ملفات وتقارير

3 ملفات ساخنة تشتعل في مصر على وقع التطورات الإقليمية.. ما هي؟

تتسارع التطورات الإقليمية في العديد من الملفات المتعلقة بمصر- الأناضول
تتواصل الأزمات المحيطة شرقا وغربا وجنوبا بالدولة المصرية، حيث حرب الإبادة الإسرائيلية الدموية الدائرة على قطاع غزة ولبنان، التي دخلت عامها الثاني، والمواجهات العسكرية في السودان التي تقترب من العام ونصف العام، إلى جانب أزمة مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي والصراع في القرن الإفريقي ومدخل البحر الأحمر الجنوبي، ما يزيد المخاوف على حياة أكثر من 106 ملايين مصري.

والخميس، زار رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، إريتريا، المطلة على البحر الأحمر والمجاورة للسودان وإثيوبيا، في قمة ثلاثية تشهدها العاصمة أسمرة، حيث تجمع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، والصومالي حسن شيخ، وسبقتها زيارة تنسيقية لرئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل ووزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي.

وفي مؤتمر صحفي، للرؤساء الثلاثة، شدد السيسي على أهمية علاقات الدول الثلاثة "سواء في مواجهة تحديات مشتركة بالقرن الأفريقي والبحر الأحمر"، مضيفا أن التشاور شمل بحث "سُبل التصدي لمخططات وتحركات تستهدف زعزعة الاستقرار وتفكيك دول المنطقة، وتقويض الجهود الدؤوبة لدولنا وشعوبنا"، معلنا الاتفاق على "تقديم أشكال الدعم كافة للصومال".

وشهدت الشهور الأخيرة تطورات سياسية وعسكرية في القرن الأفريقي، في ظل سعي إثيوبيا التي تُعدّ قوة بارزة في المنطقة، لتعزيز نفوذها من خلال نشر قوات تحت راية الاتحاد الأفريقي في الصومال، وتأمين ممر ثابت إلى البحر الأحمر على غير رغبة مقديشيو، وذلك بعد استكمال بناء سد النهضة، الذي يمثل تهديدا "وجوديا" لمصر التي تخشى من تمدد النفوذ الإثيوبي.


وتأتي زيارة السيسي، لأسمرة، والقمة الثلاثية، في ظل اتهامات إثيوبية للقاهرة بحشد قوات عسكرية وسلاح مصري دعما لمقديشيو، رفضا من القاهرة للتدخل العسكري الإثيوبي في الصومال التي تدعمها القاهرة، وفقا لبروتوكول عسكري جرى توقيعه منتصف آب/ أغسطس الماضي.

تحرك السيسي، في القرن الأفريقي قرأه مراقبون ومتحدثون لـ"عربي21"، بأنه خطوة جيدة، ولكنها متأخرة، نحو صناعة تحالف إقليمي من الصومال وإريتريا ضد إثيوبيا، واصفينها بأنها محاولة قد تكون يائسة للضغط على أديس أبابا في ملف مياه النيل.

"اتهامات حميدتي"
وفي ملف ثان، اتهم الأربعاء، قائد قوات "الدعم السريع" في السودان، محمد حمدان دقلو الجيش المصري بالمشاركة في المعارك العسكرية، ومساندة الجيش السوداني وقصف عناصر "الدعم السريع" في جبل موية بولاية سنار، والادعاء بأن طائرات مقاتلة من طراز "سوخوي 29" تابعة لمصر، ظلت تضرب قواته لساعات طويلة في جبل موية.

وبحسب "سودان تربيون"، قال حميدتي: "هُزمنا في جبل موية بولاية سنار، بواسطة الطيران المصري الغادر"، مضيفا "أنهم صمتوا طويلا حيال التدخلات المصرية في الحرب الدائرة الآن".

وأضاف: "استعنتم بكل شيء، طيران وبحر… قاتلتنا مصر.. وفي أثناء مفاوضات جنيف، منحت مصر الجيش 8 طائرات وقنابل زنة 250 كيلوغرام، وهي قنابل أمريكية".


وهي الاتهامات التي نفتها مصر في بيان رسمي، فيما لم يتطرق المتحدث العسكري المصري للرد على تلك الاتهامات حتى كتابة هذا التقرير.

وزارة الخارجية المصرية، قالت؛ إن مزاعم اشتراك الطيران المصري في المعارك الدائرة في السودان، تأتي "في خضم تحركات مصرية حثيثة لوقف الحرب وحماية المدنيين، وتعزيز الاستجابة الدولية لخطط الإغاثة الإنسانية للمتضررين من الحرب الجارية بالسودان".

وفي حديثهم لـ"عربي21"، قدم خبراء قراءة في اتهامات حميدتي للجيش المصري بالتورط في حرب السودان، مؤكدين أنه حديث المهزوم الذي يواجه ورطة مع الهزائم الأخيرة شديدة الوقع التي لحقت بقواته ومرتزقته المدعومين إماراتيا، وفق قول الصحفي جمال سلطان، عبر موقع "إكس".


"إهانة عاموس"
وفي ملف ثالث، أثار رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق عاموس يدلين، بتصريحات للقناة 12 العبرية، غضب المصريين بزعمه أنهم لن يسمحوا بوجود جيش على حدود إسرائيل، مشيرا إلى منع الجيش الأردني من الاقتراب من الضفة الغربية، والسماح بتحرك الجيش المصري في سيناء، وفق تعليماتهم.

وقال نصّا: "لن يكون هناك جيش على الحدود الإسرائيلية، الذي ممكن أن يقتحم الدولة في اللحظة صفر"، مضيفا: "نحن لم نسمح للأردن أن تضع جيشها في الضفة الغربية، ونسمح لمصر أن تقوم بإدخال جيشها إلى سيناء في ظل هذا الردع الذي حققناه"، مؤكدا أنه "طبقا لنفس القوانين، كل شخص يرفع رأسه سنزيله".


متحدثون لـ"عربي21"، ومراقبون عبر مواقع التواصل الاجتماعي قالوا؛ إن تلك التصريحات تمثل "إهانة كبيرة وصريحة للجيش المصري والأردني"، وإنه "يجب الرد عليها".

لكن البعض رأى أنها ليست ادعاءات من المسؤول الإسرائيلي السابق، ولكنها "حقائق مؤسفة"، رآها المصريون والعرب على مدار عام من "طوفان الأقصى"، مع احتلال "إسرائيل" لمعبر رفح وغلقه، وسيطرتها على محور "فيلادلفيا" بالمخالفة لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، واتفاقية المعابر لعام 2005، وسط صمت مصري.


ومنذ انطلاق "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، التي تبعها حرب إبادة دموية إسرائيلية، تسببت في استشهاد أكثر من 40 ألف فلسطيني وتدمير البنية التحتية لقطاع غزة، وهددت الحدود المصرية أكثر من مرة وقتل العديد من جنودها؛ وتطال القاهرة الانتقادات لتراجع دورها في الملف الأخطر على أمنها القومي.

وبحسب كتاب "دليل إسرائيل"، الصادر في 2020،  للكاتب فادي نحاس، فإن البيئة الاستراتيجية الإسرائيلية تقوم على "تحييد الجبهة الجنوبية المصرية"، مشيرا إلى أن "التقديرات الاستراتيجية الإسرائيلية، تُجمع على أنه لم يعد هناك خطر استراتيجي يتهدد إسرائيل من الجبهة الجنوبية، علما بأنها ظلت مصدر التهديد الرئيسي حتى مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد سنة 1979".

"خطوة حيوية لكن متأخرة"
وفي قراءته لدلالات الملفات الثلاثة، قال الأكاديمي المصري الدكتور محمد الزواوي؛ إن "تعزيز الوجود المصري العسكري والدبلوماسي في منطقة القرن الأفريقي، خطوة حيوية للأمن القومي المصري، رغم أنها جاءت متأخرة للغاية".

المحاضر في معهد الشرق بجامعة سكاريا التركية، أضاف لـ"عربي21": "ولكن تلك التحركات تعبر عن وجود إرادة مصرية لإعادة هندسة تحالفات المنطقة، التي تركتها مصر لعدد من القوى الإقليمية في السنوات الماضية مع انسحابها غير المبرر".


وتابع: "بما يعني أن القاهرة قررت أن تستعيد حضورها وريادتها مرة ثانية، بعد أن تعرضت لمخاطر جسيمة تتعلق بالملاحة في قناة السويس وتهديد منابع النيل".

ويرى الأكاديمي المصري، أيضا أن "الوجود العسكري المصري معززا بخطوات دبلوماسية ملموسة، بغية تشكيل تحالف مصري إريتري صومالي، يعني أن مصر تريد معاقبة إثيوبيا بحرمانها من الوصول إلى البحر الأحمر، وإظهار جدية مصر باستخدام الأسلحة النوعية التي وفرتها للصومال، لاسيما مضادات الطائرات والمدفعية".

وأكد أن "هذه رسالة بأن مصر لن تكتفي بقوات حفظ سلام ضد وجود حركة الشباب التي تمتلك أسلحة خفيفة، ولكن ذلك الوجود موجه بالأساس إلى الجيش الإثيوبي، بعد سلسلة من التصريحات المستفزة للجانب المصري بشأن بيع مياه النيل، وبناء سلسلة من السدود على النيل الأزرق".

وعن الوجود المصري في السودان، يعتقد الوزاوي، أنه "جاء كذلك متأخرا للغاية، بعد تلكؤ مصر في دعم الجيش السوداني الذي تحسبه القاهرة على الاتجاه الإسلامي، في ظل خلافات مع الإمارات بشأن الانحياز إلى قوات الدعم السريع، التي باتت تشكل تهديدا على الأمن القومي المصري، بعد المذابح والتهجير والانتهاكات الواسعة بحق المدنيين، ونهب الثروات والمعادن النفسية للبلاد".

وقال؛ إن "الجيش السوداني من المفترض أن يكون أصلا مهما للجيش المصري، لاسيما في حال اندلاع مواجهات عسكرية بشأن سد النهضة، واستخدام قواعده ومواقعه في ضمان تعزيز المصالح المصرية والسودانية في مياه النيل".

وبشأن تصريحات عاموس يدلين، أكد الأكاديمي المصري أنها "جاءت من مسؤول سابق، ومن ثم فهي لا تمثل إهانة رسمية لمصر، بقدر ما تمثل دعاية للاستهلاك الداخلي ومحاولة لرفع الروح المعنوية لجنوده، الذين يسقطون في معارك استنزاف تبدو بلا نهاية، وقدرة صواريخ المقاومة على ضرب العمق الصهيوني، ومحاولة تهدئة مخاوف الرأي العام الداخلي، بأنه لن تنضم جيوش المنطقة إلى استهداف الكيان".

"فوات الأوان.. وشماعة حميدتي"
وفي قراءته، قال الكاتب الصحفي والإعلامي قطب العربي؛ إن "زيارة السيسي لإريتريا وعقد قمة ثلاثية مع الرئيس الصومالي جاءت متأخرة جدا، وبعد فوات الأوان فيما يخص سد النهضة الذي اكتمل بناؤه، ولم يعد هناك مجال للتأثير الحقيقي على إثيوبيا في هذا الملف".

ومع ذلك، فإن العربي، في حديثه لـ"عربي21"، يرى أن "الزيارة تسهم في صناعة ربما حلف جديد بمواجهة إثيوبيا في القرن الأفريقي، وهذا الحلف يمكن أن يواجه طموحات أخرى لإثيوبيا في هذه المنطقة، ومصر تدخل كطرف داعم للصومال وإريتريا في مواجهة الطموحات الإثيوبية الأخرى".

وراح يؤكد أنه "مع ذلك، تحرك لن يسهم في حل أزمة مياه النيل؛ ولكنه كما نقول في مصر من باب (فش الغل) أو الثأر والانتقام، لكنه لن يحلحل ملف سد النهضة أو يحدث فيه تغييرا"، بحسب قوله.

ويرى العربي، أن "اتهام حميدتي للجيش المصري، كمن يبحث عن شماعة لهزيمته في جبل مويا، وهو لا يريد أن يقتنع أن الجيش السوداني استطاع بمفرده أن يهزمه، ولقد هزمه من قبل في أماكن أخرى، ولكنه يحاول تسويق رواية أن الدعم السريع هو الأعلى قدما والأرسخ على الأرض، وأن الجيش السوداني لم يستطع هزيمته منفردا".

وأوضح أنه "خلال بحثه عن شماعة للهزيمة، وجد أن اتهام مصر ربما يكون مقنعا، علما بأن خارجية القاهرة نفت هذا الاتهام، لكن المؤكد أن الجيش السوداني مؤخرا استطاع تحديث سلاحه، وتطوير أدائه، وأيضا ارتفعت روحه المعنوية بعد سلسلة انتصارات حققها مؤخرا، مدعوما بالتفاف شعبي واسع من المتطوعين مع الجيش".

ولفت إلى أن تلك الحالة "أسهمت في تحرير جبل موية، وحرر من قبل الجسور والعديد من المناطق"، ملمحا إلى أن "حميدتي يتحدث من الخارج أو ربما من الإمارات، واتهامه بعض الدول الأخرى بدعم الجيش السوداني، ومن الواضح أنه موصى بهذا ممن يلقنه هذه الاتهامات في إطار أحلاف إقليمية، وكان من الواضح ارتباكه وشعوره بالهزيمة".

وفي حديث رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق، يعتقد العربي، أن "هذه اتهامات خطيرة، وتمثل إهانة كبيرة للجيش المصري إذا تُركت دون رد هكذا"، مضيفا: "وننتظر ردا واضحا من الجيش المصري والقيادة السياسية على هذه الاتهامات، حتى لا تظل معلقة في رقبة الجيش المصري".

"أدوار وظيفية أو تكتيكية.. لا أكثر"
وفي رؤيته، قال الباحث المصري في أصول التربية السياسية يحيى سعد: "للأسف لا أتوقع أن مصر -بنظامها الحالي-  تجرؤ على خوض أي مواجهة عسكرية في الشرق أو الجنوب أو محيطها الأفريقي، ولا يزيد الأمر عن أن هذه التحركات، إن رصدت، تتعدى الأدوار الوظيفية أو التكتيكية".

وفي حديثه لـ"عربي21"، مضى يؤكد أن "السيسي، أفقد الجيش المصري توازنه بتغيير عقيدته القتالية، وتغيير بوصلته العسكرية، وإشغاله بمجالات ليست من صميم مهامه الدستورية؛ كالاقتصاد والتعليم ومزارع الخيار والطماطم والجمبري والسكك الحديدية".


وأضاف: "كل هذا، فضلا عن هشاشة البنية القيادية وتجريفها، بشكل مستمر، من كل قيادة يشعر، ولو للحظة، أن لها حظا من هيبة أو استقلالية".

وأوضح أن "ما يؤكد ذلك، ما نفته وزارة الخارجية من تدخل الجيش المصري في المواجهات الدائرة في السودان، رغم حاجة الجيش السوداني للدعم في مواجهة مليشيات الدعم السريع التي أهلكت الحرث والنسل".

وتابع: "كما استبعد محللون كثر أن تكون التحركات التي أعلن عنها مؤخرا للجيش المصري في الصومال أو القرن الأفريقي لها علاقة بالتحضير لمواجهة مع إثيوبيا، إثر محاولاتها تمديد نفوذها في دول الجوار، فضلا عن تهديدها القائم للأمن القومي المصري من خلال سد النهضة الإثيوبي".

وختم بالقول: "أما على صعيد الحدود الشرقية، فليس أدل على تراجع هيبة مصر في نظر الكيان المحتل مما يجري في محور فيلادلفيا وقصف معبر رفح أكثر من مرة، وكذا ضعف التأثير للدور المصري في القضية الفلسطينية".