نشرت صحيفة "
واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرا، للصحفية روبي ميلين، من مخيم قلنديا، قالت فيه إنّ: "وكالة
الأمم المتحدة التي تقدم المساعدات والخدمات لملايين الفلسطينيين، قد تضطرّ قريبا لإنهاء عملياتها بالضفة الغربية وقطاع
غزة، حيث تستعد إسرائيل لسن قانونين، يحظران عمل المنظمة، ويحظران الاتصال بين موظفيها والمسؤولين الحكوميين".
وبحسب التقرير الذي ترجمته "عربي21" فإنه: "من المقرر أن يدخل التشريع، الذي أقرّه الكنيست الإسرائيلي، بإجماع شبه كامل، في تشرين الأول/ أكتوبر، حيز التنفيذ، في وقت لاحق من هذا الشهر".
وتابع: "قد يجبر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (
الأونروا) على التفكيك، وهي التي بنيت على مدى أجيال لخدمة عدد متزايد من اللاجئين وذريتهم"، مردفا: "اتخذت إسرائيل بالفعل خطوات كبيرة لإعاقة عمليات الأونروا في غزة".
وأوضح التقرير نفسه، أن دولة
الاحتلال الإسرائيلي، قد "زعمت العام الماضي أن 19 من أصل 13 ألف عامل في الوكالة شاركوا في عملية 7 أكتوبر 2023. ووجد تحقيق داخلي للأمم المتحدة في آب/ أغسطس أن تسعة من المتهمين، ربّما كانوا متورطين؛ وأن إسرائيل قدمت أدلة غير كافية أو لم تقدم أي أدلة على الحالات الأخرى".
ومع ذلك، أبرز التقرير أن: "إسرائيل قيّدت عمليات تسليم المساعدات وألحقت الضرر أو دمّرت مئات المباني التابعة للوكالة، في ضربات يقول الجيش إنها استهدفت حماس".
مخاوف بالجُملة
"الآن، هناك مخاوف من أن الوكالة قد تصاب بالشلل بسبب حملة قمع مماثلة في الضفة الغربية والقدس، حيث توفّران معا فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية وخدمات الصرف الصحي لأكثر من 900 ألف لاجئ مسجل" استرسل المقال.
وأبرز: "اعتمدت مجتمعات بأكملها على الأونروا لأجيال، ويقول المسؤولون الفلسطينيون إنه حتى لو تمكنوا من سد الفجوات التي ستخلفها الوكالة، فإن القيام بذلك قد يحرم اللاجئين من وضعهم القانوني، والذي يشمل الحق في العودة إلى ديارهم".
قال المشرف على عمليات الأونروا في وسط الضفة الغربية، ثائر جلود: "إنه كابوس". فيما تشمل المنطقة مخيم قلنديا للاجئين، الذي يقطنه أكثر من 16 ألف فلسطيني.
ويدير جلود نحو 1100 موظف، بما في ذلك المعلمون والأطباء وعمال النظافة، الذين يخشون أن يصبحوا عاطلين عن العمل قريبا. كما يتلقى مكالمات من أولياء أمور قلقين، يتساءلون عما إذا كانوا سيظلون قادرين على إرسال أطفالهم إلى المدرسة.
وأوضح جلود أن المسؤولين الإسرائيليين لم يخبروه بعد ما إذا كان القانون سيجبر المدرسة على الإغلاق. مبرزا: "نحن لا نضع أي خطة طوارئ. أولئك الذين أصدروا القوانين يجب أن يضعوا الخطط، وليس نحن".
من جهته، لم يعلق مكتب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على مستقبل الأونروا أو تنفيذ القوانين الجديدة. في كانون الأول/ ديسمبر، قال مسؤول أمني إسرائيلي للصحفيين: "في غزة، سنفعل كل ما هو ممكن لضمان أن تحل المنظمات الدولية الأخرى محل الأونروا".
وأضاف المسؤول الذي لم يكشف عن هويّته: "فيما يتعلق بالضفة الغربية، إذا كنت مستشارا للسلطة الفلسطينية، فإنني سوف أقترح استبدال الأونروا. الأمر ليس معقدا إلى هذا الحد".
"إسرائيل لم تخبر الأونروا"
إلى ذلك، تأسّست "وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" في كانون الأول/ ديسمبر 1949، وذلك بموجب قرار أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في أعقاب الحرب الأولى، التي اندلعت غداة إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي.
لكن المسؤولين الإسرائيليين انتقدوا "الأونروا" وعملها لسنوات، زاعمين أنّ: "الوكالة تغذي المشاعر المعادية لإسرائيل بين اللاجئين الفلسطينيين من خلال تشجيع حقهم في العودة. حتى قبل الادعاءات بخصوص 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وهي التهم التي تنفيها الوكالة".
وقالت مديرة الاتصالات في الوكالة، جولييت توما، إنّ: "إسرائيل لم تخبر الأونروا كيف ستؤثر القوانين على عملياتها. وإن من بين المخاوف الرئيسية الحظر المفروض على تواصل المسؤولين الإسرائيليين مع موظفي الأونروا، والذي قد يعيق تدفق الإمدادات وإصدار التأشيرات وسلامة الموظفين".
وأضافت توما أنّ: "جميع عمليات تسليم المساعدات في غزة يجب تنسيقها وعدم تعارضها مع الجيش الإسرائيلي". مردفة: "نحن لا نذهب إلا عندما يعطونا الضوء الأخضر. إذا تم حظر التنسيق، فسيكون من المستحيل ضمان سلامة الموظفين".
وأشار المسؤول عن شؤون الأونروا في غزة، سام روز، إلى أن: "التنسيق مع إسرائيل طوال الحرب لم يضمن سلامة الموظفين". وتقول الوكالة إن أكثر من 260 موظفا في الأونروا قُتلوا في غزة، وكثير منهم أثناء وجودهم في منازلهم أو في ملاجئ النازحين مع عائلاتهم. فيما نفت دولة الاحتلال الإسرائيلي استهداف عمال الإغاثة.
كذلك، يرتبك مسؤولو الأمم المتحدة بشأن ما يحدده القانون على أنه "أراضٍ إسرائيلية"، ما يترك مخيمات اللاجئين في القدس المحتلة والضفة الغربية في حالة من الغموض.
تنفق الأونروا 60 مليون دولار شهريا على الرواتب وتكاليف التشغيل في جميع أنحاء المنطقة -تشمل أيضا الأردن وسوريا ولبنان- وتعتمد بشكل أساسي على مساهمات المانحين. في أعقاب المزاعم الإسرائيلية، قالت دول بما في ذلك بريطانيا وكندا واليابان والولايات المتحدة إنها ستعلق التمويل.
إلى ذلك، استأنفت جميع الدول المذكورة دعمها منذ ذلك الحين، مستشهدة بالأزمة الإنسانية في غزة، باستثناء الولايات المتحدة، وهي أكبر مانح للأونروا.
إثر ذلك، أعلنت السويد، التي تبرعت بنحو 40 مليون دولار للوكالة في عام 2024، في كانون الأول/ ديسمبر أنها ستنهي التمويل، وهي الخطوة التي فاجأت مسؤولي الأونروا في الضفة الغربية. بينما انتقدت وزارة الخارجية السويدية التشريع الإسرائيلي في بيان لصحيفة "واشنطن بوست" لكنها قالت إنها تحول الأموال "لضمان وصول الدعم السويدي إلى المحتاجين بأكثر الطرق فعالية ممكنة".
من جهتها، قالت رئيسة عمل الوكالة في شمال الضفة الغربية، هنادي أبو طاقة، إن "نقص الأموال أجبر الأونروا بالفعل على تنفيذ بعض تدابير التقشف. فليس لديها ميزانية تقريبا لاستبدال أعضاء الموظفين الذين يتركون العمل أو يتقاعدون، ولديها أموال محدودة لإصلاح المركبات أو المعدات".
كذلك، قالت مديرة مدرسة البنات الإعدادية في مخيم بلاطة للاجئين على مشارف نابلس، وفاء مراحيل، إنّ: "أحجام الفصول الدراسية في المدارس زادت وأصبح الطلاب يحصلون على اهتمام أقل".
يعيشون من الوكالة.. ما مصيرهم؟
وتعيش صبحية أبو رويس، 62 عاما، في منزل صغير داخل الأزقة الضيقة المكتظة بالسكان في بلاطة. كان والداها لاجئين من يافا واعتمدت على "الأونروا" طوال حياتها، كما فعل أطفالها الثمانية و52 حفيدا.
وقالت رويس إنه: "بدون التعليم المجاني والرعاية الصحية التي تقدمها الأونروا، "سنموت".
تخدم عيادة بلاطة حوالي 80 ألف مريض سنويا، وفقا لرئيس الأطباء، هيثم أبو عيطة. وتقدم الأونروا اللقاحات والأشعة السينية وفحوصات الدم والرعاية بعد الولادة وعلاج الأمراض المزمنة. وقال إنه "قلق من أن تعيق القوانين الجديدة بشدة استيراد المعدات الطبية إلى الضفة الغربية".
وأوضح
التقرير: "الوكالة تكافح أصلا لتوفير الخدمات الأساسية. فقد تراكمت أكوام من القمامة الأسبوع الماضي خارج مكتب الأونروا في مخيم العروب في جنوب الضفة الغربية. ولم تأت شاحنات القمامة البيضاء التي تحمل شعارها، والتي تحمل أحرف الأمم المتحدة الزرقاء، منذ أيام".
"أخيرا، استأجرت الوكالة شاحنة من السلطة الفلسطينية. واستخدم العمال المجارف والأيدي العارية لإزالة الأزبال" بحسب التقرير نفسه الذي ترجمته "عربي21".
وأردف: "فيما أعرب بعض السكان عن أملهم في أن تتولى السلطة الفلسطينية المسؤولية من الأونروا في أجزاء الضفة الغربية التي تسيطر عليها، يقول المسؤولون الفلسطينيون إن هذه ليست مسؤوليتهم".
وقال رئيس لجنة الخدمات الشعبية، وهي فرع من منظمة التحرير الفلسطينية، والتي تمثل الفلسطينيين دوليا وتتواصل مع موظفي الأونروا في المخيمات، أحمد ذوقان: "يجب أن يكون ذلك على عاتق المجتمع الدولي".
وقال المدير التنفيذي لمكتب اللاجئين التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية، ناصر شرايعة، إن: "استبدال الأونروا من شأنه أن يبطل وضع الفلسطينيين كلاجئين: إذا وافقنا كفلسطينيين على أن نكون الحل البديل لغياب الأونروا، فإننا نعترف بأننا ننكر حقنا في العودة".
وبالنسبة للعديد من الإسرائيليين، فإن هذا الشعور هو السبب الرئيسي وراء ضرورة نفي الأونروا. وقالت عضو الكنيست السابق التي كتبت وتحدثت على نطاق واسع ضد الأونروا، إينات ويلف: "توفر المنظمة الوقود والدعم للرؤية الفلسطينية بأنه لا ينبغي أن تكون هناك دولة يهودية وأنهم سيحققون هذا الهدف في يوم من الأيام".
ويقول الفلسطينيون إن "الأونروا" لا يمكن تفكيكها إلا عندما لا يعودون لاجئين: "أغلقوها بمفتاح، وامنحونا أسبوعين، وضعونا في حافلات وأعيدونا إلى منازلنا الأصلية"، كما قال أبو أحمد، 58 عاما، أحد سكان مخيم العروب.
في الشمال، وبينما كانت الأمطار تتساقط على جدران مدرسة البنات في مخيم قلنديا، كانت لامار مزهر البالغة من العمر 14 عاما تقدم عرضا لزملائها في الفصل. وقالت مزهر: "الانتخابات هي أدوات الحرية والديمقراطية. صوت الشعب هو قوة المجتمع".
كانت درجة الحرارة أعلى بقليل من 50 درجة [فهرنهايت] (10 درجات مئوية). كانت الفتيات يرتدين معاطفهن المنتفخة داخل الفصول الدراسية غير المدفأة وهن يستمعن، وكتبهن المدرسية مفتوحة، وأقلامهن جاهزة. قالت مراحيل، مديرة المدرسة في بلاطة: "التعليم هو سلاحنا".