أفادت وسائل إعلام تركية، الاثنين، بوفاة فتح الله
غولن زعيم حركة "غولن" المتهمة بالتخطيط للانقلاب الفاشل في
تركيا عام 2016، والمدرجة على قوائم "الإرهاب" لدى أنقرة.
وتداولت وسائل الإعلام بيانا صادرا عن منصات توصف بأنها مقربة من الحركة يفيد بوفاة غولن في
الولايات المتحدة في حوالي الساعة الـ21:00 من الليلة الماضية.
من جهته، أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان التقارير المتداولة حول وفاة رجل الدين، قائلا إن "مصادرنا الاستخباراتية تؤكد موت زعيم تنظيم غولن الإرهابي فتح الله غولن".
وكان غولن المطلوب للسلطات التركية والبالغ من العمر 83 عاما يعاني من الخرف والفشل الكلوي والسكري، بحسب الإعلام التركي.
وتتهم أنقرة، غولن بالتخطيط لمحاولة انقلاب فاشلة في تركيا عام 2016 وإدارة دولة موازية في البلاد، وهو ما تنفيه الجماعة التي تتخذ من ولاية بنسلفانيا الأمريكية مقرا لها.
من هو فتح الله غولن؟
يعد غولن رجل دين بارزا فضلا عن كونه مؤسس حركة إسلامية قوية في تركيا وخارجها، إلا أنه قضى السنوات الأخيرة من عمره في الولايات المتحدة بالتزامن مع اتهامه وجماعته بالتخطيط لمحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/ يوليو عام 2016.
ولد غولن في 27 نيسان/ أبريل عام 1942 في قرية كورجوك التابعة لمنطقة باسينلر في ولاية أرضروم شمال شرق تركيا، حيث كان يعمل والده الذي يعيل عائلة مكونة من 8 أبناء، إماما لأحد المساجد.
تلقى غولن تربية إسلامية خلال طفولته، ويذكر في مذكراته أن "الحضارة العثمانية كان لها تأثير في تطور شخصيته".
بدأ عام 1955 بإلقاء الخطب الوعظية في قرى مختلفة من ولاية أرضروم. وفي أعقاب ذلك، خرج لأول مرة من الولاية التي ولد فيها وألقى خطابات في مدن مثل أماسيا وتوكات وسيفاس وأرزينجان.
عام 1966، تم تعيينه خطيبا مركزيا في ولاية إزمير. وعام 1971 قضى 7 أشهر في السجن بتهمة "إنشاء أو تنظيم أو ترتيب أو توجيه جمعيات خلافا للعلمانية". وفي هذه الفترة بدأ بوضع النواة الأولى للحركة التي تعرف اليوم بـ"تنظيم غولن"، والتي تقول إنها تتبع تعاليم رجل الدين الإسلامي الراحل سعيد النورسي.
وعام 1974، تمت تبرئته من التهم بموجب قانون عفو عام.
بدأ بكتابة المقالات الافتتاحية ثم المقالات المركزية في مجلة "سيزينتي"، التي صدر عددها الأول في شباط/ فبراير 1979.
وخلال انقلاب عام 1980، صدرت بحقه مذكرة توقيف أخرى لكونه زعيم ما وصفت حينها بأنها "منظمة دينية". إلا أنه غادر إزمير حينها واختبأ في العديد من المدن، قبل أن يتم إلقاء القبض عليه في عام 1986 ليتم إطلاق سراحه مجددا بعد فترة بسبب ما وصفته صحيفة "يني شفق" التركية بأنه "ضغوط سياسية بحكم علاقاته".
وعام 1991، أنهى غولن عمله في إلقاء الخطب والدروس الوعظية في العديد من المساجد في تركيا، بعد 38 عاما من النشاط في هذا المجال.
وعام 1999، انتقل غولن الذي حققت جماعته انتشارا عبر شبكة من المدارس في عشرات الدول حول العالم، إلى العيش في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة.
وعام 2014، تم إعلان فتح الله غولن والحركة التي أسسها "منظمة إرهابية" في اجتماع مجلس الأمن القومي.
وعام 2016، اتهم غولن وجماعته بالتخطيط لمحاولة الانقلاب الفاشلة بعدما وصف بتغلغل "تنظيمه في مفاصل الدولة".
تحالف قديم لم يلبث أن انهار
شكل العام 2012 نقطة فاصلة في العلاقة بين حزب العدالة والتنمية وبين جماعة غولن بعد سنوات من التحالف الذي مكن الطرفين من الدخول في مؤسسات الدولة، ليبدأ بعدها منحنى العلاقة بالهبوط، ويتحول الصديق إلى خصم ثم عدو.
اضطراب علاقة الحليفين القويين، اللذين شكلا ثنائيا متكاملا في الانتخابات التركية بكافة أشكالها منذ العام 2002، تكوّن إثر محاولة جماعة غولن التأثير في قرارات حزب العدالة والتنمية ومواقف حكومته من عدد من القضايا.
أول مواجهة بين الطرفين كانت في ملف الهجوم، والتحقيق مع رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان، المقرب من أردوغان، بعد توليه منصبه في العام 2010.
وكان مدخل الهجوم على هاكان هو اتهامه بالتخابر مع حزب العمال الكردستاني الانفصالي، وذلك بعد الكشف عن تسجيلات صوتية لمفاوضات سرِّية في أوسلو مع حزب العمال تحت إشرافه، في إطار مسعى الحكومة لحلّ القضية الكردية.
ليستدعي المدعي العام الجمهوري رئيس جهاز الاستخبارات وبعض مساعديه للتحقيق في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجمهورية التركية، ويرفض الأخير المثول أمام المدعي العام، وتضطر الحكومة التركية لاستصدار قانون يحصن رئيس جهاز الاستخبارات من التحقيق معه، إلا بموافقة خطية من رئيس الوزراء.
ثاني مواجهة بين الطرفين كانت في أحداث غيزي بارك، فبعد اندلاع احتجاجات ميدان تقسيم في وسط مدينة إسطنبول، وبعد قيام المتظاهرين بغلق أكثر الميادين حيوية، هاجمت وسائل الإعلام التابعة للجماعة أردوغان، ونددت بطريقة تعامل حكومته مع الأحداث.
وفي الفترة ذاتها، انتقد غولن إبقاء أركان الجيش السابق إيلكرباشبوغ، الذي قضت المحكمة بسجنه انفراديا مدى الحياة، بتهمة تزعم شبكة أرغينيكون السرية، قائلا: "لو كان الأمر بيدي لأطلقت سراحه".
واتهم بعدها أردوغان بتصفية الحسابات.
جاء بعد ذلك مرحلة الانتخابات الرئاسية، التي نافس فيها إحسان أوغلو -المدعوم من حزبي الشّعب الجمهوري والحركة القوميّة- الرئيس التركي أردوغان، وجرى الحديث عن دعم جماعة غولن لإحسان أوغلو.
أما القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد كانت قضية معاهد التحضير للامتحانات الجامعية، فقد أعلنت الحكومة نيتها تغيير نظام الامتحانات، وتحويل هذه المعاهد إلى مدارس خاصة ضمن مشروع تطوير النظام التعليمي.
ولأن الجماعة تستحوذ على ما يقرب ربع المعاهد، وتستفيد منها ماليا بشكل كبير؛ شكل الأمر خطا أحمر للجماعة، لترفض القرار، وتدخل في مواجهة مع الحكومة مجددا.
وبعد محاولة الانقلاب عام 2016، اتهم أردوغان الجماعة بالوقوف وراءها، وبين أن المحاولة الانقلابية نفذتها عناصر محدودة من الجيش، تتبع لـ"منظمة الكيان الموازي".