تعيش
ليبيا منذ بضعة أشهر واقعاً اقتصادياً متدهوراً بعد تدني إنتاجها
النفطي ،الذي يعد موردها الرئيسي، إلى أقل من 260 ألف برميل يومياً، بدلاً من مليون و400 ألف، كان يحقق لها عائداً يتجاوز 50 مليار دولار تقريبا في السنة .
وانعكس هذا الوضع على العيش والخدمات اليومية لليبيين الذين أصبحوا يتذمرون، مع عجز الحكومة الحالية والحكومات السابقة على معالجة الأمور بصورة مثلى تعيد لهم الرخاء والاستفادة من ثرواتهم النفطية .
ومن بين مظاهر المعاناة الانقطاع المستمر في التيار الكهربائي والذي يصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 5 ساعات، وغرق شوارع المدن بمياه الأمطار، والطوابير الطويلة أمام محطات الوقود وارتفاع الأسعار، وتوقف كافة المشاريع بعد رفض الشركات الأجنبية العودة لإتمامها .
وقال المحلل الإقتصادي سعيد ناجي ليونايتد برس انترناشونال إن البرلمان والحكومة " يدفعوننا لكره الثورة والحنين لنظام القذافي" .
وأضاف أن ليبيا "بعد أن فقدت أمنها وأمن مواطنيها ها هي تنحدر اقتصاديا وربما تعلن إفلاسها قريبا ما لم تقترض من الصناديق الدولية وتصبح تحت رحمتها ".
وفي ظل هذا الوضع وما يشكله من خطورة على ميزانية البلاد وما نبه إليه رئيس الحكومة علي زيدان بأن الدولة لن تكون قادرة على الإيفاء بمرتبات موظفيها العام القادم، فإن معظم المشاريع المبرمجة ستجد نفسها أمام التأجيل أو الإلغاء .
وما زاد الأمر تعقيدا عدم امتثال الثوار المسلحين لنصائح وبرامج الحكومة لدمجهم في مؤسساتها، سواء العسكرية أو الأمنية أو المدنية، بل أصبح همهم الأول والأخير المكاسب المادية .
وبات الثوار الذين أسقطوا نظام القذافي من أجل إقامة دولة ديمقراطية حرة، يمارسون الضغوط على الحكومة لتلبية مطالبهم بطرق مختلفة، وصلت إلى اختطاف رئيسها زيدان، أو اقتحام مقار الوزارات والمرافق
الاقتصادية بما فيها المنشآت النفطية .
واضطرت الحكومة صاغرة أمام القوة المسلحة للثوار للإذعان لتلك المطالب أكثر من مرة، كان آخرها دفع قرابة مليار دينار لما يسمى بقوات الدروع.
ومن بين الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يؤرق الحكومة ارتفاع مخصصات مرتبات الموظفين المقدر عددهم بمليون شخص تقريبا خلال السنتين الماضيتين ،التي ارتفعت بشكل خيالي حيث كانت في العام 2011 حوالي 8 مليارات دينار وصلت العام الجاري إلى أكثر من 20 مليار دينار، رغم أن عددهم بقي كما هو .
وقال الأكاديمي السائح خليفة، ليونايتد برس انترناشونال "لا أحد يعرف أين تذهب هذه الأموال .. إنها سرقة واضحة ومقننة"، متسائلا "كيف كان النظام السابق يغطي مرتبات الموظفين بمبلغ 8 مليارات دينار".
وأشار السائح إلى أن المواطن العادي بدأ يفقد ثقته بالبرلمان والحكومة وبخاصة مع انعدام الشفافية والوضوح في التعامل المالي .
وتفاقم الأمر مع ظهور آخر تقرير لمنظمة الشفافية الدولية التي صنفت ليبيا من أكثر دول العالم فساداً.
وكشف التقرير حقائق كثيرة عن تهريب الأموال للخارج، بل وسرقتها في الداخل علانية، والتي كان آخرها أكثر من 50 مليون دينار و15 مليون دولار بمدينة سرت، من دون أن تتضح أي فكرة عنها .
وقال الباحث الاقتصادي بمركز البحوث الاقتصادية الدكتور ابراهيم عبيد ليونايتد برس انترناشونال "نحن نعي الفساد الحاصل حتى بدون تقرير المنظمة العالمية في هذا الشأن".
وتابع عبيد" إذا كانت ميزانية حكومة الإنتقالية السابقة التي ترأسها الكيب بلغت 68 مليار دينار وصرفت ولم تبنِ طبقة إسفلت في البلاد، والآن حكومة زيدان التي تطلب مبالغ إضافية لميزانيتها المقدرة ب 64 مليار دينار ولم تشهد البلاد أي مشاريع أو خدمات جديدة فإن الأمر واضح جدا ".
وأضاف "ضاعت الدولة وسرقت وميزانياتها لعامين متتاليين بما يساوي ميزانيات مجموعة دول افريقية تقريبا ".
ورغم أن نائب محافظ المصرف المركزي نفى أن يكون المصرف أنفق 7 مليارات دولار من احتياط البلاد من النقد الأجنبي، إلا أن رئيس الحكومة أكد في مؤتمر صحفي قبل أيام ذلك ، ما يظهر عدم قدرة الدولة على مراقبة مواردها المالية .
وهناك من يرجع الأوضاع التي تعيشها ليبيا اليوم إلى الفترة الانتقالية من الثورة إلى الدولة، غير أن ما يراه الشارع الليبي هو عدم قدرة هذه الحكومة بل وأي حكومة قادمة على تدارك هذه الأوضاع في ظل انتشار أكثر من 20 مليون قطعة سلاح في المدن والشوارع .