أثار حكم قضائي جديد ونهائي صادر ضد رئيس مؤسسة
النفط الليبية، فرحات بن قدارة حول جنسيته
الإماراتية وإلغاء قراراته مزيدا من الأسئلة حول تداعيات الخطوة وجديتها في إلغاء الاتفاقات التي وقعها المسؤول الليبي مع دولة الإمارات.
وأصدرت محكمة استئناف طرابلس حكمها النهائي بإلغاء كافة القرارات والتصرفات الصادرة عن فرحات بن قدارة بصفته رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، بعد ثبوت حمله الجنسية الإماراتية وتعارض ذلك مع قانون الجنسية الليبي رقم 24 لسنة 2010، وهو ما يترتب عليه فقدانه للشرعية القانونية لتولي المناصب العامة.
وأكدت المحكمة في حكمها الذي وصفته بالبات والنهائي أن تولي ابن قدارة لمنصب سيادي هو بمثابة "اغتصاب للسلطة"، وألزمت الجهات المعنية بدفع تعويض قدره عشرة آلاف دينار للطاعن.
"نفي وشكوى مضادة"
ورغم نشر المحكمة نص الحكم النهائي إلا أن رئيس مؤسسة النفط، فرحات بن قدارة، ألزم الصفحة الرسمية للمؤسسة بإصدار بيان ينفي الخبر، ويشير إلى أن "قضية حمله للجنسية الإماراتية هو خبر عار من الصحة ولا يمثل الحقيقة، وأن المحامي الخاص برئيس المؤسسة قدم شكوى جنائية للنائب العام ضد من ادعوا هذا الأمر"، وفق بيان رسمي.
ووقع ابن قدارة عدة اتفاقات وصفقات مع دولة الإمارات العربية ومنها صفقة تطوير حقل "الحمادة" النفطي الكبير والذي اعتزم ابن قدارة التنازل عن 40% منه لصالح ائتلاف شركات يضم شركة "أدنوك" الإماراتية، ما اثار غضب مجلس النواب الذي رفض الصفقة واعتبرها إضاعة للمخزون الاستراتيجي للبلاد.
وهذه من أبرز وأكبر الصفقات التي أوشك ابن قدارة على إنجازها كون حقل الحمادة الحمراء النفطي التابع لشركة الخليج العربي للنفط ينتج نحو 8 آلاف برميل يوميا يجرى تكريرها في مصفاة الزاوية غربي العاصمة طرابلس.
فهل يمثل الحكم القضائي ضد رئيس مؤسسة النفط وقراراته إفشالا لإتمام صفقات نفطية مع الإمارات؟
"حكم يستوجب العزل الفوري"
من جهته، أكد أستاذ القانون العام بالأكاديمية الليبية، مجدي الشبعاني، أنه "وفقا لقانون الجنسية الليبي، فإن اكتساب جنسية أجنبية يؤدي إلى سقوط الجنسية الليبية ما لم يُمنح إذنا مسبقا بذلك، وهو ما يستوجب العزل الفوري من أي وظيفة عامة بموجب قانون علاقات العمل".
وأشار في تصريحات خاصة لـ"عربي21" إلى أن "الحكم القضائي الصادر عن محكمة استئناف طرابلس، والذي ألغى قرارًا إداريًا لرئيس المؤسسة الوطنية للنفط بناءً على ادعاء حمله لجنسية أجنبية، يشير إلى مخالفة قانونية واضحة إذا ثبتت صحة الادعاءات"، وفق قوله.
وأوضح القانوني الليبي أنه "رغم أن منطوق الحكم اقتصر على إلغاء القرار المطعون فيه، فإن أسبابه تفتح المجال للطعن في القرارات السابقة التي أصدرها ابن قدارة، لا سيما تلك المتعلقة بالصفقات الدولية، أما بخصوص الخطوة القادمة فإنها تتطلب تحقيقًا إداريًا للتأكد من صحة الادعاءات، وفي حال ثبوتها، يصبح العزل إجراءً قانونيًا واجبًا، مع مراجعة جميع القرارات الصادرة عنه لضمان سلامتها القانونية.
وتابع: "القضية تسلط الضوء أيضًا على إشكالية مزدوجي الجنسية في المناصب السيادية، ما يستدعي وضع أطر قانونية ورقابية أكثر صرامة لضمان الالتزام بمبدأ الولاء الوطني الكامل، وفق تصريحاته الخاصة.
"حكم يؤكد تسييس القضاء"
في حين رأى الكاتب والسياسي الليبي المقيم في أمريكا، محمد بويصير أن "إقحام القضاء في السياسة غير مفيد لا للعدالة ولا للسياسة، وهذا يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات الذي تقوم عليه الديمقراطية، كما أن ابن قدارة ليس الوحيد الذى يحمل جنسية ثانية".
وقال بويصير، الذي يحمل جنسية أمريكية، في تصريحه لـ"عربي21": "يجب مراجعة موضوع الجنسية الثانية في
ليبيا، وبدلا من استعماله كحكم بالإعدام يجب أن نطور نظم مراقبة ومحاسبة لكل المسؤولين الذين يتعاملون في المال العام في مختلف المواقع"، بحسب رأيه.
وتساءل السياسي الليبي عن مدى جدية وواقعية إلغاء قرارات واتفاقات ترتب عليها إنفاق مليارات الدولارات، في إشارة إلى اتفاقات ابن قدارة، وقال: "أعتقد أن الحكم سيضاف إلى عشرات الأحكام التي لم تنفذ، ويزيد بالتالي من الإنقاص من وزن القانون فى ليبيا".
وأضاف: "حقيقة لا أعرف لمصلحة من نحرم البلاد مما يقرب من 100 ألف ليبي من المؤهلين لمجرد أنهم يحملون جنسية ثانية، ولو كان حمل الجنسية الثانية ينقص من الوطنية ما كان إدوارد سعيد في صدارة المشهد الفلسطيني"، بحسب تساؤلاته.
"شروط جزائية"
الصحفي الليبي، محمد الصريط، قال من جانبه: "لا أعتقد أنه سيتم فصل ابن قدارة من منصبه، كون قرار تعيينه أصلا جاء بتوافق بين القوى المحلية، لكن ربما يتم البحث عن البديل له في أقرب فرصة توافقية بين أطراف الصراع الليبي".
وبين أن "خطوة إلغاء كل ما صدر عن رئيس مؤسسة النفط أمر ليس بالسهل لأن هناك اتفاقيات ومعاهدات نفطية مع دول تحتوي على شروط جزائية ستكون مكلفة للدولة الليبية، وهذا من شأنه أن يعقد المشهد لا أن يساهم في التقارب"، بحسب تصريحه لـ"عربي21".