"تم اعتقال 62 شخصا بشكل عشوائي، جميعهم من أصول مغربية -تم إطلاق أغلبهم لاحقا-؛ فيما لم يتم اتخاذ إجراءات صارمة ضد جمهور الفريق الإسرائيلي، المُتسبّب في الفوضى والاعتداء على الممتلكات العامة، ورفع شعارات عنصرية ضد العرب والمسلمين" هكذا لخّص الناشط
المغربي في
هولندا، عماد العتابي، الأحداث المُتسارعة حوله.
وأضاف العتابي، في حديث لـ"عربي21" أنّ: "ارتدادات الأحداث لم تنتهي بعد، حيث استقالت وزيرة من الحكومة الهولندية، على خلفية تصريحات عنصرية داخل المجلس الحكومي؛ والأيام المقبلة قد نشهد سقوط الحكومة الهولندية بسبب بهلوانيات اليمين المتطرف الهولندي الذي يلعب بالنار".
يقول عماد، الذي يحمل عتبا لكيفية تعامل الحكومة الهولندية مع الأحداث، إنّ: "التضامن مع
غزة من قلب هولندا يعكس وعيا متزايدا بالقضية الفلسطينية وجرائم الاحتلال، وهو جزء من موجة دعم عالمية، أصبحت أكثر وضوحا مع مرور الوقت".
يوثق التقرير الانتهاكات التي تعرّض لها المدافعين عن القضية الفلسطينية في هولندا، على مدار عشرة أيام؛ أي منذ اندلاع الأحداث في أمستردام. انتهاكات مارسها "الإعلام الغربي" في انحياز لرواية واحدة، مع اعتقالات طالت المغاربة فقط، دون الجمهور المُعادي.
ماذا جرى؟
اعتداء مشجعي فريق "مكابي تل أبيب" الإسرائيلي لكرة القدم، على رمزية العلم الفلسطيني في قلب شوارع العاصمة الهولندية أمستردام، ناهيك عن الهتافات المُعادية للعرب والمسلمين، أثار موجة من الغضب والاستياء، وهو ما وثّّقته جُملة من المقاطع التي جابت مُختلف مواقع التواصل الاجتماعي، طيلة الأيام القليلة الماضية.
وفي التفاصيل: عقب مباراة جرت الخميس 7 تشرين الثاني/ نوفمبر، جمعت بين فريقي "مكابي تل أبيب" الإسرائيلي، و"أياكس أمستردام" الهولندي، انتهت بنتيجة 5-0 لصالح الأخير، حصلت توتّرات فجّرتها هتافات عنصرية ونابية صدرت عن مشجعي الفريق الإسرائيلي ضد فلسطين والعرب، بالإضافة إلى الاعتداء على العلم الفلسطيني وتمزيقه.
رصدت "عربي21" جُملة تغريدات ومنشورات توثٍّق اللحظات الأولى من أحداث أمستردام، والتفاعل العربي الواسع معها، الذي وصل لقلب قطاع غزة المحاصر.
إثر ذلك، تم اعتقال 62 شخصا من المؤيدين للفلسطينيين، يوم الخميس 7 تشرين الثاني/ نوفمبر. كما تم اعتقال شاب، يوم الجمعة 8 تشرين الثاني/ نونبر بخصوص الواقعة نفسها.
وفي يوم الجمعة 8 تشرين الثاني/ نوفمبر، قالت الخارجية الفلسطينية، عبر بيان: "ندين الهتافات المعادية للعرب، والأعمال الهمجية التي قام بها جمهور المشجعين لأحد أندية كرة القدم العنصرية الإسرائيلية في العاصمة الهولندية أمستردام على مدار 3 أيام متواصلة".
كذلك، أقدمت الشرطة الهولندية، الأحد 10 تشرين الثاني/ نوفمبر، على اعتقال مجموعة من المؤيدين للفلسطينيين، بعد أن نظّموا وقفة تضامنية، وسط أمستردام؛ بحجة إنهم قد تحدّوا: "قرار حظر الاحتجاجات".
وكانت محكمة أمستردام المحلية، قد فرضت حظرا، لمدة ثلاثة أيام على الاحتجاجات، الأحداث التي تزال تداعياتها جارية.
وتفاعلا مع الأحداث، قالت البرلمانية المغربية السابقة، إيمان اليعقوبي، إن "الجمعيات المغربية في هولندا تحتاج لتأسيس لجنة من الحقوقيين والمحامين للدفاع عن المغاربة الذين يمكن أن تتم متابعتهم في أحداث الخميس، مع باقي العرب والمسلمين".
وأضافت اليعقوبي، عبر منشور لها على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "يجب إفشال التوجه نحو المظلومية التي سيحاول الطرف المعتدي الدفاع عن نفسه بها". وبحسب ما تلا عقب ذلك، وكأن اليعقوبي استشرفت الأحداث، حيث انطلق "الإعلام الغربي" في إبراز ما وُصف بـ"مظلومية الإسرائيليين" في قلب هولندا.
تفاعلات مُتسارعة.. من الظالم ومن المظلوم؟
أدان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ما وصفه بـ"الاعتداء المعادي للسامية"، فيما اعتبر في اتصال مع نظيره الهولندي، ديك شوف، أنه يشكل خطراً على دولة الاحتلال الإسرائيلي وهولندا على السواء.
ووفقا لبيان صدر عن مكتبه، شدّد نتنياهو، على أنه "ينظر إلى هذا الاعتداء على مواطنين إسرائيليين مع سبق الإصرار، بمنتهى الجدية"، مطالبا بـ"زيادة الأمن لكامل المجتمع اليهودي في هولندا".
بدوره، أشار رئيس الوزراء الهولندي عبر موقع التواصل الاجتماعي "إكس" إلى أنه: "تابع برعب التغطية من أمستردام"، حيث وصف ما حدث بـ"المروع"، وشدّد على أن: "الاعتداءات المعادية للسامية غير مقبولة"، مشيرا إلى أنه أكد لنتنياهو أن "الجناة سوف يتمّ تعقبهم وملاحقتهم".
أيضا، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها. فيما أبدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، "استياءها" ممّا وصفته بـ"الهجمات الدنيئة التي استهدفت مواطنين إسرائيليين في أمستردام".
اظهار أخبار متعلقة
وبسبب أحداث أمستردام، استقالت وزيرة الدولة في مجلس الأمن القومي، من أصول مغربية، نورا أشهبار، من منصبها في الحكومة الهولندية، بسبب عدم الرضا عن مناقشة أحداث أمستردام.
ووفقا لعدد من المصادر، فإنّ: "موقف أشهبار يسبب أيضا اضطرابات بين وزراء مجلس الأمن القومي الآخرين. حيث إن استقالة أشهبار هي مسألة مبدأ وليست مسألة ظروف شخصية".
وعلى الرّغم من أن "القناة 12" العبرية، علّقت بالقول: "إن المشجعين الإسرائيليين هم الذين يقفون وراء اندلاع أعمال الشغب، بعدما قاموا بتمزيق علم فلسطيني كان معلقا على أحد المباني، إضافة إلى استفزازهم سائق سيارة أجرة من أصول عربية وإسلامية"؛ إلّا أن عدد من المنابر الإعلامية وجّهت أصابع الاتّهام نحو داعمي القضية الفلسطينية في هولندا.
ونقلت وكالة "رويترز" عن المتظاهر ماكس فان دن بيرغ، ذو 32 عاما، قوله "حرروا فلسطين، توقفوا عن قتل الأبرياء، توقفوا عن قتل الأطفال"، داعيا هولندا إلى وقف دعمها لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
بين الواقع وسردية الإعلام الغربي
في سياق السرديات التي وصفت بـ"الكاذبة"، انتشر بيان، جاء فيه: "أعربت فدرالية الجمعيات المغربية بهولندا، عن سخطها العميق، إزاء الأحداث المعادية للسامية الأخيرة التي وقعت في أمستردام".
وأضافت: "نحن ندين هذه الأفعال بأكبر قدر من الحزم، نؤكد من جديد التزامنا الثابت بالتسامح والتعايش السلمي معا داخل مجتمعنا؛ لقد حافظت الجالية المغربية دائما على علاقة تتسم بالاحترام والود والأخوة مع الجالية اليهودية"؛ وبعد التقصّي، وصلت "عربي21" لعدم وجود "فدرالية الجمعيات المغربية بهولندا" على أرض الواقع.
على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، رصدت "عربي21" عدّة مقاطع لصنّاع محتوى، جلّهم من الأجانب، يبرزون التحيّز الجاري في الإعلام الغربي، بخصوص أحداث أمستردام.
الشاب المغربي المقيم في هولندا، تابع لـ"عربي21": "في البداية، ربّما بدا أن السردية الغربية الرسمية تطغى بسبب البروباغندا الإعلامية، خاصة عقب أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ولكن مع الوقت بدأ الناس يدركون حقيقة ما يحدث على الأرض".
وأوضح العتابي بكون الشارع الهولندي، كغيره في أوروبا، قد شهد تحرّرا تدريجيا من هذه السردية، إذ أصبح الخروج لدعم الفلسطينيين أمرا طبيعيا، يعبر عن: "قيم العدالة والإنسانية".
ويقول العتابي: "المغاربة في هولندا، ربما يواجهون تحديات أحيانا، ولكن التضامن مع غزة لم يشكل لهم مصاعب كبيرة"، مردفا: "هذه الأحداث أعطتنا لمحة عن الجيل الرابع والخامس من الهولنديين من أصول ريفية/ مغربية، الذين يتمسكون بهويتهم الثقافية الأمازيغية ويدافعون عن القضايا العادلة، بما فيها القضية الفلسطينية".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح عضو المركز المتوسطي للهجرة والتنمية بهولندا، عبدو المنبهي، أنّ: "الإعلام حاول الربط بين ما فعله النازيون في الحرب العالمية الثانية وما حصل اليوم بين المغاربة والجمهور الإسرائيلي، وهو شيء بعيد عن الواقع، حيث ما وقع في الأحداث الأخيرة مجرّد مناوشات، حيث أن الجمهور الإسرائيلي لم يُقتل منهم أي أحد، وتمّ حمايتهم أصلا من الشرطة الهولندية".
وأشار المنبهي، في حديثه لـ"عربي21" إلى أن "هناك اقتراحات من اليمين المتطرف، من قلب البرلمان الهولندي، حيث دعا إلى: نزع الجنسية الهولندية عن كل من شارك في الأحداث، واعتبار كل نقد لـ"إسرائيل" هو ضد السامية". مردفا: "كأنهم يودون مطابقة القوانين بما يرتبط بالإرهاب، كما أنهم باتو يروّجون للدعايات المسمومة لتجريم المدارس الإسلامية والمساجد".
وفي خضمّ الأحداث التي لا تزال تداعياتها سارية على عدد من المغاربة المتواجدين في هولندا، أكّد المنبهي أنّهم: "سوف يستشيرون مع قانونيين بغرض الدفاع عن عدد من الضحايا المغاربة، ممّن تمّ مهاجمتهم، أو تكسير سيّاراتهم، عبر رفع دعوى قضائية ضد الحكومة الهولندية، وكذا ضد الفريق الكروي الإسرائيلي؛ لأننا ضد العقاب الجماعي، وهنا القضاء هو من يقرّر".
من قلب هولندا.. جمعيات لتمثيل المغاربة
في بيان حول "أحداث أمستردام بهولندا"، أبرزت عدد من الأحزاب والجمعيات، أن: "ما قام به حوالي ثلاثة آلاف مشجع من المرافقين لفريق -مكابي تل أبيب- وغالبيتهم من عناصر الجيش والمخابرات الإسرائيلية، لم يكن بغرض التشجيع لفريقهم، الذي جمعته مباراة كرة القدم بفريق -أجاكس أمستردام-، بل كان الغرض منه خلق البلبلة وزعزعة الأمن والتعايش السلمي بهولندا".
وتابع البيان الذي وصل "عربي21" نسخة منه، أنّ: "وسائل الإعلام المنحازة لأطروحات الصهيونية، روّجت أخبارا كاذبة، مفادها أن من قام بالشغب والفوضى ولجأ للعنف عشية يوم الخميس 7 نونبر 2024، هم مهاجرين من أصول مغربية".
"الحقيقة الساطعة لم تلبث أن ظهرت عبر الشهادات الدامغة التي وثقتها الصور والفيديوهات من صلب الأحداث، ومن عين المكان، والتي تُظهر بجلاء، سواء للرأي العام الوطني الهولندي أو للرأي العام الدولي والعالمي، أكاذيب الصهيونية التي تستعمل أكذوبة مُعاداة السامية ومحرقة الحرب العالمية الثانية، لتبرير سياسة حرب الإبادة تجاه الشعب الفلسطيني" وفقا للبيان نفسه.
وأردف بأنّ: "ما جرى هو ردة فعل مشروعة، من قبل سكان المدينة في وجه هجوم سافر من طرف حشود من الصهاينة، الذين كانوا هم السباقون للإستفزاز والاعتداء الشنيع بشكل همجي وبلا سبب".
وأبرز أن: "الأحداث في واقع الأمر لم تبدأ مساء الخميس 7 نونبر، عقب انتهاء المباراة، كما تم الترويج لذلك، بل إن الواقعة بدأت يوم الأربعاء 6 نونبر 2024، حيث تحول مشجعي فريق مكابي إلى غزاة في شوارع أمستردام، ووحوش آدمية وهم يهتفون بصوت عال، مرددين شعارات عنصرية من قبيل: دعوا الجيش الإسرائيلي ينتصر..".
"كما تسلقوا جُدران المنازل لتمزيق الأعلام الفلسطينية المرفوعة بشرفاتها، حاملين بهذه التصرفات الشنيعة، قيم التعصّب والكراهية من إسرائيل العنصرية إلى أمستردام الهادئة المسالمة" وفقا للبيان نفسه، الذي اطّلعت عليه "عربي21".
اظهار أخبار متعلقة
ووقّع على البيان، كل من: المركز الأورومتوسطي للهجرة والتنمية، والحزب الاشتراكي الموحد أوروبا الغربية، وحزب النهج الديمقراطي العمالي جهة أوروبا الغربية، وجمعية العمال المغاربة هولندا، ومؤسسة اكناري هولندا، وتحالف مواجهة الإسلاموفوبيا والعنصرية بهولندا، والمبادرة المغربية لحقوق الإنسان بهولندا.
وأوضح بأن "الآلة الإعلامية الصهيونية المسيطرة على وسائل الإعلام الغربية، روّجت لسردية كاذبة بتلفيق كل التُهم للمغاربة ووصفهم بالأشرار، وكأنهم كانوا ينتظرون "اليهود الأبرياء" الخارجين من المباراة ليهاجمونهم بلا سبب، في حين أن ما حصل لا علاقة له إطلاقا بمعاداة السامية، أو كما وصفها الإعلام الصهيوني بـ"مذبحة معادية للسامية ضد أبرياء يهود".
وأكّد: "لو تدخلت الشرطة الهولندية عند وقوع هذه التجاوزات وقامت بتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها، لوقف تصرفات هؤلاء المشاغبين، لَمَا لجأ المواطنون الهولنديّون، وأغلبهم من أصول مغربية للدفاع عن أنفسهم، وعن المدينة أمام الاعتداءات الوحشية".