في ضوء الحرب الحالية، وحتى نفهم مجرياتها
وأهدافها المعلنة والمبطنة وسيناريوهات المستقبل، فإنه يجدر بنا أن نقرأ
الاستراتيجية الصهيونية لـ"خلق واقع أمني واستراتيجي وجيوسياسي جديد"،
يوفر تحقيق أحد مبادئ العقيدة الأمنية
الإسرائيلية، "مبدأ
الحدود
الآمنة"، أو "الحدود التي يمكن الدفاع عنها".
وفي هذا المقال، نقدم خلاصة كتابين نشرهما
مركز القدس للشؤون العامة JCPA،
وهو أحد المراكز البحثية الإسرائيلية المهمة:
1 ـ الكتاب الأول: "المتطلبات الأمنية
الحاسمة لإسرائيل لحدود يمكن الدفاع عنها: أساس سلام قابل للحياة"، الذي صدر
في 2014. وشارك في كتابته مجموعة من كبار القادة العسكريين الإسرائيليين مثل،
موشيه يعلون: وزير الدفاع آنذاك، عوزي ديان: نائب رئيس الأركان الأسبق، يعقوب
عميدرور: مستشار الأمن القومي السابق، أهارون زئيفي فركاش: الرئيس السابق
للاستخبارات العسكرية.
2 ـ الكتاب الثاني: "التمسك بالعقيدة
الإسرائيلية للحدود التي يمكن الدفاع عنها"، وصدر في 2022، وقام بكتابته
السفير دوري جولد المستشار السياسي الأسبق لشارون ونتنياهو، وقدم له العميد احتياط
يوسي كوبرفاسر، الذي شغل من قبل منصب المدير العام لوزارة الشؤون الاستراتيجية
الإسرائيلية، ورئيس قسم الأبحاث في المخابرات العسكرية الإسرائيلية.
أهمية الموضوع
سنجد من خلال
عرض الكتابين، أن مفهوم الحدود
الآمنة أو الحدود التي يمكن الدفاع عنها، هو مصطلح غير محدد ومتغير حسب: الرؤية
الأمنية والاستراتيجية الإسرائيلية، والتهديدات القائمة أو المحتملة ومصادر هذه
التهديدات، والمكاسب الأمنية والاستراتيجية التي يمكن أن تحققها على الأرض.
منذ حرب 1967، أصر مهندسو الأمن القومي الإسرائيلي على ضرورة الاحتفاظ بـ "حدود يمكن الدفاع عنها" لتوفير العمق الاستراتيجي لها، وضمان سلام مستقر!! وينطبق هذا المبدأ بشكل خاص على الضفة الغربية، ومرتفعات الجولان.
وسنجد أيضا كم أضاع العرب من فرص لتحجيم
إسرائيل، واستعادة الحقوق الفلسطينية المسلوبة، لو أحسنوا استغلال ما لديهم من أوراق؛ سواء كانت عبر التعاون المشترك، أو دعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.
موجز الكتابين
على الرغم من الجهود المكثفة التي بُذلت في
العواصم الغربية على مدى العقود الستة الماضية، لتخمين المتطلبات الأمنية لإسرائيل
في أي حل للصراع العربي الإسرائيلي، كانت هناك رؤية لدى إسرائيل بشأن ما تحتاجه
لحماية حدودها في الشرق الأوسط غير المستقر على الدوام.
ومنذ حرب 1967، أصر مهندسو الأمن القومي الإسرائيلي على ضرورة الاحتفاظ بـ "حدود يمكن الدفاع عنها" لتوفير العمق الاستراتيجي لها، وضمان سلام مستقر!! وينطبق هذا المبدأ بشكل خاص على الضفة الغربية، ومرتفعات الجولان.
وقد أدرج رئيس الأركان الأسبق غادي آيزنكوت
"حدودا يمكن الدفاع عنها"، من بين المبادئ السبعة للأمن العسكري
لإسرائيل. وقرر أن أي ترتيب سلام، يجب أن يؤكد أن "إسرائيل ستمارس بنفسها
سيطرة مطلقة على غلافها الاستراتيجي الحالي، بما في ذلك وادي الأردن"،
فالأراضي المجاورة للضفة الغربية تحتوي على حوالي 70% من سكان إسرائيل و 80% من
طاقتها الصناعية.
تعريف الحدود الآمنة كما تراها إسرائيل
الحدود الآمنة هي التي تُمكن إسرائيل من
الدفاع عن نفسها بكفاءة، وردع وإحباط ومنع التهديدات العسكرية المحتملة، وتوفير
الإنذار المبكر في الوقت المناسب ضد التهديدات كافة. ولها أربعة أبعاد:
1 ـ البعد الإقليمي: التهديدات القادمة من
المناطق البعيدة أو المجاورة لإسرائيل، أو من داخل الأراضي الواقعة تحت سيطرتها.
2 ـ البعد الزمني: التهديدات الحالية
والمتوقعة على المدى المتوسط والطويل.
3 ـ البعد العسكري: التهديدات التقليدية
للجيوش، والتهديدات غير التقليدية لمنظمات المقاومة، وتهديدات الأنفاق، والتهديدات
البحرية، والتهديدات الجوية، بما في ذلك الطائرات المأهولة والمسيرة والصواريخ
الباليستية وصواريخ كروز، وغيرها من تهديدات.
4 ـ التهديدات الإضافية: المتعلقة بالمجال
السيبراني، والمياه، والاتصالات.
قرار 242 والاحتياجات الأمنية الإسرائيلية
بعد حرب الأيام الستة، صدر قرار مجلس الأمن
رقم 242 1967، الذي تم اعتماده بالإجماع، وكان بمنزلة أساس لجميع معاهدات السلام
العربية الإسرائيلية. ولم يطالب القرار إسرائيل قط بالانسحاب من جميع الأراضي التي
استولت علييها.
لم تكن اللغة التي تم اعتمادها نتيجة خطأ
مطبعي؛ بل كانت عبارة عن اتصالات دبلوماسية مكثفة على أعلى المستويات بين الأعضاء
الدائمين في مجلس الأمن. وقال المندوب البريطاني لورد كارادون، الذي صاغ القرار:
لم نطلب من إسرائيل الانسحاب إلى حدود 4 حزيران/ يونيو 1967. ومن وجهة نظر وزير
الخارجية الإسرائيلي، أبا إيبان، فإن لغة القرار 242 تركت الباب مفتوحا أمام
إمكانية "مراجعة الأراضي".
نزع السلاح مقابل الانسحاب إلى حدود 4 حزيران/ يونيو
كانت فكرة أن إسرائيل بحاجة إلى "حدود
يمكن الدفاع عنها" محل تشكيك في الخارج، وكتب العقيد ميريل ماكبيك في مجلة Foreign Affairs في نيسان/ أبريل
1976: "يحق لإسرائيل، كما قالت مائير، أن تكون لها حدود يمكن الدفاع عنها.
لكن: أين يمكن رسم مثل هذه الحدود؟" مما يعني أن خطوط ما قبل الحرب كانت
كافية. وكان اقتراحه المركزي لحل الصراع، هو صيغة "العودة الكاملة"
للأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، مقابل "التجريد التام من
السلاح". لكن وزير الخارجية إيغال ألون رفض الانسحاب، وقال في محادثة مع وزير
الخارجية الأمريكي سايروس فانس: الأسلحة الحديثة تجعل التضاريس والجغرافيا عناصر
لا غنى عنها في أي تسوية. وقد أثر تفكير ألون بلا شك على نهج رابين في صنع السلام،
كما كان واضحا في خطابه الأخير في الكنيست، الذي ألقاه في تشرين الأول/ أكتوبر 1995، حيث قال:
لن نعود إلى خط 4 يونيو 1967.
الحدود الآمنة هي التي تُمكن إسرائيل من الدفاع عن نفسها بكفاءة، وردع وإحباط ومنع التهديدات العسكرية المحتملة، وتوفير الإنذار المبكر في الوقت المناسب ضد التهديدات كافة.
ومن الواضح أن رابين كان لا يعتقد أن السلام
وحده يمكن أن يضمن أمن إسرائيل. وقد ظهر هذا أيضا في خطاب نتنياهو في جامعة بار
إيلان في حزيران/ يونيو 2009، عندما قال: تحتاج إسرائيل إلى حدود يمكن الدفاع عنها، ويجب
أن تظل القدس، عاصمة إسرائيل، غير مقسمة مع استمرار الحرية الدينية لجميع الأديان.
الولايات المتحدة وتبني "الحدود الآمنة"
فيما بعد، تحركت الولايات المتحدة لتبني لغة
"الحدود التي يمكن الدفاع عنها" بشكل صريح أكثر من أي وقت مضى. ففي 14 حزيران/ يونيو 2004، بعث الرئيس جورج دبليو بوش برسالة إلى رئيس الوزراء أرييل شارون، جاء
فيها: "تكرر الولايات المتحدة التزامها الثابت بأمن إسرائيل، بما في ذلك
الحدود الآمنة والقابلة للدفاع عنها، للحفاظ على قدرة إسرائيل على الردع والدفاع عن
نفسها بنفسها، ضد أي تهديد أو مزيج محتمل من التهديدات". وفي غضون ما يزيد قليلا عن أسبوع، تبنى كل من
مجلسي النواب الشيوخ قرارات تدعم حق إسرائيل في حدود يمكن الدفاع عنها. وقد برز
اثنان من الموقعين على مبادرة 2004 من جانب مجلس الشيوخ: السناتور هيلاري كلينتون
والسيناتور جوزيف بايدن.
تصور معهد أمريكي أمني لحل الدولتين
مع تغير الإدارات الأمريكية، قد تُطرح بعض
الأفكار من المراكز البحثية، ومنها التقرير الذي أصدره مركز الأمن الأمريكي الجديد (CNAS) في 2016
بعنوان "نظام أمني لحل الدولتين"، يقترح ترتيبات أمنية مفصلة تضمنت نشر
قوات أمريكية. ويذكر أن التهديد الأبرز لإسرائيل سيكون محاولة بعض الجماعات التسلل
إلى الأردن، ومحاولة زعزعة استقرار المملكة من الداخل. ولم يستبعد سيناريو مستقبليا ينطوي على غزو عراقي للأردن، ومنه إلى إسرائيل. لكن كيف يتم التصدي لهذه التحديات؟
لم يذكر التقرير ضمان حدود إسرائيل التي يمكن الدفاع عنها، إذ يعتمد في الغالب على
التكنولوجيا العالية ودمج منظمات أمن الدولة العربية.
هل القوات الدولية والتكنولوجيا تكفي لحماية
إسرائيل؟
كانت هناك اقتراحات مختلفة وأفكار أثيرت
لإنشاء حدود على طول خطوط عام 1967، مع بعض التغييرات المحلية، واستبدال الوجود
العسكري الإسرائيلي في بعض المناطق الحرجة بقوات أجنبية، أو الاعتماد على أجهزة
الكشف الإلكترونية وحدها. لكن، كل ذلك، حسب الكتابين، لا يوفر لإسرائيل دفاعا
كافيا، ولا يمكن لإسرائيل الاعتماد على القوات الأجنبية. أما الأجهزة التكنولوجية، فإنها في أحسن الأحوال تعطي بعض الإنذار المبكر أو الإشارة في الوقت الفعلي إلى
اختراق الحدود، لكنها لا تستطيع فعل الكثير حيال ذلك. كما أن فكرة نشر أصول لجمع
المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية في مواقع ذات أهمية استراتيجية في المناطق
التي يسيطر عليها الفلسطينيون، أمر غير ممكن.
الأهمية الاستراتيجية لوادي الأردن وتلال
الضفة
غور الأردن، هو ليس فقط قاع المياه حيث يقع
نهر الأردن، وإنما تشمل أيضا المنحدرات
شديدة الانحدار لتلال جبال الضفة الغربية المواجهة لنهر الأردن. مع الأخذ في
الاعتبار أن نهر الأردن مجاور لأدنى نقطة على وجه الأرض، حوالي 1300 قدم تحت مستوى
سطح البحر، وأن أقصى ارتفاع للتلال الجبلية المواجهة له يصل إلى 3300 قدم فوق
مستوى سطح البحر. لذا، يشكل وادي الأردن
حاجزا استراتيجيّا يصل إلى أكثر من 4600 قدم في بعض الأماكن. ويمكن للجيش
الإسرائيلي استغلال تلك التضاريس للدفاع عن الدولة من هجوم تقليدي، أو في حال مواجهة حملة تمرد.
وتحتوي سلسلة التلال الجبلية في الضفة
الغربية على بعض أهم محطات الإنذار المبكر في إسرائيل، مثل بعل حتزور، مما يجعلها
جزءا من خط الدفاع الجوي الإسرائيلي. لهذا السبب، تحدث رابين عن احتفاظ إسرائيل
بوادي الأردن «بأوسع معنى لهذا المصطلح»، في خطابه أمام الكنيست في تشرين الأول/أكتوبر 1995.
وبالنظر إلى هذا الواقع الطوبوغرافي، فإن مثل
هذه التلال المهيمنة لها أهمية قصوى كموقع للمراقبة وأنظمة التحكم في الفضاء
الجوي. ولا يوجد بديل تكنولوجي حقيقي للارتفاع المادي. يمكن للحلول التكنولوجية
مثل الأقمار الصناعية والبالونات والطائرات، أن توفر فقط بديلا جزئيّا
للارتفاع، ومن ثم، على الرغم من التقدم التكنولوجي لأنظمة الدفاع الحديثة
والحرب، تظل السيطرة على الأرض المرتفعة جزءا أساسيّا من عقيدة الأمن الأساسية.
ولا شك أن نهج إسرائيل إزاء هذه المواقع
الجبلية قد تأثر بإمكانية عبور مقاتلة نفاثة حديثة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض
المتوسط، في غضون ثلاث إلى أربع دقائق.
التهديدات التقليدية المتطورة
في الماضي، كان لدى إسرائيل تهديد ثابت بشكل
ملحوظ من الشرق. لم يكن الأردن في حد ذاته محور المخاوف الأمنية الإسرائيلية. ومع
ذلك، كان يمكن استغلاله كمنصة لهجوم من قبل العراق. ففي العديد من الحروب العربية
الإسرائيلية، أرسل العراق ثلث قواته البرية، وكان مقدار الوقت الذي ستحتاجه القوة
العراقية لعبور الأردن، هو نفس مقدار الوقت الذي تحتاجه إسرائيل لإكمال تعبئتها
الاحتياطية.
وبحلول عام 1991، أظهر العراق شكلا جديدا من
أشكال المشاركة؛ فأطلق صواريخ سكود طويلة المدى على إسرائيل. لكن ذلك لم يزل قلق
إسرائيل بشأن تهديد تحالف القوات البرية المعادية. كان العامل الرئيسي الذي تضعه
إسرائيل في الاعتبار، هو كيفية كسب الحرب إذا فُرضت على إسرائيل؛ فالهجوم بالقوات
البرية يمكن أن يؤدي إلى نتيجة حاسمة.
ومن المعروف أن حزب الله كان لديه خطة
تشغيلية في عام 2008 لاستخدام قواته الخاصة "الرضوان"، للسيطرة على
المجتمعات الإسرائيلية على طول الحدود اللبنانية. ومن الواضح أن الاستيلاء على
الأراضي من قبل منظمة مثل حزب الله في الشمال أو حماس في الجنوب، من شأنه أن يشكل
انتصارا هائلا ورفع الروح المعنوية لهذه المنظمات.
خطر إيران والهلال الشيعي على إسرائيل
مع هزيمة صدام حسين في حربي الخليج، أصبحت
السيناريوهات القديمة للتدخل العراقي أقل احتمالا. ومع ذلك، قد تتغير مصادر القوات
المعادية التي تهاجم إسرائيل عبر الأردن. إذا استولت إيران على العراق الممزق، فقد
يظهر سيناريو جديد تماما تشارك فيه إيران بشكل مباشر في الحروب البرية العربية
الإسرائيلية المستقبلية. وقد حذر الملك عبد الله عام 2004 من تشكيل "هلال
شيعي" من إيران عبر العراق وسوريا إلى البحر الأبيض المتوسط. وكان وجود
القوات الموالية لإيران في جنوب سوريا وحده، على الرغم من أنه يشكل مشكلة لشمال
إسرائيل بشكل أساسي، مصدر قلق للنظام الأردني.
جلبت إيران في السنوات الأخيرة قوات شيعية
إلى سوريا من دول لبنان والعراق واليمن وأفغانستان وباكستان. وفي عام 2014، أعلن
المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، أن هناك هدفا إيرانيّا لتطويق
إسرائيل. لذلك، سيحتل الأردن مكانة بارزة في الحسابات الإيرانية.
عندما قررت إيران تعزيز وجودها الأرضي في
سوريا، استثمرت في بناء القدرات اللوجستية هناك، بما في ذلك المستودعات، ومصانع
الأسلحة. كما برزت المواقع الدينية الشيعية بشكل بارز في حساباته. كان هذا هو النمط
الذي اتبعه الإيرانيون في سعيهم للسيطرة على العراق. في سوريا، ركز الإيرانيون
بشكل خاص على ضريح السيدة زينب في الضاحية الجنوبية لدمشق، وتتم حمايته بواسطة قوات
تابعة للحرس الثوري الإيراني. وفي جنوب الأردن، هناك عدد من الأضرحة للصحابة، مثل
جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة، وجميعهم استشهدوا في معركة مؤتة
الواقعة في الأردن، وأصبحت مواقع دفنهم أماكن للزيارة.
وتحظى هذه الأضرحة باحترام كبير في كل من
التقاليد السنية والشيعية. وفي السنوات الأخيرة، سعت إيران إلى تحديث وصول إيران
إلى هذه المواقع من خلال الوعد بإمدادات الأردن باحتياجاته من النفط لمدة 30
عاما. وزار المسؤولون الإيرانيون الأردن خمس مرات في عام 2014 وحده. لكن الأردنيين
رفضوا جميع الطلبات الإيرانية، كي لا يكون الأردن موطئ قدم لها على الحدود مع
إسرائيل، التي هي أطول حدود تشترك فيها إسرائيل مع جيرانها، مما يجعلها حساسة
للغاية.
ومع تزايد احتمالات الانسحاب الروسي من
سوريا حال تصعيد الصراع في أوكرانيا، فقد نمت المخاوف الأردنية من أن تملأ إيران
الفراغ الذي ستتركه موسكو وراءها. في المقابل. كان على الأردن أيضا التعامل مع
الوجود المتزايد للجماعات الموالية لإيران في البحر الأحمر. في غضون ذلك، كشف
الملك عبد الله لشبكة CNN خلال تموز/ يوليو
2021 أن طائرات إيرانية بدون طيار هاجمت الأردن بأعداد متزايدة.
تهديدات غير تقليدية
توجز الدراستان ما تتعرض له إسرائيل من
مخاطر غير تقليدية في أربعة تهديدات رئيسية، تتخذها سببا لتبرير التوسع وضم الأراضي
المحتلة، وما بعد الأراضي المحتلة كالوصول إلى نهر الليطاني:
1 ـ الحركات المسلحة
استخدمت إيران لبنان وحزب الله كمختبر
لتطوير التحدي الجديد لإسرائيل، ولدى داعش أسلحة أمريكية مصادرة في العراق، بما في
ذلك دبابات M1A1 Abrams.. واستولت
المنظمات الجهادية في سوريا على أسلحة روسية متطورة، بما فيها دباباتها الأكثر
تقدما: T-90. وقد أظهرت هذه
الحركات كفاءتها حتى خلال الربيع العربي، حيث هزمت في بعض الأحيان التشكيلات
العسكرية التقليدية.
2 ـ حرب الطائرات بدون طيار والتكنولوجيا
الجديدة:
هناك تقنيات جديدة ناشئة يتم توفيرها لحركات
المقاومة مثل المسيرات، أثبتت قدرتها على تغيير ساحة المعركة في السنوات الأخيرة،
مما أعطى قوة للأطراف التي ليس لديها قوات جوية متقدمة. ففي مواجهة سلاح الجو
السعودي المسلح بالطائرات الغربية الأكثر تقدما، أظهر الحوثيون، الذين كانوا
منظمة ريفية متخلفة، قدرتهم على إتقان التكنولوجيا المتقدمة، واستخدام طائرات
مسيرة في ضرب العاصمة السعودية الرياض، وبعض أهم أجزاء البنية التحتية النفطية في
المملكة العربية السعودية. وساعدت الطائرات بدون طيار أيضا أذربيجان على هزيمة
أرمينيا، التي كانت الطرف المنتصر في النزاعات السابقة بينهما.
3 ـ القوة الجوية مقابل القوات البرية
هناك افتراض شائع بين معلقي الدفاع الغربيين، هو أن القوة الجوية هي كل شيء، وقد أدت انتصارات الغرب في كوسوفو والعراق إلى
استنتاج أنه يمكن هزيمة أي تهديد بقوة جوية. وينسى هؤلاء أن العامل الذي يجب على
إسرائيل تحييده، هو قدرة خصومها على الانتصار بشكل حاسم على الأرض، وهو ما لا يتم
بالقوة الجوية وحدها دون القوات البرية.
4 ـ حرب الأنفاق
منذ حرب الجرف الصامد في غزة 2014، أصبح دور
الأنفاق في الحرب أكثر وضوحا، فقد استخدمتها حماس في توريد الأسلحة المهربة من
سيناء إلى القطاع، وفي اختراق غلاف غزة لأغراض عملياتية. واتبع حزب الله النمط نفسه من أجل اختراق شمال إسرائيل. لذا، ظلت الحدود القابلة للدفاع ذات صلة مع نمو هذا
التهديد؛ لأنها حددت المسافات التي سيتعين على منظمات المقاومة حفرها لتصبح
أنفاقها فعالة.
البدائل الغربية للحدود القابلة للدفاع
هناك أفكار على نطاق واسع في العديد من
الأوساط الدولية وحتى في الدوائر المحدودة في إسرائيل، حول أن السلام يتطلب انسحاب
إسرائيل إلى خطوط الهدنة المسماة بحدود 1967. ودعا الفريق الإسرائيلي، الذي عمل مع
وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، إلى تنازلات إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية،
ووضع أشكال بديلة للأمن لإسرائيل. الأمر الذي أزعج الكثيرين في المؤسسة
الأمنية الإسرائيلية، التي اعتبر جيل من جنرالاتها وادي الأردن جناحا
شرقيًا مهمّا لمواجهة غزو يأتي من الشرق من ناحية العراق، عندما كانت هناك ما عرف
في تاريخ الصراع بـ"الجبهة الشرقية". وهم الآن أكثر قلقا بشأن الحرب غير
التقليدية من جماعات المقاومة التي تسعى إلى التسلل إلى الضفة الغربية واستخدامها
كمنصة للهجوم. وهذا يعني أن إسرائيل تحتاج اليوم إلى الاهتمام بجبهتها الشرقية، كما
كانت في الماضي، حتى لو تغيرت جوانب التهديد العسكري، وذلك لسبيين رئيسيين:
جلبت إيران في السنوات الأخيرة قوات شيعية إلى سوريا من دول لبنان والعراق واليمن وأفغانستان وباكستان. وفي عام 2014، أعلن المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، أن هناك هدفا إيرانيّا لتطويق إسرائيل؛ لذلك، سيحتل الأردن مكانة بارزة في الحسابات الإيرانية.
ـ هناك تشكيك في استقرار جميع الدول
المجاورة. نعم، نجا الأردن من الربيع العربي؛ لكن إيران استغلت الفراغ في العالم
العربي لإبراز قوتها العسكرية غربا.
ـ يؤمن كبار الضباط الإسرائيليين بأنه لا
يمكن كسب الحروب إلا من خلال حركة القوات البرية. وما دامت القوات البرية هي
العنصر الحاسم في استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلية، فإن التضاريس والعمق
الاستراتيجي مكونات حاسمة تحتاجها إسرائيل لحدود يمكن الدفاع عنها.
هل يمكن لإسرائيل أن تنسحب من الضفة
الغربية؟
في ضوء ما سبق، نجد أن الدراستين تقدم لنا
جوابا مهما حول مدى جدية إسرائيل بشأن حل الدولتين، وهل يمكن أن تنسحب من الضفة
الغربية؟ والجواب طبقا لما كتبه كبار جنرالات العدو ومفكروه الاستراتيجيون هو: ولا
يمكن إنجاز هذه، رؤية الحدود الآمنة دون أن تتمكن إسرائيل من نشر قواتها في المناطق
القريبة من نهر الأردن، وعلى المنحدرات الشرقية من التلال الجبلية المسيطرة على
وادي نهر الأردن لأغراض المراقبة، وجمع المعلومات الاستخبارية اللازمة للإنذار
المبكر الدائم، ولإحباط هذه المحاولات قبل أن تتسبب في أي ضرر.
وهذا سيسمح لإسرائيل بإبعاد مراكزها
السكانية وبنيتها التحتية الحيوية عن هذه التهديدات المحتملة. كما ستحتاج إسرائيل
إلى السيطرة الكاملة على المجال الجوي فوق أراضي الضفة الغربية بأكملها، والسيطرة
على الطيف الكهرومغناطيسي لضمان قدرتها على التعامل بفعالية مع أي تهديد. حتى وإن
لم يكن الإنذار المبكر كاملا، فإن للوجود العسكري الإسرائيلي أثرا مهما من الناحية
الاستراتيجية على الردع والاستقرار خارج الحدود الشرقية.
الخلاصة
الحدود الآمنة في الاستراتيجية الأمنية
الإسرائيلية تعني جميع الموارد اللازمة لتحقيق متطلبات الأمن الإسرائيلي؛ سواء داخل
حدودها أو خارجها. وهي لا تتناول محيطا خارجيا معينا فحسب، بل تتناول أيضا خصائص
الأراضي الخاضعة لسيطرة إسرائيل المباشرة وغير المباشرة بما في ذلك: التضاريس،
الديموغرافيا، التاريخ، والحالة السياسية. وهي حدود متغيرة، ومصطلح مطاط لا يمكن
قياسه أو ضبطه، ويخضع للأهواء والمصالح الإسرائيلية والظروف الإقليمية والدولية.
ويمكن أن تتسع هذه الحدود أرضيا أو جويا أو سيبرانيا لتشمل الشرق الأوسط كله، بحيث
تكون لإسرائيل اليد الطولى للتدخل المباشر أو غير المباشر لكل ما تعده تهديدا لها، حتى لو كان كتابا مقررا على طفل في الحضانة أو الابتدائي.