بدت
السعودية منذ البداية متحمسة لإسقاط النظام السوري. ويضع مراقبون ومحللون هذا الحماس في سياق سعي السعودية للوقوف في وجه المشروع الإيراني في المنطقة والخليج بشكل خاص، وهذا ربما يفسر جانباً من التناقض بين الموقف السعودي العام المناهض للربيع العربي بشكل عام (وخصوصاً في مصر وتونس)، وبين الدعم المعلن لإسقاط نظام بشار الأسد في
سورية.
عملياً، سعت السعودية لدعم أطراف محددة، سواء كان على المستوى السياسي أو المستوى العسكري، وذلك بهدف تحديد نفوذ مجموعات مثل الإخوان المسلمين، كما سعت عسكرياً لدعم مجموعات مختارة وتحظى برضى الولايات المتحدة (وهو ما سنراه لاحقاً).
ولعل أبرز مثال على طريقة تعامل السعودية مع
الثورة السورية؛ هو الضغط الذي تعرض له
الائتلاف الوطني، بل ربما القطيعة التامة، بعد اختيار غسان هيتو لرئاسة الحكومة المؤقتة في آذار/ مارس 2013. وحسب مصادر في الائتلاف، فإنه عندما طرح الائتلاف فكرة تشكيل حكومة مؤقتة لإدارة شؤون المناطق المحررة في سورية، تم تداول أسماء عدة لرئاسة الحكومة. وتقول المصادر إنه في البداية حاولت السعودية الترويج لرئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب، ولكن حين ووجه بالرفض من غالبية الأعضاء في الائتلاف جرى تقديم الوزير السابق أسعد مصطفى لكنه أيضاً لم يحظ بالموافقة. حينها دُعي عضو الائتلاف أحمد الجربا، المعروف بعلاقاته بالسعودية، لكي يحضر مع الأمين العام للائتلاف (آنذاك) مصطفى الصباغ للقاء مع نائب رئيس المخابرات السعودية لبحث أمر المرشح المحتمل. وبالفعل حضر الجربا من القاهرة لكن الصباغ سافر إلى اسطنبول لحضور اجتماع الائتلاف الوطني الذي انتخب غسان هيتو لرئاسة الحكومة المؤقتة. وهو ما أغضب السعودية التي سحبت وعودها بالدعم المالي للحكومة، وأوقفت التعامل مع الائتلاف بضعة أشهر، وفق المصادر ذاتها.
وبسبب غياب الدعم المالي (من السعودية والإمارات) ماتت حكومة هيتو في مهدها ولم تعرض على الائتلاف للتصويت عليها رغم اكتمال تشكيلتها وضياع نحو ثلاثة أشهر في العمل عليها، علماً بأن الرئيس السابق للائتلاف أحمد معاذ الخطيب الذي كان معارضاً لفكرة تشكيل الحكومة المؤقتة وقاطع اجتماعات الائتلاف المخصصة لهذا الغرض؛ كان قد طالب بتعهدات مالية من جانب الدول الداعمة قبل المضي في فكرة تشكيل الحكومة.
وفي مرحلة لاحقة، وتحديداً في أيار/ مايو 2013، استقبل الأمير بندر بن سلطان ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل وفداً من المجلس الوطني السوري (وليس الائتلاف رغم أن غالبية أعضاء الوفد أعضاء مشتركون بينهما، بسبب الغضب تجاه الائتلاف منذ تكليف هيتو) يضم في عضويته نائب رئيس المجلس فاروق طيفور، وهو أيضاً نائب المراقب العام لإخوان سورية. وذكرت مصادر في المجلس الوطني أن الأمير بندر حاول أن يبدي اهتماماً خاصاً بطيفور، وهو ما اعتبره الكاتب السعودي جمال خاشقجي أنه رسالة بالدرجة الأولى إلى الإخوان السوريين ومبادرة لفتح خط معهم. لكن المفارقة أن ذلك حدث قبل أقل من شهرين على الانقلاب العسكري في مصر، والذي دعمته السعودية، للإطاحة بحكم الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وتبع ذلك دعم مالي وسياسي كبير للسلطة العسكرية الجديدة. فهل السعودية ضد الإخوان في مصر (وغيرها) ومعهم في سورية؟ ليس ذلك صحيحا بحسب مصادر مقربة من الجماعة، فهي ضدهم في كل مكان، وبما في ذلك في سورية.
في هذا السياق، تقول مصادر متابعة لأعمال الائتلاف الوطني أن السعودية عملت، بالتزامن مع إشاراتها السابقة، على الضغط لتشكيل الائتلاف الوطني السوري بحجة أن يقع تحت سيطرة المجلس الوطني الذي يقع بدوره (برأي الرياض) تحت سيطرة الإخوان المسلمين. ونجح أخيراً السعوديون وبالتعاون مع الفرنسيين والأمريكيين قبل أن ينضم إليهم الأتراك والقطريون؛ في تغيير تركيبة الائتلاف في نهاية أيار/ مايو الماضي، حيث تم ضم 24 عضواً من كتلة يقودها المعارض ميشيل كيلو، إضافة إلى ممثلين عن الحراك الثوري والمجالس المحلية وقيادة أركان الجيش الحر، ليرتفع العدد الكلي لأعضاء الائتلاف إلى 114 بدلاً من 60 عضواً. وبدا أن هذا التغيير قد جاء لصالح النفوذ السعودي.
فبعد الانتهاء من مسألة التوسع جاء دور انتخاب قيادة جديدة للائتلاف. وهنا بدأت السعودية بممارسة ضغوط على أطراف في الائتلاف لإنجاح مرشحها أحمد الجربا الذي دخل في منافسة حادة على منصب الرئاسة مع مصطفى الصباغ الذي يعتبر حليفاً لقطر. وقد فاز أخيراً الجربا في الجولة الثانية للاقتراع بفارق صوتين في تموز/ يوليو الماضي.
وكان واضحاً وقت الانتخابات التي لم تحسم من الجولة الأولى أن السعودية عملت على اجتذاب الكتل المختلفة في الائتلاف لصالحها عبر وعود بالدعم ومنها إرسال السلاح إلى مجموعات مفضلة. بل إن الجربا نفسه، وحسب مصادر حضرت جلسات الائتلاف التي تم خلالها إجراء الانتخابات، ذكر أكثر من مرة أن السعودية ستقدم دعماً مالياً كبيراً إن فاز هو (الجربا) بالرئاسة. ولكن ورغم ذلك، ذكرت مصادر قيادية في الائتلاف أنه عند وقوع المجزرة بالأسلحة الكيماوية في الغوطتين الشرقية والغربية (ريف دمشق) في 21 آب/ أغسطس الماضي لم يكن في صندوق الائتلاف سوى 800 ألف دولار في حين كان الائتلاف مضطراً لإرسال مساعدة مالية للمناطق المنكوبة بمبلغ لا يقل عن مليون ونصف المليون دولار.
على المستوى العسكري، عملت السعودية على دعم المجموعات والكتائب العسكرية التي لها ارتباط برئيس هيئة الأركان للجيش الحر اللواء سليم إدريس الذي تصنفه الولايات المتحدة ضمن المعارضة التي يمكن التعامل معها ومدها بالسلاح. وتشكلت هيئة الأركان في كانون الأول/ ديسمبر الماضي بجهود مشتركة لنحو 12 دولة بينها الولايات المتحدة. وقد شكا رئيس الائتلاف الوطني السابق أحمد معاذ الخطيب، في تصريحات سابقة، من أنه لم يكن على اطلاع ولم يحضر اجتماعات التأسيس.
ولعل الجبهة الجنوبية التي يقودها المقدم أحمد فهد النعمة هي الجبهة التي تلقى الاهتمام الأكبر بالنسبة للسعودية. وحسب مصادر مطلعة في درعا، فإن النعمة لديه تمويل جيد ليس على المستوى العسكري فقط، بل إن افتتح قبل عدة أشهر محطة تلفزيونية تتبع له مباشرة.
وخلال لقاء مع سوريين في الأردن خلال عيد الفطر الماضي، طرح الجربا فكرة تشكيل "الجيش الوطني" الذي يفترض أن يجمع بضعة آلاف من الجنود المنشقين عن قوات النظام السوري. ويُعتقد أن تمويل هذه القوة سيكون من السعودية. لكن نشطاء وقيادات في كتائب مقاتلة في سورية رأوا في طريقة الإعلان عن تشكيل هذا الجيش ومكوناته والإطار الذي وضع فيه يوحي أنه سيوضع في مواجهة مجموعة توصف بأنها متطرفة، وهو ما نفاه الجربا واعتبر أن اقتراحه قد أسيء فهمه وأن الفكرة لم تتبلور بعد بشكل نهائي.
وأخيراً، كغيرها من دول الخليج، فقد أغلقت – تقريباً - باب التأشيرات أمام السوريين الراغبين بزيارتها، رغم أنها قالت إن الذين يتواجدون على أراضيها لن يتم ترحيلهم. كما أن أُعلن عن منع تظاهرات السوريين للتعبير عن رأيهم تجاه ما يجري في بلدهم. وفي الأشهر الأولى من الثورة جرى اعتقال عدد من السوريين الذي خالفوا هذا الحظر وأطلق سراحهم لاحقاً بعد تعهدهم بعدم التظاهر.
وفي المقابل، انتقدت السعودية المجتمع الدولي ومجلس الأمن لعجزهما عن "حماية" الشعب السوري. وللتعبير عن احتجاجها، رفضت المملكة إلقاء كلمتها في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة كما ألمحت إلى رفضها شغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن بعد اختيارها كممثل للمجموعة العربية. كما وجه المسؤولون السعودية انتقادات علنية للولايات المتحدة.
كما سبق ان انسحبت السعودية من اجتماعات للمجموعة المعروفة باسم "أصدقاء سورية"، بسبب أن قراراتها "لا ترقى" لمستوى الحالة السورية.