فاجأت حكومة الانقلاب الجميع في
مصر بإعلانها عن مشروع قانون جديد لحماية كبار المسئولين بالدولة من المحاسبة القانونية، ويتسامح مع الذين يرتكبون مخالفات "بحسن نية" ودون قصد جنائي.
وليست هذه المرة الأولى التي يطالب فيها قادة الانقلاب بالتحصين، حيث طالب الفريق عبد الفتاح
السيسي وزير الدفاع وقائد الانقلاب في تسجيل مسرب له نشرته شبكة رصد؛ بتحصين منصبه كوزير للدفاع ضد الإقالة أو المساءلة، كما طالب السيسي أيضا بتحصين القوات المسلحة ضد تدخل أي رئيس مدني في شئونها.
كما طالب قادة وزارة الداخلية بتفويض كتابي قبل فض اعتصامي رابعة والنهضة حتى يُعفون أنفسهم من المساءلة القانونية فيما بعد.
تبريرات الحكومة
وقال المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء شريف شوقي لصحيفة "الشرق الأوسط" إن التشريعات الجديدة تعالج "اللحظة الاستثنائية للمرحلة الحالية". لكن متابعين يشيرون إلى أن المصريين لم ينسوا أن مبارك الذي أطاحت به ثورة يناير 2011؛ حكمهم بقانون الطوارئ لثلاثين عاماً مستخدماً نفس المبرر وهو معالجة "الظروف الاستثنائية".
ويقول شوقي إن القانون يحصن الوزراء بعد الانتقادات التي توجه إليهم لخشيتهم من اتخاذ قرارات حاسمة، خشية المساءلة القانونية.
وأشار مجلس الوزراء في بيان له صدر الخميس الماضي إلى أن الغرض من القانون ليس إعفاء المسئولين من المسئولية، بقدر إزالة الخوف والقلق في اتخاذ القرارات، الأمر الذي يعطي الإدارة الحكومية جرأة في اتخاذ القرارات، ويشجع على تيسير مناخ الاستثمار.
ويدعم هذا التوجه الدكتور شوقي السيد أستاذ القانون – وهو مقرب من قادة الانقلاب - الذي اعترف بأن المسئولين بالدولة الآن يرفضون التوقيع على أي قرار خوفاً من المساءلة، وأن البلد مكبلة اليدين في ظل حكومة "الأيادي المرتعشة".
تحصين للمفسدين
لكن القانون تعرض لانتقادات من أحزاب وقوى سياسية داعمة للانقلاب العسكري، حيث يرى عبد الغفار شكر نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان - وهو أيضاً رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي - أن قانون حماية المسئولين قصد منه أساساً حماية الوزراء الذين تصدر بحقهم أحكام بالحبس لعدم تنفيذ أحكام قضائية.
وقال إن الوزراء خائفون بعد الحكم النهائي بحبس هشام قنديل رئيس الوزراء السابق، مؤكداً أن صدور هذا القانون يضيع حقوق المواطنين الذين يقاضون الدولة ويصدر لصالحهم أحكام.
أما يونس مخيون رئيس حزب النور – المشارك في الانقلاب – فقال على صفحته على "فيسبوك": "إن القانون هو في الحقيقة لحماية الفساد وتحصين المفسدين كما كان يحدث في زمن مبارك، وإذا سئل عن ذلك قال أنا لم أقصد إلا الخير، فلا يعاقب و لا يحاكم".
وتساءل مخيون: "ما هو المعيار الذي نضبط به حسن النية من عدمه؟"، مضيفاً: "نحن نريد قوانين تحمي الشعب من فساد المسئولين وليس العكس".
حتى حركة تمرد، أكبر الداعمين لحكومة الانقلاب، استنكرت القانون مؤكدة رفضها مبدأ التحصين لأي مسئول.
وقال محمد هيكل، مسئول التنظيم بالحركة، لصحيفة "الشروق" إن مبدأ الشفافية والمحاسبة يجب أن يسود على الجميع، وإن مسئولى الدولة ليسوا بحاجة لمثل هذه القوانين.
من جانبه، وصف خالد المصرى، المتحدث باسم حركة "6 أبريل"، مشروع القانون بالفاشل والمثير للدهشة، وأنه استمرار للقوانين المحصنة للسلطة والمسئولين عن إدارة البلاد.
قانون كارثي
كما هاجم أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة الدكتور ثروت بدوي قانون تحصين تصرفات كبار المسئولين بالدولة، مؤكداً أنها سابقة لم تحدث في تاريخ الدول بالعصر الحديث، لأنها تسمح للمسئولين بمخالفة القانون والإفلات من العقاب، فالمشروع يعطي مسوغاً قانونياً لاستمرار الفساد ودون رادع، حيث من الصعب إثبات أن نية المسئول كانت غير حسنة.
وأضاف بدوى في تصريحات تلفزيونية أن التفكير في إصدار مثل هذا القانون "الكارثي" دليل واضح على تخوف قادة "الانقلاب" من سقوط النظام الحالي، وبالتالي الخشية من المحاكمة على "جرائمهم التي ارتكبوها بحق الشعب المصري".
أما حزب "الوطن" – عضو التحالف الوطني لدعم الشرعية – فوصف قانون تحصين المسئولين بأنه عودة صريحة لعهد الرئيس المخلوع مبارك عبر حماية الفساد بالقوانين.
وقال يسري حماد المتحدث باسم الحزب إن هذا القانون يأتي متزامناً مع إلغاء لجنة الدستور للمادة التي تنص على أن العقوبة بجرائم الفساد لا تسقط بالتقادم.
الرعب من المحاسبة
ويقول قانونيون إن الحكومة لم تكن حسنة النية عندما طالبت بقانون لحسن النية، فالقانون موجود فعلاً وسارٍ منذ عام 1937 وتم تطبيقة آلاف المرات من قبل بشرط إثبات الموظف أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعيته وفقاً لأسباب معقولة.
ويعتقد المراقبون أن فكرة التحصين باتت تسيطر على قادة الانقلاب خشية تحمل مسئولية مخالفة القانون، وأنهم مرعوبون من محاكمتهم فى المستقبل الذي ربما لا يكون بعيداً.