تمتلئ شوارع المدن
اليمنية الرئيسية، بمئات العائلات
السورية التي فرت من النزاع الدائر في بلادها، قاصدة اليمن، رغم الانفلات الأمني وأعمال عنف شبه يومية التي تشهدها تلك المدن.
وينطبق على هؤلاء اللاجئين، بحسب محللين، المثل الشعبي القائل: "كالمستجير من الرمضاء بالنار"، أو أنه لا شيء يقود فارّا من معارك سورية إلى اليمن "قلب المعارك الملتهبة في كل جبهة" سوى "سوء البخت".
ومنذ بداية العام الماضي، يشهد اليمن سلسلة اغتيالات وهجمات مسلحة تستهدف عددا من المسؤولين الحكوميين وقيادات بالجيش والشرطة، إلى جانب استهداف مقرات هذه الأجهزة.
وفر
اللاجئون السوريون من بلادهم، عقب اندلاع القتال بين قوات النظام السوري وقوات المعارضة في آذار/ مارس 2011، حيث تطالب المعارضة السورية بإنهاء أكثر من 40 عاما من حكم عائلة الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة، غير أن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف الاحتجاجات.
"مريم ابراهيم"، لاجئة سورية في التاسعة والعشرين من عمرها، فقدت لون بشرتها البيضاء جراء وقوفها الدائم تحت حرارة الشمس في أكبر شوارع مدينة تعز اليمنية (وسط) لبيع المسابح وزخارف لزينة السيارات، لا للتسول مثل كثيرات من بنات بلدها المشردات في عدة دول عربية اللاتي دفعتهن الظروف إلى التسول.
ولم تفقد "مريم" الأمل في عودة وشيكة إلى منزلها في "ريف دمشق"، جنوبي سورية، والذي غادرته قبل نحو ثلاثة أشهر، عقب الهجوم الكيماوي الذي نفذه النظام السوري على مسقط رأسها في الغوطة (جنوب).
ويوميا، تقف مريم في شارع جمال عبدالناصر بوسط مدينة تعز اليمنية من الظهيرة، وما أن رأت سيارة فارهة حتى هرولت باتجاهها طالبة من سائقها أن يقتني منها ما تصنعه بيديها من "سُبح" و"زخارف زينة" خاصة بالسيارات.
لم تُكمل مريم عبارتها "دخيلك (أرجوك) اشتري مني" التي وجهتها للسائق صاحب البنية الضخمة، حتى عادت مبتسمة إلى مكانها الذي اعتادت أن تقف فيه، مستظلة بلوحة إعلانية مغروسة في جزيرة الشارع، وبيدها 500 ريال يمني (2 ونصف دولار ) كقيمة لما باعت.
ويعيش اللاجئون السوريون في اليمن أوضاعاً انسانية صعبة، جعلت الكثير من الفتيات والأطفال تلجأ لـ"التسول" من أجل مواجهة مصاريف الحياة اليومية، في حين ترفض أخريات التفريط بـ"عزة النفس" ولا تتقاضى نقودا إلا مقابل بيع شيء من بضاعتها، مثل "مريم".
وتنفق مريم بشكل يومي 2000 ريال يمني (ما يعادل 10 دولارات أمريكي) إيجارا لغرفة تقطنها مع طفلتيها، بفندق "آسيا" الواقع في شارع المغتربين وسط مدينة تعز اليمنية الذي تقيم فيه مع عديد من اللاجئات، وتؤكد أن ما تبيعه من مسابح وللسيارات المارة يومياً، يساعدها على كسب قوت يومها وعدم مد يدها للتسول".
وقالت مريم إنها بعدما فرت من سورية توجهت إلى لبنان برفقة طفلتيها إسراء (5 سنوات) وسناء (10 سنوات)، ولم تستمر هناك طويلاً بسبب المضايقات الكثيرة التي تعرضت لها، وتزايد الأنباء التي تؤكد تعرض بنات بلدها للتحرش هناك، فما كان منها سوى التوجه إلى اليمن، البلد الذي لا يحتاج السوريون لتأشيرة مسبقة لدخوله.
وعلى الرغم من ثنائها على ما وصفته بـ"طيبة الشعب اليمني"، إلا أن مريم قالت إنها تتوق للعودة إلى بلدها، حيث زوجها، الذي لم يستطيع السفر معهم بسبب عدم امتلاكهم لقيمة تذكرة طيران له، ينتظرها لتعود مع طفلتيه.
ويتحدث الناس في اليمن عن أعداد تتزايد كل يوم للاجئين السوريين، لكن مصدرا في مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بالعاصمة اليمنية صنعاء قال لمراسل "الأناضول" إن "عدد المقيدين رسمياً لدى المفوضية حتى نهاية الشهر الماضي وصل عددهم إلى 1300 لاجئ فقط".
وقال المصدر ذاته إن "الرقم المسجل لدينا لا يعكس الرقم الحقيقي لعدد اللاجئين السوريين باليمن"، مشيرا إلى وجود إحصائيات يمنية غير حكومية تتحدث عن وجود 20 ألف لاجئ سوري، لكنهم غير مقيدين بمفوضية اللاجئين.
لا يتحمس كل لاجئ سوري وصل أرض اليمن للذهاب الى مفوضية اللاجئين من أجل تعبئة استمارة "لجوء إنساني"، ومنهم مريم التي ترفض سلوك هذا الطريق، قائلة: "أنا سورية، وسأعود إلى بلدي".
ويرفض لاجئون سوريون في اليمن التسجيل لدى مفوضية اللاجئين، خشية عدم السماح لهم بمغادرة البلد الذي لا ينظرون إليه سوى محطة ترانزيت، بعد حيازتهم على شهادة اللجوء الانساني، كما يقول محمد حداد، وهو شاب سوري من ريف دمشق (33 عاما)، يبيع مصنوعات يدوية في شوارع تعز.
وقال محمد لوكالة الأناضول: "بدأت أفكر جدياً في العودة إلى الغوطة بعد حوالي أربعة أشهر قضيتها في تعز اليمنية التي أحبها. ولي أصدقاء عادوا إلى مناطقهم في سورية بعد تأكدهم من تحريرها من قوات نظام الأسد".
ويثق محمد، صاحب البشرة المائلة للسمرة وتكسو وجهه لحية بشعر أشقر وغير مرتب، في أن "القادم أجمل.. لن يكون أسوأ من الذي مر علينا في الشهور الماضية". وقال إن "المناطق المحررة لا تشهد أي قصف.. بإمكاننا العودة إليها بسلام".
وينظر اليمنيون لمأساة اللاجئين السوريين بكثير من التعاطف، ويحاولون مساعدتهم بكافة السبل، واقتناء منتجاتهم بأي ثمن يطرحونه. فرغم الفقر المدقع الذي يضرب المجتمع، والأزمات السياسية التي تعصف بالسلم الاجتماعي في بلد يضيق بضيق بأبنائه، إلا أنه يفرد جناحيه للاجئين من كل بلد.
وقال محمد علي، وهو شاب يمني درس الحقوق: "ننظر إليهم كإخوة، لا كمتسولين، ونشعر بالمحنة التي يمرون بها، ونتمنى أن يتجاوزونها سريعاً، فنحن عايشنا الطغيان وإن كان بشكل أخف من الذي حل بهم".
وأضاف: "لعلك سمعت عن الرجل الذي شاهد لاجئة سورية في أحد شوارع مدينة عدن (جنوب اليمن)، وهي تعاني من آلام المخاض، فقام بنقلها إلى أحد مستشفيات المدينة الذي أنجبت فيه 3 أطفال توائم ذكور".
ويحتضن اليمن أكثر من مليون لاجئ افريقي وفق تقديرات رسمية، لكن المسجلين لدى مفوضية اللاجئين الأممية من الأفارقة ربع مليون لاجئ فقط.
وفي بلد يؤوي هذا العدد الضخم من اللاجئين الأفارقة، إضافة إلى انفجار الأزمات الإنسانية فيه يوماً بعد آخر، يبدو مصير اللاجئين السوريين مخيفاً، ومستقبلهم يسير باتجاه اولئك الذين لم ينالوا "بلح الشام ولا عنب اليمن".