تتزايد التقارير
الإسرائيلية المتذمرة من تحوّل
اقتصاد دولة
الاحتلال في العام والنصف الماضيين من قوة
اقتصادية جاذبة للاستثمارات طويلة الأمد، إلى مقصد للمضاربين الباحثين عن أرباح سريعة
بسبب الاضطرابات السريعة، بدءًا بالانقلاب القانوني، وانتهاءً بالحرب على
غزة، حيث استغلت
أكبر البنوك في العالم مشاعر اليأس في "إسرائيل" للمراهنة على سوق رأس المال
فيها، وجني الأرباح منها.
عيران هيلدسهايم
المراسل الاقتصادي لموقع "
زمن إسرائيل"، أكد أنه "بعد توقيع اتفاق وقف
إطلاق النار مع لبنان، فإنه ينظر الإسرائيلي العادي إلى شاشات بورصة تل أبيب، ويبقى في حيرة
من أمره، لأن هذا النوع من الاتفاقات كان متوقعاً أن يعيد ثقة المستثمرين في السوق
الإسرائيلية، لكنه أدى في الواقع إلى انخفاض المؤشرات بأكثر من 2% في اليومين التاليين
لدخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ".
وأضاف في تقرير
ترجمته "عربي21" أن "الشيكل، الذي كان يتوقع بطبيعة الحال أن يرتفع فإنه ضعف بالضبط في اليوم الذي دخل فيه وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، ويعود هذا الانخفاض،
من بين أمور أخرى، لسياسة الاستثمار المعروفة للمضاربين المحترفين، القائمة على قاعدة
الشراء المستند على شائعات وأخبار غير يقينية. وبينما يتبع المستثمرون المحترفون هذه
الاستراتيجية، يميل المتداولون غير المحترفين للتركيز على الأخبار كما هي، ويتكهنون
بأن سوق الأسهم سيرتفع بعد الأحداث "الإيجابية" مثل وقف إطلاق النار".
وأشار إلى أنه
"لذلك، عندما يتفاعل السوق بالانخفاض بدلاً من الارتفاع، فإن النتيجة تفاجئهم
في بعض الأحيان، وبالمقارنة مع المتداولين الأقل خبرة، فإن المضاربين المعروفين باسم
"أسماك القرش" في السوق الإسرائيلية، يتخصصون في تحديد الاتجاهات والتوقعات
في وقت مبكر، ويعملون بطريقة محسوبة، حيث يشترون الأصول المالية بالفعل في مرحلة الإشاعة،
عندما لا تزال الأسعار منخفضة نسبيًا، ويسارعون لبيعها بأرباح قياسية بمجرد أن تصبح
الإشاعة خبرًا رسميًا".
وأوضح أن
"هذا مجرد مثال واحد على كيفية قيام المضاربين في السوق الإسرائيلية، فقد استفادوا
من التقلبات العاطفية التي شهدتها الدولة في 2023-2024، لجمع ثروة ضخمة، ويتوقع أن
تسجل أكبر البنوك في العالم أعلى إيراداتها في السنوات الخمس الأخيرة من التداول في
السندات والشيكل الإسرائيلي، بفضل التقلبات الكبيرة التي سببتها
الحرب على غزة ولبنان،
حيث ستجني البنوك ما يصل إلى 475 مليون دولار من تداول العملات والسندات والسلع المرتبطة
بإسرائيل خلال عام 2024، بزيادة تزيد على الـ10% مقارنة بالعام 2023".
وأكد أنه
"من المتوقع أن يكسب البنك الأمريكي الرائد، جيه بي مورغان، 70 مليون دولار من
هذه المعاملات، ما يجعله أكبر رابح بين البنوك العالمية العشرة، ويشير النمو الرقمي
إلى نشاط غير عادي وإيجابي في الأصول الإسرائيلية، وبالتحديد في عام يتسم بنشاط تداول
ضعيف نسبيًا، ومن المتوقع أن يسجل بنك غولدمان ساكس وسيتي غروب أرباحًا كبيرة نتيجة
لذلك، لأن الحرب المستمرة في غزة ولبنان، بجانب الاضطرابات الاجتماعية داخل إسرائيل".
وشرح قائلا إن
"كل هذه التطورات أنشأت أرضاً خصبة للانتهازية المالية، والتقلبات الحادة في أسعار
المنتجات المالية والعملات مثل الشيكل، وتغير سندات الدولة بشكل شبه يومي، وفقاً للتطورات
والتوقعات المتقلبة، وبالنسبة لعامة الإسرائيليين يعتبر هذا نموذجاً لعدم الاستقرار
الاقتصادي؛ أما للبنوك والمضاربين فتعدّ فرصة ذهبية لتحقيق الربح، من خلال إجراء رهانات
دقيقة على اتجاهات الأسعار، وإجراءات الشراء أو البيع في الوقت المناسب".
وأشار إلى أنه
"بعكس المقامرة في الكازينو، يعتمد المضاربون الإسرائيليون على الأدوات المالية
المتقدمة والمعرفة المتعمقة لاستغلال تقلبات السوق لصالحهم، مع أن هذه المعرفة ليست
في متناول الإسرائيلي العادي، الذي غالبا ما يجد صعوبة في فهم سبب انخفاض السوق عندما
يبدو أنه يجب أن يرتفع، أو العكس عندما لا يحتاج المضاربون لسوق مستقر، على العكس من
ذلك، فكلما كان الوضع أقل استقرارا، زادت إمكانية ربحهم".
وأكد أنه
"إذا تم استخدام الشيكل في الماضي كرمز للقوة والاستقرار، فقد أصبح خلال الحرب
الجارية متقلبًا بشكل غير عادي، في بداية الحرب، ضعف بشكل حاد، وسرعان ما تجاوزت قيمته
عتبة الأربعة شيكل لكل دولار، لكنه في هذا الشهر كانون الأول/ ديسمبر 2024 عقب التوصل
لاتفاق مع لبنان، ارتفع سعره بنحو 3% مقابل الدولار في يومين فقط، وكان تقلّبه منذ
تشرين الأول/ أكتوبر 2023 مرتفعا للغاية لدرجة أنه تجاوز تقلّب اليورو طوال العام".
وأوضح أن
"كل تقلّب من هذا القبيل يمثل فرصة للمضاربين لجني أرباح كبيرة وسريعة من فجوات
البيع والشراء التي تحدث في فترات زمنية قصيرة، ولذلك لعبت الحرب، والانقسامات السياسية
العميقة في الدولة، والمخاوف بشأن عدم استقرارها المؤسسي، والانقلاب القانوني المثير
للجدل، دورا مركزيا في زيادة التقلبات الاقتصادية".
وختم بالقول إن
"هذا التدهور الاقتصادي يسلّط الضوء على حقيقة كارثية مفادها أن سياسات الحكومة
الحالية لم تخلق انقساما وصدعا داخل الدولة فحسب، بل غيّرت أيضًا وضعها الاقتصادي من
قوة تجتذب العديد من الاستثمارات، إلى ملعب مالي للمضاربين من جميع أنحاء العالم، ممن
يستغلون عدم الاستقرار والاضطرابات التي تمر على الدولة لجني الأرباح".