بينما تبادل الفرقاء السياسيون
اللبنانيون الاتهامات بالمسؤولية بعد التفجير الذي استهدف السفارة
الإيرانية في
بيروت الثلاثاء، حيث تم ربطه بشكل مباشر بتدخل
حزب الله في سورية، سعت صحف لبنانية مرتبطة بالحزب لتجاوز الاتهام لمجموعات في سورية إلى تحميل
السعودية المسؤولية المباشرة عن الهجوم الذي أودى بحياة 23 شخصاً بينهم الملحق الثقافي للسفارة الإيرانية، وعشرات الجرحى.
بهذا المعنى، خصصت صحيفة الأخبار الموالية لحزب الله والنظام السوري؛ ملفاً تصدر عنوانه الصفحة الأولى: "مكرمة ملكية لايران"، وهو العنوان ذاته الذي جاء تحته مقال رئيس التحرير إبراهيم الأمين.
ومهدت الصحيفة لملفها بفقرة لخصت فيها رؤيتها للمسألة تجاه السعودية بأنها "خسارة في سورية وانتحار في لبنان". فالصحيفة تتحدث عما تسميه "تراجعاً" للمعارضة السورية في حلب ودمشق وتشير على وجه الخصوص إلى بلدة قارة في القلمون، لتتهمها برفع "مستوى جرائمها في لبنان".
وبينما تتساءل الصحيفة في مقدمتها: "من فتح أمس باباً جديداً للدم والدموع"، ينطلق الأمين من القول بأنه "لم يكن أحد يتوقّع أن السعودية، ومن معها في حلف تدمير سورية والعراق ولبنان، يمكن أن ترتدع عن شيء. لكن أحداً لم يتوقع أن تبادر مملكة القهر بالمسارعة الى نقل المعركة نحو مرحلة جديدة، بينها فتح الباب أمام محاولة تعميم تجربة (انتحاريون في العراق) نحو لبنان"، ملمحاً إلى ما أسماها "موجات إضافية من الجنون على شكل (مكرمات ملكية) باللون الأحمر".
وتابع رئيس تحرير "الأخبار" متهماً السعودية ليس فقط بعدم إدانة التفجير السابق في منطقة الرويس في الضاحية الجنوبية، بل إنه ينسب لـ"من يقابل السعوديين على مختلف مستوياتهم في الحكم" أنهم يسمعون "كل انواع التبرير والتغطية لهذه الجرائم"، بل يذهب إلى حد اتهام السعوديين بتوفير "الدعم اللوجستي والمالي" للتفجيرات في الضاحية.
يتقدم الأمين خطوة أخرى، هذه المرة مرسلاً تهديداً للمملكة، ويصف صاحب القرار بالتفجير بأنه "يخطو خطوة كبيرة نحو بوابة الانتحار"، ويتابع متسائلاً: "وإلا فمن هو العبقري الذي قرر الدخول مباشرة في مواجهة مباشرة وبجريمة مباشرة ضد إيران؟"، ليجيب بأنه "سيكون (لهذا الأمر) مقلبه الآخر، وهو أمر لا يعتقد كثيرون أن في مقدور مملكة القهر تحمّله" حسب تعبير الأمين الذي تحدث عن "معركة دموية مع إيران (..) لن يكون لبنان بالتأكيد ساحة لترجمة ذلك".
وفي ذات الملف، ورغم الإعلان المنسوب لمجموعة أطلقت على نفسها اسم "كتائب عبد الله عزام" المسوؤلية عن التفجير، حاولت الكاتبة في الصحيفة هيام القصيفي الإشارة إلى أن الكتائب "ليست على علاقة جيدة" بالسعودية. ومن الواضح أن النفي هنا ليس لاستبعاد مسؤولية السعودية عن الهجوم، بل محاولة - على ما يبدو - لطرح تساؤل عن طبيعة العلاقة بين السعوديين وهذه المجموعة. ويتضح مغزى الكاتبة حينما تشير إلى أن دولاً "لا تنظر بارتياح إلى ما يحصل على خط طهران- واشنطن، ومنها إسرائيل وفرنسا، والاهم هناك السعودية".
وفي ذات السياق، يتساءل سامي كليب في تعليق آخر ضمن الملف ذاته: أيهما أهم الآن بالنسبة لأمريكا، دولة كإيران يمكن أن تساهم في ضرب الإرهاب من أفغانستان إلى الشرق الأوسط، أم السعودية المتهمة منذ
تفجيرات مركز التجارة العالمي حتى اليوم بتشكيل بيئة حاضنة للقاعدة وتسليح التكفيريين؟".
وفي المقابل، تجنبت إيران اتهام السعودية، وألقت باللائمة على إسرائيل. كما تجنبت السعودية الرد على الاتهامات الموجهة إليها، مكتفية بإدانة الهجوم، وهي الإدانة، بحسب إبراهيم الأمين، التي تأخرت حتى صباح اليوم التالي للهجوم.
وقال مصدر سعودي مسؤول إن "حكومة المملكة العربية السعودية تستنكر وتدين بشدة التفجيرات الإرهابية الجبانة التي شهدتها العاصمة اللبنانية بيروت".
ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن المصدر قوله إن "المملكة إذ تتقدم بأحر التعازي لأسر الضحايا والحكومة والشعب اللبناني الشقيق، وأمنياتها للمصابين بالشفاء العاجل؛ فإنها تجدد التأكيد على موقفها بإدانة الإرهاب بكل أشكاله وصوره وأيا كان مصدره أو الدوافع المؤدية إليه".
وقد لاحظ مراقبون حديث قناة العربية التي تمولها السعودية عن كتائب الشهيد عبد الله عزام التي تبنت الهجوم، بوصفها من صناعة إيران، وإن قادها سعوديان، الأمر الذي فُهم على أنه تنصل من المسؤولية، بل وإحالتها إلى إيران نفسها، لكن ذلك كله لا ينفي أن مستوى التصعيد اللفظي الذي عبرت عنه الصحيفة المقربة من حزب الله إنما يعكس مزاجاً سائداً، ليس في الضاحية الجنوبية وحسب، بل وفي طهران أيضاً.