ذلك، مع بقاء احتمالية نشوء وتكوين مجموعات متشددة نتيجة القمع والاستبداد كتلك المجموعات التي تشكلت إبان الأنظمة السابقة.
العسعس: ثمة خيارات أخرى بين الديمقراطية والصدام المسلح
بدوره رفض الباحث الإسلامي المختص في الفكر النهضوي إبراهيم العسعس، وضع العمل الإسلامي أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما الدخول في لعبة الديمقراطية بشروط أهلها، وإما الانخراط في صدام عنفي مسلح مع الأنظمة، طارحا ما يراه خيارا ثالثا بالثبات على العمل الدعوي والجهاد الفكري، مهما طال الأمر دون الدخول في لعبة الآخرين، مع المحافظة على الثوابت بلا ذوبان ولا صدام.
وتساءل العسعس: لماذا يريدون وضع العمل الإسلامي بين خيارين أحلاهما مرّ؟ وكلاهما يجران العاملين للإسلام إلى المربع الذي يريده الآخرون، فالمسار الديمقراطي يتحكم فيه واضعوه، ومسار المواجهة المسلحة يمنح الأنظمة ذرائع ضرب الإسلاميين وتشويههم وتأليب الناس عليهم.
وأوضح العسعس في حديثه لـ"عربي 21" أنه لا يعالج مسألة الديمقراطية من زاوية الحلال والحرام، ولا الكفر والإيمان، معربا عن اتفاقه مع المنظومة الفكرية التي ترى فيها أنها وجهة نظر متكاملة للحياة، بحسب مصطلحات أهلها وواضعيها، وليست مجرد آليات وإجراءات.
وأضاف أنه ينظر إلى الديمقراطية باعتبارها لعبة الهدف منها التلاعب بثوابت العمل الإسلامي، فالإسلاميون الذين يدخلون اللعبة الديمقراطية لا يملكون شيئا من أوراقها وخيوطها. ووفقا للعسعس فإن الذي يفرض عليهم اللعبة هو من يمتلك قرارها من ألفها إلى يائها، وهو القادر على وقفها وتعطيلها متى رآها خرجت عن مخططاته.