مقالات مختارة

أبو عبيدة ينصح وهم لا يستمعون

منصة "إكس"
من بين الانتصارات الكبرى، التي حققتها المقاومة الفلسطينية، في أكثر من سنة من مواجهة قوى الشرّ العالمية، بغربها النازي وعُربها الناسي، هو ما تحقق في المجال الإعلامي، بخير الكلام ما دلّ، برغم قلته.

وستبقى إطلالة أبي عبيدة في القلب، عدة سنوات، وستذكرها الأجيال بعد أن خيّبتهم الإطلالات العربية البائسة المعجونة بالكذب في زمن الهزائم والاستسلام، من وزير الإعلام المصري أمين هويدي الذي كان يصوّر هزيمة الجيوش العربية في 1967 بـ”الانتصار العظيم”، إلى زمن وزير الإعلام العراقي الأسبق محمد السعيد الصحاف، الذي كان يصوّر لنا سقوط “العُلوج” في فخ الجيش العراقي في سنة 2003، فحوّلا الهزيمة في الميدان إلى انهيار معنوي، جعلنا نقتنع بأن العرب لا يفلحون سوى في الكذب.

أكيد أن أبا عبيدة على اسم أمين الأمة الخالد، هو ناطق باسم فصائل مقاومة، لكن إطلالته هي في حدّ ذاتها انتصار، وكما كان الصهاينة يأخذون جزءا كبيرا من معلوماتهم في حرب تموز 2006 من قناة “المنار” اللبنانية، لمصداقيتها وابتعادها عن العنترية، فهم الآن يأخذون معلوماتهم، من أبي عبيدة، بسبب مصداقية خطابه وثباته، ويكفيهم في ذلك أن وسائل الإعلام الصهيونية تخبرهم كلما طال اختفاء أبي عبيدة، بأنه قد قُتل في غارات جيشهم النازي.

أروع ما قاله الناطق باسم فصائل “القسام” المجاهدة، وكرّره عدة مرات، هو أن  القائد في الحركات الجهادية، ليس سوى جندي في سبيل الله والحقّ، يقود الجيش بعض الوقت وليس هو خيرهم، لأجل ذلك كلما قتل الأعداء قائدا، برز قادة آخرون أشد بأسا من الشهيد القائد.

وفي المقاومة نفسها خير دليل، من الشهيد الشيخ أحمد ياسين إلى الدكتور الرنتيسي وإسماعيل هنية، ووصولا إلى قيادة يحيى السنوار، تماما كما حدث في آخر غزوات الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما قاد زيد بن حارثة أول غزوة إسلامية خارج حدود مكة والمدينة، فقتل الروم زيدا، فخلفه جعفر بن عبد المطلب، فقتلوه أيضا، فحمل راية المسلمين عبد الله بن أبي رواحة، فارتقى مع الشهداء، وكان في كل قتل لقائد، ترتفع أصوات الانتصار لدى الروم وحلفائهم الغساسنة، إلى أن قاد المسلمين ولأول مرة، خالد بن الوليد، الذي قام بانسحاب تكتيكي، ولكنه عاد إلى الروم فانتصر عليهم في اليرموك، وفتح بلاد الشام، وما أنجى الرومَ قتلهم ثلاثةَ قادة من أطهر أبناء فجر الإسلام وأشجعهم وأكفئهم وأخلصهم.

كل من يقرأ السيرة الذاتية لإسماعيل هنية أو حسن نصر الله، أو يشاهد فيديوهاتهما القديمة، وكلاهما فقد من فقد من أبناء وأقارب وخلّان في معركتهما أمام العدو الصهيوني، يلمس اطمئنانهما على المستقبل وعدم حرصهما على الحياة، لأجل ذلك لا يشكل دم القائد في كل معارك التاريخ أكثر من غيث، يسقي جنان الحرية، وهو ما آمن به الشعب الفلسطيني في صورة أبناء غزة، الذين صاروا مع مرور الأيام وارتفاع عدد الشهداء، على يقين بأن زمن الفرج، قرُب، كما قال أبو عبيدة.. ولكنهم لا يسمعون.

الشروق الجزائرية