طالب أعضاء في
البرلمان الجزائري بتطبيق عقوبة الإعدام على مرتكبي جرائم خطف الأطفال المتبوعة بالقتل العمدي أو الاغتصاب.
فمع بدء مناقشة
قانون العقوبات الجديد، أعاد النواب ملف" عقوبة الإعدام" إلى الواجهة، في خضم جدل كبير بين منظمات "
حقوق الإنسان" التي تطالب بإلغاء العقوبة والاستعاضة عنها بالسجن المؤبد، وبين رجال الدين والأحزاب الإسلامية التي تدفع الى تطبيقها.
وينتمي أغلب أعضاء البرلمان المطالبين بتنفيذ عقوبة الإعدام على مختطفي الأطفال وقاتليهم إلى الأحزاب الإسلامية، وخاصة "تكتل الجزائر الخضراء" الذي يضم كلاً من حركة "النهضة" و"حركة مجتمع السلم" و"حركة الإصلاح الوطني" إضافة إلى "جبهة العدالة والتنمية.
وساد جدال كبير بخصوص ما أسماه النواب "التساهل مع المجرمين خاطفي الأطفال" من خلال عدم تطبيق عقوبة الإعدام بحقهم وتجاهل مشروع قانون العقوبات الجديد الذي تجرى مناقشته.
وقال الأخضر بن خلاف، عضو البرلمان المنتمي إلى "جبهة العدالة والتنمية" الإسلامية إن "المشرع وعوض أن ينص على عقوبة الإعدام صراحة بالنسبة لاختطاف القصر وتعذيبهم والعبث بهم وقتلهم، راحت تقر قوانين اقل أهمية"، وتابع " هذا يدل على الانصياع والإذعان لضغوط من ينادون بإلغاء عقوبة الإعدام ولتذهب صرخات الثكالى أدراج الرياح".
وعادت مناقشات أعضاء البرلمان، ملف "الإعدام" إلى الواجهة إثر "تردد" الحكومة في إلغاء العقوبة نهائيا واستبدالها بالحبس المؤقت، بعد أن عارض رجال الدين والأحزاب الإسلامية إلغاءها، لكن مطالب بتنفيذ الأحكام المتعلقة بالإعدام ارتفعت بعد عمليات اختطاف أطفال خلال العام الماضي وبداية العام الجاري.
وارتفع عدد جرائم خطف الأطفال في الجزائر من أربع حالات في 2008 إلى 31 بين عامي 2012 و2013. وقد أظهرت الأرقام التي تم تقديمها أن 80% من الأطفال المختطفين قد تم تحريرهم من قبل مصالح الأمن.
وقد اتخذت مصالح الأمن إجراءات وقائية للحيلولة دون اختطاف الأطفال في محيط المؤسسات التعليمية وفي الأحياء من خلال تكثيف دوريات الشرطة، كما تم إنشاء نقاط أمن حضري في المراكز العمرانية الكبرى.
وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي اختطفت الطفلة "شيماء" ذات الثمانية سنوات من أمام بيت أهلها بمحافظة "المعالمة" بالعاصمة، على يد شخص نكل بها قبل أن يقتلها. ثم اختطفت الطفلة "سندس" من الشارع وسط العاصمة، وتعرضت هي الأخرى للتنكيل والقتل. وخلال نفس الفترة اختطف الطفلان "إبراهيم" و"هارون" من الحي الذين يقطنان به بمحافظة "قسنطينة" شرق البلاد.
وأحدثت هذه الجرائم المتوالية حالة من الرعب والسخط وسط الجزائريين، وتظاهر الآلاف من الجزائريين في المدن، للمطالبة بالقصاص، وتنفيذ الإعدام في حق المختطفين "في الساحات العمومية".
وأفضت التحقيقات الأمنية إلى أن حالات الخطف هذه ذات دوافع جنسية في غالب الأحيان، أو أن مرتكبي هذه الجرائم يقومون بأفعالهم تحت تأثير المخدرات ومن أجل الحصول على فدية أو من أجل تصفية حسابات عائلية.
وعلى النقيض من توجه الأحزاب الإسلامية المطالبة بتنفيذ العقوبة، تطالب أحزاب ذات التوجه الليبرالي أو العلماني ومنظمات "حقوق الإنسان" في الجزائر بإلغائها.
ويعتبر "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" العلماني أن "عقوبة الإعدام تشكل خرق واضح لحق أساسي من حقوق الإنسان".
ويقول عضو المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم) سعيد بوحجة إن مسار إلغاء عقوبة الإعدام "يجب أن يكون تدريجيا". ويشدد بوحجة على أن الحزب يؤيد "إلغاء العقوبة مع استبدالها بعقوبة أخرى كالحبس مدى الحياة أو تسليط أقصى مدة زمنية داخل السجن"، لكنه "نصح" بأن تسير الجزائر بشكل متدرج في هذا الاتجاه. ويرى أن "تطور المجتمع" جعل مطلب إلغاء العقوبة ملحّا نوعا ما، معتبرا أن على المشرّع الجزائري أن يأخذ هذا المعطى بعين الاعتبار، خاصة وأن العالم يسير في سياق إلغاء العقوبة.
غير أن عضو البرلمان الأخضر بن خلاف ينتقد هذا الموقف، ويؤكد أن "السلطة تستجيب للضغط الدولي لا لغضب الشارع مهما كان المطلب شرعيا".
وفي المقابل، يدافع رئيس "الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان" بوجمعة غشير عن مبدأ إلغاء العقوبة، من قبيل أن " العدالة الجزائرية ليست في مستوى إجراء تحقيقات تؤكد فعلا أن المتهم ارتكب الجريمة، بحيث لو نفّذ في حقه الإعدام ثم بعد ذلك ظهرت عناصر جديدة في التحقيق تثبت براءته لا نستطيع جبر الضرر، بعد أن يكون المعني قد مات".
أما الدكتور محمد الشريف قاهر، رئيس لجنة الفتوى بالمجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر، فيرى أن موقف اللجنة من مسألة إلغاء حكم الإعدام "لا يمكن أن يخرج عن صريح النص القرآني"، وقال إن "القصاص كُتب على المسلمين كما كتب عليهم الصيام".
كما طالبت عضو البرلمان فتيحة عويسات بضرورة تطبيق عقوبة الإعدام العلني من أجل ردع كل من تسوّل له نفسه اختطاف الأطفال وقتلهم أو تعذيبهم، داعية إلى "تكييف مضمون مشروع قانون العقوبات مع متطلبات المجتمع الجزائري كأولوية، بدلا المواثيق والاتفاقيات الدولية على حساب خصوصية المجتمع الجزائري".