ملفات وتقارير

زيارة خاطفة بعد غياب عامين.. ماذا يحمل حضور ابن سلمان للقاهرة؟

تصل الاستثمارات السعودية في مصر إلى نحو 26 مليار دولار- "واس"
زار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مصر، الثلاثاء، والتقى رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، بعد غياب عن القاهرة مدة عامين منذ آخر زيارة في حزيران/ يونيو  2022، وذلك وسط توقعات بزيادة الاستثمارات السعودية للبلد العربي الأفريقي المصنف اقتصاده ثانيا بقارة أفريقيا، والذي يعاني أزمات واختلالات هيكلية خطيرة.

وتأتي هذه الزيارة في ظل العديد من السياقات بعضها يتعلق بالوضع الإقليمي وبملف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، والتي تدخل عامها الثاني على القطاع، وتسببت في استشهاد أكثر من 40 ألف فلسطيني، بجانب استهداف عدد من قادة المقاومة في غزة ولبنان، إلى جانب توتر الأجواء بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر وتأثر قناة السويس المصرية والموانئ السعودية ومشروعات "نيوم".

"توتر إقليمي وأخطار مشتركة"
وإثر مباحثات بين الجانبين، بقصر الاتحادية في العاصمة المصرية القاهرة، أعلن بيان مصري، أن السيسي، وابن سلمان، أكدا على خطورة الوضع الإقليمي وضرورة وقف التصعيد، مشيرين لضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان ومعالجة الأوضاع الإنسانية، والتأكيد على ضرورة احترام سيادة وأمن واستقرار لبنان وسلامة أراضيه، وعلى "إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة، وفقا لقرارات الشرعية الدولية".



وحول هذه النقطة، قال الكاتب السعودي سليمان العقيلي، في مقال له بموقع "إيلاف"، الثلاثاء: "تجمع الرياض والقاهرة في الوقت الراهن مصادر اهتمام مشتركة تجعلهما أقرب إلى بعضهما من أي وقت مضى".

وأشار إلى وجود 3 مصادر تهديد مشتركة تجمع البلدين، ملمحا إلى أن أولها: "الوضع الخطير لأمن البحر الأحمر مصدر التهديد الرئيسي المشترك للبلدين"، مبينا أنه "تسبب بانخفاض واردات قناة السويس إلى النصف، وهو يعطل النمو المرسوم للموانئ السعودية".

وأكد أن "مصدر التهديد المشترك الثاني هو الحرب الأهلية في السودان، التي يتوقع المحللون أنها ستجر البلاد إلى التمزق والتقسيم"، موضحا أنها "تؤدي لإحاطة مصر والسعودية بدول فاشلة وغير مستقرة تهدد أمنهما الاستراتيجي".

أما "مصدر التهديد الثالث" المشترك، فهو دخول "إثيوبيا على الخط داعمة تقسيم الصومال إلى ثلاث دول"، بحسب الكاتب الذي أوضح أن هذا يجعل إثيوبيا "لاعبا رئيسيا في خليج عدن وباب المندب، وهذه النتيجة ستجعل أمن القاهرة بقبضة أديس أبابا في الأمن المائي والأمنين الاقتصادي والاستراتيجي".

"ملف اقتصادي حافل"
وتأتي زيارة ابن سلمان للقاهرة في ظل سياقات اقتصادية وتجارية، وأخرى تتعلق بالنفوذ في إقليم الشرق الأوسط، والتنافس السعودي الإماراتي على الاستحواذ على الأصول المصرية العامة والتي تتفوق فيها الإمارات بصفقة "رأس الحكمة" في شباط/ فبراير الماضي، (أكثر من 170.8 مليون متر مربع)، بقيمة 35 مليار دولار مع شركة القابضة (إيه.دي.كيو).

الرياض، طالما قدمت الدعم المالي الكبير لحكومات السيسي، منذ انقلابه العسكري منتصف العام 2013، على الرئيس الراحل محمد مرسي، حيث تعد مصر أكثر الدول المتلقية للمساعدات السعودية، بقيمة 32.48 مليار دولار، وفقا لإعلان منصة المساعدات السعودية في 24 تموز/ يوليو الماضي.

لكن حكومة المملكة قررت مؤخرا التحول من الدعم والمساعدات نحو الاستثمار، وزيادة استثمارات صندوق الاستثمارات العامة السعودي في مصر، (يمتلك استثمارات بنحو 3 مليارات دولار في القاهرة).

ومطلع آب/ أغسطس الماضي، أعلنت المملكة على لسان وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، من مدينة العلمين الجديدة بالساحل الشمالي الغربي لمصر، تحويل ودائعها في مصر التي يحين سداد أجلها في أكتوبر/ تشرين الأول 2026، والبالغة 10.3 مليارات دولار، إلى استثمارات.

وحول هذه النقطة قال العقيلي، في "إيلاف": "كانت الرياض تريد أن تسيل جزءا من الوديعة في البنك المركزي لخدمة تمويل بعض هذه الاستثمارات، لكن القاهرة تأمل بعدم المساس بالوديعة"، معلقا بقوله: "ويتوقف حل هذه المسألة على التفاهمات السياسية بين القيادتين".

وتصل الاستثمارات السعودية في مصر إلى نحو 26 مليار دولار، تقوم بها نحو 8 آلاف شركة، وذلك مقابل 4 مليارات دولار هي قيمة الاستثمارات المصرية بالسعودية، بحسب تقدير الهيئة العامة للتجارة الخارجية بالسعودية 9 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.

وزاد حجم التبادل التجاري بين البلدين بشكل لافت ليصل بالنصف الأول من العام الجاري لحوالي 8 مليارات دولار، في ارتفاع بنسبة 41 بالمئة، مقارنة بـالنصف الأول من العام الماضي.

ويعد مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية البالغة قدرته 3000 ميغاواط، ومن المقرر أن يبدأ تشغيل مرحلته الأولى قبل منتصف 2025، من أهم المشروعات.

"خطوة جديدة"
لكن زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي التي امتدت 3 أيام إلى الرياض (14- 16 أيلول/ سبتمبر الماضي) والتقى خلالها ابن سلمان، وكبار المسؤولين السعوديين ورجال الأعمال ورؤساء مجالس كبرى الشركات بالمملكة، يبدو أنها كانت خطوة جديدة نحو توسع أكبر للاستثمارات السعودية بمصر.

وفي 16 أيلول/ سبتمبر الماضي، وجه ابن سلمان، صندوق الاستثمارات العامة السعودي لضخ 5 مليارات دولار استثمارات في مصر كمرحلة أولى، وذلك بعد توقيع مدبولي اتفاقية حماية الاستثمارات السعودية في مصر، والتعهد بحل مشاكل المستثمرين السعوديين.

ويضع صندوق الاستثمارات السعودي عينه على "رأس جميلة" النقطة الاستراتيجية التي تمثل امتداد مدينة شرم الشيخ جنوب سيناء، بمساحة (نحو 860 ألف متر)، وتطل على جزيرتي "تيران وصنافير" التي تنازلت عنهما مصر للسعودية عام 2016.

وهي قريبة من مشروع "نيوم" السعودي السياحي، ومن الموقع الذي سيقام فيه "جسر الملك سلمان" عبر البحر الأحمر، فيما أثيرت التكهنات حول قيمة الصفقة التي لم يتم الإعلان عنها رسميا وأنها تبلغ 15 مليار دولار.

"الإمارات والكويت"
من المتوقع أيضا، دخول الرياض بقوة سوق الطروحات المصرية الجديدة خاصة بعد إعلان رئيس وزرائها مدبولي، في 26 أيلول/ سبتمبر الماضي عن طرح 5 مناطق سياحية بساحل البحر الأحمر على المستثمرين لإنشاء مدن تنموية متكاملة تضم مطارا وميناء للسياحة الدولية، على غرار صفقة "رأس الحكمة".

ومن بين المناطق الخمس التي أعلن عنها مدبولي، تم تسمية شبه جزيرة "رأس بناس" الممتدة حوالي 50 كيلومترا داخل البحر الأحمر، والمواجهة لميناء ينبع السعودي الهام بالجانب الشرقي للبحر الأحمر.

الأمر الذي يشير لاحتمالات أن تنافس الرياض بقوة على الصفقة التي قد تهتم بها أيضا، الإمارات في ظل سعيها للسيطرة والاستحواذ والتعاقد لإدارة موانئ بالبحر الأحمر، وكذلك الكويت خاصة وأن شركات "مجموعة الغانم" الكويتية، تقوم ومنذ 24 آب/ أغسطس الماضي، بأعمال تطوير ميناء "برنيس" البحري قرب "رأس بناس".

وتأتي زيارة ابن سلمان أيضا، في ظل توجه كويتي جديد للدخول في حلبة المنافسة على الأصول المصرية، بحسب ما ذكرته جريدة المال في 13 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، عن مصادر لم تسمها.

المصادر، أكدت على رغبة كويتية في تحويل ودائعها لدى البنك المركزي المصري البالغة 4 مليارات دولار إلى استثمارات، مشيرة لتطلع صندوق الثروة السيادي الكويتي إلى الاستثمار في مصر.

كما تأتي زيارة ابن سلمان الخاطفة للقاهرة بعد ساعات من إعلان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الثلاثاء، عن "أخبار مهمة" تتعلق بطرح مطارات وبنوك مصرية، وذلك في الوقت الذي قدمت فيه "مؤسسة التمويل الدولية" دراسة فنية لحكومة القاهرة بشأن تسليم إدارة 20 مطارا مصريا للقطاع الخاص والشركات الأجنبية.

"نتائج آنية"
وبين استقبال حافل في مطار القاهرة، وقصر الاتحادية، وتوديع حميم للضيف السعودي، جرى تشكيل مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي في حضور السيسي، وابن سلمان، وبرئاستهما، بجانب توقيع اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، والتي يتبعها تدفق 10 مليارات دولار استثمارات سعودية لمصر في 3 سنوات، وفقا لتصريحات سعودية سابقة.

وتسعى الرياض للاستثمار في قطاعات الصناعة، والسياحة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، واللوجستيات، والطاقة الخضراء، وفق تصريحات من الجانبين.

وفي أول رد فعل اقتصادي على زيارة ابن سلمان للقاهرة، ارتفعت سندات مصر السيادية المقومة بالدولار الثلاثاء، إذ حققت السندات طويلة الأجل أكبر مكاسب، حيث ارتفعت سندات استحقاق عام 2059 بمقدار 1.71 سنت، لتصل إلى 77.78 سنتا للدولار، بحسب بيانات "تريدويب".

ولكن وبرغم حالة التفاؤل الكبيرة مع زيارة ابن سلمان، وارتفاع السندات المصرية، إلا أن سياسيين وخبراء ومراقبين مصريين يتخوفون من مواصلة حكومة بلادهم بيع الأصول العامة وطرح المطارات والموانئ، والمناطق السياحية وتلك الاستراتيجية الهامة على السواحل المصرية، مؤكدين أن معالجة أزمات الديون الخارجية وشح الدولار وانخفاض قيمة الجنيه المصري ليس ببيع الأصول.

"مغزى سياسي"
وفي قراءته لدلالات زيارة ابن سلمان لمصر بعد انقطاع دام عامين كاملين، وبعد حديث سابق عن تراجع في العلاقات المصرية السعودية، قطعته زيارة رئيس الوزراء المصري الشهر الماضي، يرى السياسي المصري مجدي حمدان موسى، أن "الزيارة سياسية في المقام الأول".

القيادي بحزب "المحافظين"، والحركة المدنية الديمقراطية، قال لـ"عربي21": "من وجهة نظري أرى أن الزيارة سياسية وليست اقتصادية، لأنه لم يصدر أي بيان من الجانبين سوى أنه حدث تشاور".

وأكد أن "هذا الأمر يتم في إطار التعديات الصهيونية الأخيرة على إيران ولبنان، وفي ظل علاقة السعودية السيئة بإسرائيل الآن؛ بعد التمادي الصهيوني".

ويعتقد أن "السعودية تعمل على تجميع رأي عربي موحد؛ إزاء التطورات الأخيرة، وتحسبا لما سيسفر عنه الرد الإسرائيلي المتوقع على الهجمات الصاروخية الإيرانية".

ونفى موسى، ما يثار عن احتمالات أن تشعل الزيارة التي تأتي بعد أيام من زيارة رئيس الإمارات محمد بن زايد لمصر حلبة التنافس الخليجي (الإمارات السعودية الكويت) على الأصول المصرية.

وختم بالقول: "لو كان هناك إعلان اقتصادي عن استثمارات أو شراء أو شراكة؛ بالتأكيد كان سيسفر ذلك عن تكالب خليجي للشراء أو الشراكة، لكن هذا لم يحدث".

"محاولة إنقاذ"
وفي رؤيته، يعتقد السياسي المصري سمير عليش، أن زيارة ابن سلمان لمصر الآن محاولة لإنقاذ وبعث جديد وإطالة أمد نظام السيسي في ظل الأزمات الاقتصادية والإقليمية.

عضو مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية المصرية، في حديثه لـ"عربي21"، قال إن "النظام المصري في وضع صعب جدا؛ ومطلوب إنقاذه واستمراره في سياساته الخارجية، خاصة من أمريكا وإسرائيل والخليج العربي".

وأوضح أن ذلك بسبب 3 أزمات أولها: "الأوضاع المالية والاقتصادية المصرية المتدهورة، والمنعكسة سلبا وبشدة على عموم الشعب المصري، وبالتالي على ثقته في النظام السياسي الذي يتزايد بطشه عليهم".

وأشار ثانيا، إلى أزمة "عدم رضاء الشعب عن استمرار العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، مع استمرار عدوانها البشع على فلسطين ولبنان، فضلا على مصر نفسها، عبر رفض تل أبيب التراجع عن احتلال محور (صلاح الدين)".

عليش، لفت ثالثا، إلى أزمة "تزايد المشاعر السلبية لدى الشعب المصري، مع زيادة الاستثمارات الإماراتية بسبب علاقاتها الحميمية مع إسرائيل، وانعكاس ذلك على النظام المصري".

"البيع عنوان المرحلة لكعكة شهية"
وفي قراءته لما يمكن أن تحمله زيارة ابن سلمان لمصر من استثمارات، وما يضع ابن سلمان عينه عليه من الأصول المصرية، قال الخبير الاقتصادي المصري والمستشار الأممي السابق الدكتور إبراهيم نوار، إن "عنوان المرحلة الحالية في مصر هو بيع الأصول، بعد أن أرهقت الحكومة البلد والشعب بالديون".

نوار، وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف أن "الحكومة أنشأت وضعا لا يتحمله الاقتصاد حتى تبرر البيوع على الأشهاد"، متوقعا أن "تتضمن عملية البيع أصولا عينية قائمة فعلا، وأراضي خالية يحصل عليها المستثمر لتصبح تحت ولايته".

وأكد أن "هذا شكل جديد من أشكال السيطرة، يبني فيها المستثمر ما يشاء لنفسه"، موضحا أن "هذه المشروعات يكون طرفاها بائع يبيع أصوله، ومشتر يضيف إلى الأصول المملوكة له، سواء كانت تلك الأصول عقارات سكنية أو مولات تجارية أو فنادق سياحية أو مطارات أو موانئ أو حتى كليات وجامعات".

وخلص للقول إن "بيع الأصول من جانب مصر في إطار ما يسمى (الطروحات) ليس استثمارا، وإنما هو تخلص واقتطاع من استثمارات منتجة قائمة أو محتملة".

ومضى يبين أن "زيارة ابن سلمان، إلى مصر تأتي في إطار مخطط أوسع من مصر، يتعلق بإعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط استعدادا لمرحلة ما بعد حرب غزة".

وأكد أن "نيوم، ورأس جميلة، والعقبة، وبئر السبع، وإيلات؛ ستكون إقليما جديدا لإعادة توجيه الأنشطة الاقتصادية، بما ينشئ منطقة واسعة للتعاون الإقليمي بين إسرائيل ومصر والسعودية والأردن".

وفي إجابته على السؤال: هل تشعل الزيارة حلبة التنافس الخليجي (الإمارات السعودية الكويت) على الأصول المصرية، ما يزيد قيمتها ورواجها، أم أنه جرى تقسيم الممتلكات المصرية والكل يعرف نصيبه؟، قال الخبير المصري: "مصر كعكة شهية مطروحة على المائدة لمن يشتري".

"الزيارة التاسعة"
وتعد زيارة ابن سلمان لمصر رسميا هي التاسعة له بمناصب متعددة، حيث كانت الأولى في نيسان/ أبريل 2015، كوزير للدفاع السعودي ورئيس للديوان الملكي.

الزيارة الثانية جاءت بعد 3 شهور في تموز/ يوليو 2015، كولي لولي العهد ووزير الدفاع، ليجري الزيارة الثالثة في نهاية العام في كانون الأول/ ديسمبر، لتسجل الزيارة الرابعة له للقاهرة في نيسان/ أبريل 2016، بنفس المنصب.

ليقوم ابن سلمان بأول زيارة كولي للعهد السعودي إلى مصر في آذار/ مارس 2018، ثم في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، و11 حزيران/ يونيو 2021، و20 حزيران/ يونيو 2022.