منذ بداية
العدوان على قطاع غزة، برز اسم
قناة العربية في الأحداث كقناة داعمة للاحتلال، وفق وجهة نظر الكثيرين، ما جعلها تحت الضوء في سياق تغطيتها للأحداث في القطاع.
واتهمت العربية بترويج رواية
الاحتلال، وشيطنة المقاومة الفلسطينية، كما تتعمد استضافة محليين يملكون مواقف حادة من المقاومة الفلسطينية، وتفرد لهم حيزا واسعا للحديث بحرية، على النقيض من استضافاتها القليلة للأشخاص المناهضين للاحتلال والعدوان.
ومع هذه الاتهامات، دافع مسؤولو القناة عن مواقفها، وكان آخرهم عبد الرحمن
الراشد، المدير السابق للعربية، خلال حديث في "بودكاست ثمانية" السعودي.
الراشد زعم أن "العربية لا تنام مع الإسرائيليين كما تتهم"، وسرعان ما قارنها بقناة
الجزيرة التي وصفها بأنها محطة تعبئة وحشد.
يكمل الراشد المقارنة بين القناتين، منتقدا عرض الجزيرة لإنجازات المقاومة الفلسطينية أو اللبنانية وآثار الحرب داخل دولة الاحتلال، ولعل ذلك يفسر بعضا من سلوك "العربية" الذي يواجه انتقادات حادة بتبنيه الرواية الإسرائيلية.
يتابع الراشد بأن القناة
السعودية عند انطلاقتها كان تعاني من صراع داخلي حاد، بأن المطلوب منها منافسة الجزيرة، أو أن تصبح مثلها، بينما كان لدى الراشد الذي تولى إدارة القناة وجهة نظر مختلفة قائلا: ندخل على الخط الثاني.. نقدم وجهة نظر مختلفة.
العربية وغزة.. قديما
ليست المرة الأولى التي يدافع فيها الراشد عن قناة العربية، فقد كان انبرى عدة مرات لهذه المهمة، إحداها تعود للعام 2009، وكان الموضوع أيضا غزة.
وقال
الراشد حينها، إن القناة ردت على الاتهامات التي طالت القناة حول تغطيتها لأحداث غزة، ونفى، جملة وتفصيلاً، أن تكون "العربية" ممثلة لوجهة النظر الأمريكية في المنطقة، متحدياً من يدّعي ذلك إثباته.
واتهم "جماعات سياسية" بإدارة حملات ضد القناة، بهدف تصفية حسابات خاصة معها، مؤكداً أن مسؤولي حركة حماس راعون "العربية"، ويحرصون عليها أكثر من غيرهم، نافيا إغلاق مكتبها في غزة.
اتهامات بدعم العدوان
واجهت قناة العربية منذ انطلاق العدوان اتهامات عديدة بتبني الرواية الإسرائيلية في الوسط الإعلامي العربي، خصوصا أنها كانت تركز على مفاهيم عدة، أبرزها تحميل المقاومة مسؤولية المجازر التي يرتكبها الاحتلال، سواء على لسانها أو لسان ضيوفها التي تنتقيهم.
وفي أيار/ مايو، ظهر رئيس وزراء الاحتلال الأسبق نفتالي بينيت على العربية، زاعما أن دولة الاحتلال حاولت إقامة دولة فلسطينية في غزة، لكن حماس حولتها لمنطقة إرهابية وليس "سنغافورة جديدة"، وفق قوله.
كما شن ناشطون هجوما لاذعا على القناة بسبب تحريضها ضد المقاومة على لسان أحد ضيوفها، الذي دعا الدول العربية للتعامل بحزم مع المقاومة الفلسطينية وكل من يؤيدها.
كما استخدمت القناة مصطلحات محددة في التعامل مع حرب غزة، وأثارت بذلك جدلا واسعا بين منتقد انحيازها للاحتلال وآخر يمدح "مهنيتها".
وتسمي القناة شهداء العدوان بالقتلى، حتى وإن ورد الخبر على لسان وسائل إعلام فلسطينية التي تسميهم شهداء، لكنها وبذات الوقت تسمي قتلى الاحتلال بالضحايا، كما تصف أسراه بـ"الرهائن"، وتتجنب بشكل واضح وصف "المجازر" للجرائم التي يرتكبها الاحتلال في القطاع.
كما تواصل العربية وصف الاحتلال في سياق نشراتها الإخبارية أو برامجها، وتطلق عليه "الجيش الإسرائيلي"، وعلى العكس من ذلك تصف المقاومة بـ "المسلحين الفلسطينيين" و"مقاتلي حماس".
وحول التظاهرات الداعمة لغزة، اتخذت القناة موقفا مناهضا للحراك الشعبي، واصفة الدعوات لنصرة القطاع بالتحريضية.
اتهامات بالفبركة
أواخر كانون الثاني/ يناير، طالت قناة العربية "الحدث" السعودية انتقادات واسعة، بعد نشرها مقطع فيديو مفبركا من غزة، يظهر فيه الناس كأنهم يهتفون ضد حركة المقاومة الفلسطينية "حماس".
ونقلت "الحدث" المقطع من حسابات إسرائيلية، دون الإشارة إلى أنه مفبرك.
انتقادات من الجميع
وجهت للقناة انتقادات واسعة من كتاب ومدونين، حتى وصل لداود الشريان الإعلامي السعودي، المعروف بتأييده لسياسات المملكة.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، قال الشريان، وهو نائب مدير سابق في القناة، في منشور عبر "إكس": "أعتقد أن قناة العربية أصغر من التعبير عن السعودية، ولا تعرف حجم الرياض ومكانتها العربية والإسلامية، ودورها المحوري في إدارة أزمات المنطقة".
وقال الشريان إن "قناة العربية مشاهداتها متدنية، وهي تمارس دعاية سياسية بليدة، تعد سابقة في الغباء المهني والخور ".
واضطر الشريان لاحقا لحذف المنشور، كما ردّ المدير العام لقناة العربية ممدوح المهيني على الشريان في منشور على منصة “إكس”، وقال المهيني في منشوره: “تعرف أن العربية مهنية، وتلتزم بهذا الخط حتى في أكثر الأوقات صعوبة. ورغم أنه سهل علينا أن نتلاعب بالجماهير ونزيف المعلومات ونحرك العواطف ونركب الموجة الشعبوية، لكننا لا نفعل؛ لأننا نحترم المشاهدين، ونحترم أنفسنا، ونصر على هذا الخيار، حتى لو تعرضنا للمزايدات والتخوين كما يحدث هذه الأيام”.
وأكمل المهيني: “في أول جولة لبلينكن، قرر الظهور معنا في القاهرة، وطرحنا عليه أسئلة صعبة، وتوالى ظهور الشخصيات الهامةً، وكان آخرهم رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، والأمثلة كثيرة يصعب حصرها”.
كما وبّخ السفير الفلسطيني في بريطانيا، حسام زملط، قناة "العربية"، بسبب صياغتها للأخبار المتعلقة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وخلال استضافته من قبل مذيعة العربية ميسون عزام للحديث عن المظاهرات في لندن، رفض صياغة القناة السعودية لما يجري.
وقال: "اسمحيلي أخت ميسون التعليق على تقريريكم (طرفي صراع)، وأن (المظاهرات كانت من الجانبين)، ما شهدناه غير مسبوق، خصوصا من الشعب البريطاني من نصرة للفلسطينيين ورفض للظلم والعدوان".
وأضاف: "مهم جدا عدم تبني مصطلحات مثل (طرفي الصراع)، لا يوجد طرفان، يوجد طرف واحد هو المحتل المعتدي الغازي المستعمر المحاصر، والشعب الذي يقبع تحت الاحتلال، فالمصطلح الأساسي هو عدوان حقيقي يرتقي إلى جرائم إبادة".
ذات المشهد تكرر مجددا مع الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، الذي وبخ مذيع قناة "العربية" طاهر بركة مجددا، بسبب حركة "حماس".
وزعم طاهر بركة أن حركة "حماس" تقبل بحل الدولتين، ناقلا تشكيكا بجدوى ما فعلته في "طوفان الأقصى" بالسابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي.
احتفاء "إسرائيلي"
مرات عدة، احتفى الإعلام الإسرائيلي بالدور الذي تلعبه قناة العربية خلال العدوان على غزة، وفي أيلول/ سبتمبر الماضي بثت القناة 11 الإسرائيلية تقريرا مطولا يتحدث عن القناة، وذكرت فيه مديرها السابق الذي وصفته بالعقل المدبر للشكل والمضمون.
ويقارن التقرير تعامل العربية الجزيرة مع العدوان والمصطلحات التي تستخدمها القناتان، محتفيا بالعربية الذي وصفها بالأكثر توازنا لصالح "إسرائيل".
ويذكر أحد المحللين الإسرائيليين في التقرير، أن ما تبثه قناة العربية يعتبر تهيئة للرأي العام السعودي للتعامل مع أي اتفاقات مستقبلا مع إسرائيل.
وفي حزيران/ يونيو الماضي بثت قناة "مكان" العبرية تقريرا لذات الغرض، حيث أظهرت القناة العبرية في تقريرها الفرق بين القناتين، فكانت الجزيرة تواكب تطورات الحرب على غزة وبث المقاطع المصورة لكتائب القسام، فيما كانت قناة العربية المملوكة للسعودية تتناول أخبار الرياضة والاقتصاد.
وأشار التقرير العبري إلى أن هناك الكثير من الفجوات بين القناتين، حتى في المصطلحات والتعابير الإخبارية، إذ تصف الجزيرة الضحايا الفلسطينيين بالشهداء، بينما تعمد العبرية إلى وصفهم بالقتلى.
كما سلطت صحيفة
هآرتس العبرية، الضوء على تغطية قناة العربية خلال العدوان على غزة، وقالت إنها تعمل كمنصة بديلة، بعيدا عن الأصوات المعادية لـ"إسرائيل" في المنطقة، وأبرز ما كان لافتا فيها استضافتها للناطق باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري، الذي يتجاهل المشاهد العربي متابعته.
وقالت الصحيفة في آب/ أغسطس، إن قناة العربية ومقرها حاليا الرياض، فجرت في 19 حزيران/ يونيو غضب المشاهدين العرب، حين استضافت هاغاري الذي أطلق من المنطقة الشمالية، ليهاجم حزب الله على شاشتها، لدرجة قول البعض إنها قناة "عبرية صهيونية"، فضلا عن تساؤل البعض ما إذا كانت قناة إسرائيلية بالفعل.
ورأت أن هذا جزء من القصة الأوسع للقناة، التي تنافس على تشكيل السردية والوعي الجمعي في دول الخليج، وتاريخ صعودها يعكس جهود الأسرة الملكية السعودية؛ لجعلها واحدة من وسائل الإعلام الأكثر تأثيرا في العالم العربي، ورغم أنها بدأت ضمن مجموعة أم بي سي السعودية، بدعم من مجموعة الحريري ومستثمرين، فإنها انتقلت من دبي عام 2021 إلى العاصمة السعودية الرياض.