أكدت منظمة العفو الدولية، أن "
إسرائيل" ترتكب جرمية إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وذلك بعد أشهر من تحليل الوقائع وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين، قائلة إن الحد القانوني لجريمة
الإبادة الجماعية تم استيفاؤه.
ورفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية التقرير الصادر عن المنظمة، ووصف الناطق باسم الوزارة التقرير بأنه "ملفق ومبني على أكاذيب"، وأن المنظمة نفسها "بائسة ومتعصبة"، تواصل نشر تقارير "خاطئة تماما".
ولا تعد هذه المرة الأولى التي تكون فيها "إسرائيل" مذنبة في ارتكاب الإبادة الجماعية، سواء بشكل مباشر مثلما حصل في فلسطين منذ أحداث النكبة، أو بالتعاون ودعم من يرتكب هذه الجريمة في العديد من الدول الأفريقية والأنظمة القمعية.
وظهر مصطلح "الإبادة الجماعية - Genocide" عام 1944 خلال الحرب العالمية الثانية ومحرقة "الهولوكوست"، وصاغه المحامي البولندي رافائيل ليمكين، لوصف الجرائم التي ارتكبها النظام النازي في ألمانيا آنذاك بحق يهود أوروبا.
وجرى اشتقاق هذا المصطلح من الكلمة اليونانية "Geno"، التي تعني سلالة أو عرق، والكلمة اللاتينية "Cide" والتي تعني قتل، ليصبح المصطلح "القتل على أساس عرقي"، وفي 1948، تم اعتماد مصطلح "الإبادة الجماعية" التي قد ترتكب في أيام السلم أو في أثناء الحرب، من قبل الأمم المتحدة، في اتفاقية أطلق عليها "منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها".
وبحسب هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيا من الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي، أو الجزئي لجماعة قومية، أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: قتل أعضاء من الجماعة، إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا، وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، وكذلك نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
وطُبِّقت الاتفاقية للمرة الأولى أوائل التسعينيات، بعد أكثر من أربعة عقود من اعتمادها، وذلك خلال العمليات القضائية التي أعقبت صراعات
رواندا والبلقان.
وتنص الأطراف المتعاقدة في الاتفاقية على منع "الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في أيام السلم أو في أثناء الحرب"، ولا يقتصر التجريم على ارتكاب الإبادة الجماعية، وإنما يشمل كذلك التآمر على ارتكابها، والتحريض المباشر والعلني عليها، ومحاولة ارتكابها، والاشتراك فيها.
وكذلك فإن أحكام الاتفاقية تسري على الدول التي لم تصادق عليها وفق استشارة قانونية لمحكمة العدل الدولية في 28 أيار/ مايو 1951. وقد تعزز ذلك بتقرير من الأمين العام للأمم المتحدة في 3 أيار/ مايو 1993 اعتبر الاتفاقية جزءا من القانون العرفي، وقد صادق على ذلك مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.
وعن العقوبات الواجبة التطبيق بحق مرتكبي الإبادة الجماعية، فإن المادة 77 من نظام روما الأساسي تنص على أنه للمحكمة أن توقع على الشخص المدان إحدى العقوبات التالية وهي: السجن لعدد محدد من السنوات لفترة أقصاها 30 سنة، أو السجن المؤبد عندما تكون هذه العقوبة مبررة بالخطورة البالغة للجريمة وبالظروف الخاصة للشخص المدان.
وتنص المادة الرابعة من الاتفاقية على أنه "يعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، سواء كانوا حكاما دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادا".
كما تنص جميع الاتفاقيات المتعلقة بـ"الإبادة الجماعية" على أنها "جرائم لا تخضع للتقادم، ومرتكبوها لا يستفيدون من الحصانة، إذ تتم ملاحقة كل شخص ارتكبها أو أمر بارتكابها دون النظر إلى منصبه، سواء كانوا حكاما أو موظفين عامين أو أفرادا غير مسؤولين، وفق المادة الرابعة والمادة الثالثة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية".
رواندا
في السادس من نيسان/ إبريل 1994، بدأت مجموعات من "الهوتو" العرقيين، مسلحة في الغالب بالمناجل، حملة من الإرهاب وسفك الدماء اجتاحت دولة رواندا الواقعة في وسط أفريقيا، وعلى مدى نحو مائة يوم، اتبعت المعروفة في البلاد باسم "إنترهاموي"، ما تشير الأدلة إلى أنه محاولة واضحة ومتعمدة لإبادة سكان البلاد من التوتسي العرقيين.
وشجعت الإذاعة الحكومية الرواندية، التي سيطر عليها المتطرفون الهوتو، عمليات القتل من خلال بث دعاية كراهية متواصلة، بل إنها حددت مواقع التوتسي المختبئين.
ولم تنته عمليات القتل إلا بعد أن تمكن المتمردون التوتسي المسلحون، الذين غزوا البلاد من بلدان مجاورة، من هزيمة الهوتو ووقف الإبادة الجماعية في تموز/ يوليو 1994.
وبحلول ذلك الوقت، كان أكثر من عُشر السكان، أي ما يقدر بنحو 800 ألف شخص، قد قُتلوا، كما دُمرت البنية التحتية الصناعية للبلاد ونزح الكثير من سكانها.
وكان لـ"إسرائيل" دورا كبيرا في هذه الإبادة، ففي عام 1994، رُصدت حركة طائرات مسجّلة لدى بلغاريا وأوكرانيا، في مطار عاصمة الكونغو جوما، الذي يقع على الحد الفاصل بين رواندا والكونغو (زائير سابقا)، حيث كانت تهبط في الليل لنقل السلاح والذخيرة لأيدي القوات المسلّحة في قبيلة الهوتو.
وكانت مخازن السلاح قد أقيمت على طول الحدود بهدف استيعاب مخزون الأسلحة، ومن ضمنها المخازن التي هبطت فيها أربع طائرات عام 1994 محمّلة بالقنابل اليدوية وبندقيات "عوزي" وذخائر من صنع الصين والاتحاد السوفييتي، وجلّ هذه الأسلحة استولى عليها جيش الاحتلال من حربه مع مصر في 1973، ثم تم نلقها إلى ألبانيا، ومن ألبانيا إلى جوما، بحسب تقرير نشرته صحيفة "
هآرتس" عام 2018.
واعترف أحد الطيارين الأربعة الذين كان لهم دور في هذه الرحلة الجوية أمام لجنة تحقيق "أمنستي إنترنيشنال" أنه ضُلّل عندما نقل 35.6 طن من الأسلحة، واعتقد حينها أنها ستُعطى لجيش الكونغو، لكنها في الحقيقة نُقلت لقوات قبيلة الهوتو الرواندية المسلّحة على الحدود.
وبعدما جرى نقل السلاح الإسرائيلي عبر ألبانيا لقوات الهوتو، قامت القبيلة بمجزرة ضدّ المدنيين بمساعدة الأسلحة الإسرائيلية، وحدث ذلك بعد شهرين من إعلان الأمم المتحدة حظر السلاح في رواندا، وحينها قُتل 800 ألف شخص بمدة قصيرة نسبيا، وباتت الحادثة تٌعرّف اليوم بأنها جريمة ضدّ الإنسانية.
وحاليا وبعد مرور نحو 30 عاما على هذه الجرائم لا تزال وزارة الحرب الإسرائيلية ترفض السماح بنشر وثائق تتعلّق بـ"التصدير الأمني" لرواندا خلال تسعينيات القرن الماضي، ويأتي قرار الرفض مدعومًا بقرار من المحكمة العليا، التي عللت ذلك بـ "الخوف من تزعزع أمن الدولة، أو المسّ بعلاقاتها الدولية".
وجاء في تقرير "هآرتس" حينها أن رئيسة قسم المراقبة على التصدير الأمني "إيبي"، واسمها رحيلي حِن، أكدت أن “إسرائيل” ملتزمة بـ"التزاماتها الدولية بشأن الحفاظ على حقوق الإنسان"، في تصريح بعيد عن الواقع لاسيما أن الدول التي تصدّر السلاح مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، تنشر تقاريرَ تفصيلية عن الدول التي تشتري السلاح منها ونوع الصادرات والكمية والنفقات.
ويأتي هذا بينما يكتفي قسم المراقبة على التصدير الأمني الإسرائيلي بتقرير مقتضب فيه مجموع نفقات التصدير، وعدد الدول التي تشتري السلاح من "إسرائيل".
وختمت الصحيفة تقريرها بالقول: "على ما يبدو، فإنَ الطريقة الوحيدة لاكتشاف الدول أو الأنظمة التي تصدّر لها إسرائيل السلاح، هي تصريحات الحكومات المتباهية بعلاقتها معنا، مثل ميانمار ورواندا والفيليبين وجنوب السودان، وهذه الأنظمة كلّها انتهكت حقوق الإنسان والحق بالتعبير والديمقراطية".
جنوب السودان
تتاجر الشركات الإسرائيلية منذ أواخر عام 2013 مع دولة جنوب السودان، التي اندلعت فيها حرب أهلية في نفس الفترة، وسجّلت فيها انتهاكات شديدة لحقوق الإنسان بحيث أنّ 2.5 مليون مواطن سوداني شُرّدوا من منازلهم، إضافة إلى أنّ أكثر من نصف سكّان الدولة بحاجة إلى مساعدات إنسانية بحسب تحقيقات جمعيات حقوق الإنسان، وإلى عشرات الآلاف الذين قتلوا ومئات القرى التي حُرقت.
وكل هذا يأتي بالإضافة إلى تجنيد الأطفال واغتصاب النساء الذي يحدث بشكل دوري في هذا النزاع.
وتشير بعض التحقيقات إلى أنّ “إسرائيل” ليست ضالعة في تسليح الجيوش المنفذة لهذه الانتهاكات فقط، بل إنّها شاركت أيضًا بشكل فعّال في تدريب وإعداد هذه الجيوش التي تجنّد الأطفال أيضًا، بحسب موقع "
حموشيم" العبري.
وذكر موقع "
ذي ماركر" الإسرائيلي أنه بالإضافة إلى تجارة الشركات الإسرائيلية بالسلاح مع حكومة جنوب السودان، فإنها تتاجر أيضًا وفي نفس الوقت مع مجموعات الثائرين على هذه الحكومة، ففي عام 2019، كشف تقرير من وزارة المالية الأمريكية عن تورّط شركة إسرائيلية في تجارة غير مرخّصة تقدّر بـ150 مليون دولار شملت كِلا طرفي النزاع في جنوب السودان.
وفي عام 2015، طالبت تمار زاندبيرغ (رئيسة حزب ميريتس حاليا) وزير الحرب بالتحقيق في المسألة، غير أنّها لم تتلقى جوابا عن ذلك، فقدّمت التماسًا للمحكمة العليا الإسرائيلية لمتابعة قضية تجارة السلاح في جنوب السودان.
كردّ على هذه الحركة، توجّهت الحكومة الإسرائيلية إلى المحكمة العليا بطلب فرض الكتمان على التحقيق، مما يعني أنّ القضية لن تكون متاحة إلى العلن أو الإعلام.
لم يتوقف السّلاح الإسرائيلي في السودان رغم معارضة الكثيرين لذلك، ورغم توجّه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى عدم عقد صفقات سلاح تُصدّر إلى مناطق النزاع، استمرت "إسرائيل" بذلك، بل إنّ حضور السلاح الإسرائيلي في هذه المناطق المقاطَعة دوليًا قد ازداد.
بورما
في 2016 و2017 ازداد تصدير السلاح الإسرائيلي إلى
بورما، إثر التقييدات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عليها، وتوجه بعض ممثلو الحكومة البورمية إلى الأراضي المحتلة وزاروا معارض الأسلحة فيها ليستكشفوا البضاعة المتاحة.
ورفضت “إسرائيل” حينها الإعلان عن الامتناع عن تجارة السلاح مع بورما، رغم تقرير الأمم المتحدة الذي نصّ على أن الجيش البورمي قد أقدم على جرائم تطهير عرقي بحق مسلمي الروهينغيا.
وتصدّر "إسرائيل" وشركاتها الحكومية والخاصة، إضافة إلى الأسلحة النارية، أسلحة وأدوات تجسس دون رقابة لدول العالم، ومن بينها دول وأنظمة دكتاتورية للتجسس على مواطنيها ومعارضي الحكومات، بحسب صحيفة "
هآرتس".