نشرت صحيفة "
فايننشال تايمز" تقريرا أعدته أيلا جين ياكلي قالت فيه إن عملية المعارضة السورية المسلحة تعتبر دفعة للتأثير التركي في
سوريا. وترى أنقرة أن هناك فرصة لدفع الميليشيات الكردية وإجبار بشار الأسد على التفاوض. وقالت إنه بعد الهجوم المفاجئ لقوات المعارضة وسيطرتها على ثاني أكبر المدن السورية،
حلب، انتشرت صور للمقاتلين وهم يرفعون العلم التركي فوق قلعة حلب التاريخية.
وربما كان العمل تحركا فرديا من أحد المقاتلين، لكن الإعلام المؤيد للحكومة التركية التقط الصورة كرمز للهيمنة التي تمارسها أنقرة منذ فترة طويلة في الحرب الأهلية الجارية في جارتها.
وقد اندلع الصراع الذي مضى عليه 13 عاما مرة أخرى في نهاية الأسبوع الماضي وعندما دخل المعارضون المسلحون بقيادة
هيئة تحرير الشام إلى حلب الجمعة الماضية دون مقاومة تذكر.
ثم شنت الفصائل المدعومة من
تركيا، والتي تنسق مع هيئة تحرير الشام، هجوما الأحد الماضي على بلدة تل رفعت الشمالية المهمة استراتيجيا، والتي يسيطر عليها المقاتلون الأكراد السوريون.
وقالت الصحيفة إن التقدم الدرامي للمعارضة المسلحة أعاد التركيز على الدور التركي في الدولة العربية المهشمة، حيث دعمت ولسنين مجموعات معارضة لنظام بشار الأسد ومنذ عام 2011. وعلى خلاف الجماعات المسلحة السورية التي تدعمها تركيا، فإن أنقرة لا تدعم هيئة تحرير الشام مباشرة.
لكن المحللين يرون أن العملية لم تكن لتحدث بدون موافقة تركية وقد تقوي تأثير الرئيس رجب طيب
أردوغان في المفاوضات المقبلة مع رعاة الأسد الإيرانيين والروس.
وقالت غونول تول، مديرة برنامج الشرق الأوسط بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى "بدون ضوء أخضر من تركيا، لم تكن هذه العملية ممكنة". وأضافت تول، وهي مؤلفة كتاب عن الدور التركي في الحرب السورية: "رأت تركيا فرصة لتغيير الدينامية على الأرض، وإضعاف موقف الأسد وإقناع الإدارة الأمريكية المقبلة بأنها قادرة على الحد من تأثير إيران".
ومع أنه لا الرئيس أردوغان أو المسؤولون الأتراك أكدوا دور تركيا في العملية، حيث أخبر وزير الخارجية هاكان فيدان، الصحفيين الإثنين الماضي: "من الخطأ تفسير الأحداث في سوريا على أنها تدخل أجنبي".
ولكن الهجوم منح تركيا فرصة لحشد الفصائل المتحالفة معها لصد القوات الكردية التي تعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني، الجماعة الانفصالية التي تقاتل الدولة التركية منذ عقود. وكان منع المسلحين الأكراد من التجمع على الحدود التركية الدافع الرئيسي وراء قرار أردوغان التدخل في سوريا في السنوات الأخيرة.
وتضيف الصحيفة أن أنقرة أعربت عن إحباطها قبل شن المعارضة المسلحة هجومها الأخير، من رفض النظام السوري التفاوض معها. ورفضت دمشق مبادرات نادرة من أردوغان هذا العام لإصلاح العلاقات التي انقطعت بعد انحياز تركيا للمعارضة المسلحة في عام 2011.
وتعتبر تركيا هي الحامية لمحافظة إدلب، شمال- غرب سوريا والتي تعد معقل هيئة تحرير الشام. كما ونشرت آلاف الجنود الأتراك وسلحت ودربت فصائل المعارضة السورية، المعروفة باسم الجيش الوطني السوري، في أجزاء من شمال غرب وشمال سوريا الخاضعة للسيطرة التركية. ورغم تصنيف تركيا لهيئة تحرير الشام كجماعة إرهابية، فإن أنقرة لعبت دورا مهما لضمان بقاء هذا الجيب من الجماعة المسلحة، بحسب الصحيفة.
ويقول محللون إن هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري، اللذين اشتبكا مع بعضهما البعض في السابق، قاما بالتنسيق في الهجوم الأخير. وتعتقد الصحيفة أن واحدا من أهداف تركيا كان الضغط على الولايات المتحدة لوقف دعمها العسكري لقوات سوريا الديمقراطية، في شمال- شرق سوريا.
وقد دعمت الولايات المتحدة هذه القوات الكردية في الغالب واتخذتها حليفا مهما في المعركة ضد تنظيم الدولة داعش، ونشرت 900 جندي أمريكي في سوريا.
وفي ولايته الأولى، تعاطف الرئيس الأمريكي المنتخب مع مطالب أردوغان، إلا أن إدارته تنظر لسحب القوات الأمريكية الآن باعتباره تنازلا لإيران.
واستطاع أردوغان إقامة شراكة معقدة في سوريا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على الرغم من دعم كل منهما لجانبين متعارضين في الحرب. وتوصلت تركيا وروسيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في إدلب في آذار/مارس 2020، مما جلب نوعا من الاستقرار إلى المنطقة، وسيكون كلاهما جزءا لا يتجزأ من تحديد ما سيحدث بعد ذلك.
وتقول حنا نوت، الخبيرة في شؤون أورسيا بمركز جيمس مارتن لأبحاث منع انتشار الأسلحة النووية ببرلين "لدينا هذه الصورة عن الأتراك الذين يأخذون بعين الاعتبار المصالح الروسية"، و"لا أعتقد أن بوتين سيكون سعيدا بهذا، وربما لم يتوقع كلاهما أن تمضي الحملة إلى هذا المدى".
وفي محاولة منها لتحقيق التوازن مع موسكو، امتنعت أنقرة عن التدخل بشكل مباشر في المعارك الأخيرة. ويقول شان أكون، الباحث في السياسة الخارجية في "مؤسسة سيتا للأبحاث" في أنقرة إن تركيا منعت المعارضة من الرد بشكل أسرع على الهجمات الأخيرة التي شنتها قوات الحكومة السورية والطائرات الحربية الروسية على إدلب.
لكن أردوغان جدد في الأسابيع الأخيرة تهديداته بشن هجوم عسكري تركي مباشر جديد ضد قوات سوريا الديمقراطية. وقال السبت الماضي: "إرادتنا لاقتلاع الإرهاب من جذوره أقوى من أي وقت مضى، ولن نتردد في اتخاذ خطوات جديدة".
إلى جانب هذا، وعد أردوغان بعودة 3.2 مليون لاجئ سوري من تركيا إلى بلادهم، حيث أصبح موضوع اللاجئين السوريين قضية مثيرة للجدل وأدت لخسارة حزبه أصوات الناخبين في انتخابات البلديات هذا العام.
وأخبر نائبه جودت يلماز، أعضاء الحزب الحاكم الأحد الماضي أن تركيا تتوقع حلا سياسيا يعود من خلاله اللاجئون السوريون إلى بلادهم.
إلا أن دبلوماسيا سابقا تحدث بدون الكشف عن هويته عن أن الأزمة الأخيرة قد تزيد من موجة اللاجئين، حيث نزح في الحملة الأخيرة حوالي 50 ألف شخص، حسب أرقام الأمم المتحدة. وقال إن "خلق سرد بطولي من أن تركيا ووكلاءها يستطيعون السيطرة على حلب موجه للمشاعر القومية، ولكنها قد تعلق في الوحل". مضيفا أن تركيا تخاطر بإلحاق الضرر بعلاقاتها مع الغرب وروسيا.
وقال فيدان إن بلاده لا تريد التصعيد في الحرب وتشريد الناس ودعا حلفاء الأسد الروس والإيرانيين للضغط عليه للتحاور مع المعارضة. ولكن الدبلوماسي قال إن الوقت قد ضاع الآن، وأضاف: "إن هذا خيال سياسي، فنحن لا نعرف حتى إن كان الأسد لا يزال يتمتع بالسلطة السياسية اللازمة لتلبية توقعات تركيا في حين يبدو أنه لا يملك جيشا".