صحافة دولية

أكثر من مليار شخص توجهوا لصناديق الاقتراع في 2024.. هل فازت الديمقراطية؟

ينتظر العالم خلال أسابيع الانتخابات الأمريكية - جيتي
نشرت مجلة "الإيكونوميست" تقريرًا تناولت فيه الانتخابات التي شهدها العالم في سنة 2024؛ حيث جرت انتخابات في أكثر من 67 دولة حتى الآن، صوت خلالها أكثر من مليار شخص، ما يعكس تفاعل المواطنين مع الديمقراطية رغم التحديات.

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الديمقراطية ستواجه أهم اختبار لها هذه السنة بعد أقل من شهر، عندما يذهب الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم القادم، معتبرة ما يحدث في أمريكا ــ القوة العظمى التي تجسد الحرية لكثير من الناس ــ قد يؤثر على تصورات صحة الديمقراطيات في مختلف أنحاء العالم. 

وأضافت المجلة أن النتيجة الفوضوية أو العنيفة من شأنها أن تلهم المستبدين في كل مكان وتقوض الإيمان بمبدأ الحكم من قِبَل الشعب. وعلى العكس من ذلك؛ فإن الانتخابات التي تدار بشكل جيد ويعترف فيها الخاسر بالهزيمة بكل سهولة من شأنها أن تعزز براعم التعافي الديمقراطي الواضحة في بعض البلدان في سنة أجريت بها أكثر عدد من الانتخابات في التاريخ. 

وذكرت المجلة أن 67 دولة يبلغ عدد سكانها الإجمالي نحو 3.4 مليارات نسمة قد أجرت بالفعل انتخابات وطنية هذه السنة، بالإضافة إلى بعض الدول الأخرى، والتي يبلغ عدد سكانها 440 مليون نسمة، حيث ستسمح لمواطنيها بإبداء آرائهم قبل نهاية سنة 2024. 



وأشارت المجلة إلى الاقتراح الذي طرحته في بداية السنة، والذي قالت فيه إن "التصويت العشوائي" هذا سيكون "اختبارًا كبيرًا للأعصاب"، فبعد كل شيء، وعلى مدى العقدين الماضيين، تراجعت الحريات - مثل تلك الخاصة بالناخبين والصحافة والأقليات - في عدد أكبر من البلدان مقارنة بالدول التي زادت فيها خلال كل من السنوات الثماني عشرة الماضية، وفقًا لمنظمة فريدوم هاوس، وهي مؤسسة بحثية أمريكية. ويعيش واحد من كل ثلاثة أشخاص يصوتون في سنة 2024 في بلد تدهورت فيه جودة الانتخابات بشكل ملحوظ في السنوات الخمس الماضية.

وبينت المجلة أن الديمقراطية قد أثبتت - وذلك بالنظر إلى ما يقرب من 90 بالمائة من الأصوات في جميع أنحاء العالم تم الإدلاء بها وفرزها - أنها مرنة بشكل معقول في حوالي 42 دولة كانت انتخاباتها حرة، مع إقبال قوي للناخبين، وتلاعب محدود بالانتخابات وغياب العنف، ودليل على ترويض الحكومات القائمة. ومع ذلك؛ هناك دلائل على وجود مخاطر جديدة، بما في ذلك صعود جيل جديد من المستبدين المبتكرين والمتمرسين في مجال التكنولوجيا، وتشتيت الناخبين ومحاولة القادة المستقيلين الحكم من وراء الكواليس.

وأفادت المجلة أن هناك العديد من الأخبار الجيدة مثل ارتفاع نسبة المشاركة في التصويت لأول مرة منذ عقدين من الزمن، استنادًا إلى المتوسط لجميع البلدان التي أجرت انتخابات، مما يشير إلى مشاركة المواطنين في العملية السياسية. وبين الأماكن التي صنفتها "وحدة استخبارات الإيكونوميست" على أنها "ديمقراطيات كاملة"، ظلت نسبة المشاركة ثابتة، بينما ارتفعت بشكل حاد في "الديمقراطيات المعيبة" بنسبة ثلاث نقاط مئوية. وقد زادت نسبة المشاركة في العديد من البلدان بما في ذلك فرنسا وإندونيسيا وكوريا الجنوبية والمكسيك، وحتى في أكثر الانتخابات الكئيبة في العالم، وهي الانتخابات البرلمانية الأوروبية، والتي شهدت أعلى نسبة مشاركة منذ سنة 2004.

والسبب الثاني للتفاؤل هو أن الجهود الرامية إلى تقويض الانتخابات غالبًا ما باءت بالفشل. فمع حلول سنة 2024؛ يشعر العديد من المراقبين بالقلق من أن حملات التضليل التي تغذيها وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي قد تخدع الناخبين. ويبدو أن التخريب من قبل الدول المعادية له تأثير محدود. ففي تايوان؛ اختار الناخبون وليام لاي تشينغ-تي ليكون رئيسًا، على الرغم من الترهيب الصيني. وكانت مولدوفا مشغولة بالتصدي للتخريب الروسي قبل الشهر المقبل عندما تجري انتخابات رئاسية واستفتاء على ما إذا كانت ستدرج هدف عضوية الاتحاد الأوروبي في دستورها. وقد ضبطت الأسبوع الماضي عملية احتيال روسية لشراء الأصوات بقيمة 15 مليون دولار أمريكي.

وأضافت المجلة أن المؤسسات المستقلة غالبًا ما وقفت دفاعًا عن القيم الليبرالية. وفي السنغال، رفضت المحكمة العليا في البلاد طموحات رجل قوي للحكم إلى أجل غير مسمى، وتصلبت أعصابها بسبب المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في الشوارع. وبعد إجراء الاقتراع في نهاية المطاف؛ اختار الناخبون باسيرو ديوماي فاي أصغر زعيم منتخب ديمقراطيًا في أفريقيا. وفي أغلب الأماكن أصبحت الانتخابات أكثر سلمية؛ حيث انخفض العنف المرتبط بالانتخابات مقارنة بالانتخابات السابقة في المتوسط عبر عينة من 27 دولة تتوفر بيانات عنها، وفقًا لتحليل البيانات الذي أجرته مجلة الإيكونوميست.



أما السبب الثالث للتفاؤل فيتمثل في أن الناخبين أخضعوا القادة للمساءلة إما بإقالتهم من مناصبهم أو بإلغاء أغلبيتهم البرلمانية. فقد كان هناك تأرجح ضد شاغلي المناصب في أكثر من نصف الانتخابات الديمقراطية التي أجريت حتى الآن هذه السنة (باستثناء انتخابات البرلمان الأوروبي). ففي بريطانيا، فاز حزب العمال المعارض بأكبر أغلبية من المقاعد البرلمانية منذ سنة 1997. وفي كوريا الجنوبية، تلقى حزب سلطة الشعب الحالي هزيمة ساحقة في نيسان/ أبريل وسط مزاعم بالفساد.

وفي العديد من الاقتصادات الناشئة الضخمة التي كانت صحة الديمقراطية فيها موضع تساؤل، تم توبيخ شاغلي المناصب بشكل قاطع من قبل الناخبين. فقد جرد الناخبون في جنوب أفريقيا، الذين ضاقوا ذرعًا بالفساد وعدم الكفاءة، المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم من أغلبيته البرلمانية للمرة الأولى منذ نهاية الفصل العنصري في سنة 1994، مما أجبر الحزب الذي كان يتمتع بالقوة الكاملة على تشكيل ائتلاف للبقاء في الحكومة. أما ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند القوي، فقد خسر أغلبيته البرلمانية في حزيران/ يونيو على الرغم من حصوله على دعم وسائل الإعلام المرنة ونشره للقومية الهندوسية. ويجب عليه الآن أيضًا أن يحكم من خلال ائتلاف.

موسكو تحكم

وحتى مع انتصار الديمقراطية في بعض النواحي، تلوح في الأفق مخاطر مألوفة وأخرى جديدة. فالديكتاتوريون القدامى منعوا أو زوروا الانتخابات في بعض البلدان، فقد أجلت المجالس العسكرية في بوركينا فاسو ومالي الانتخابات - والانتقال إلى الحكم المدني - التي كان من المقرر إجراؤها هذه السنة إلى أجل غير مسمى.

وأشارت المجلة إلى أن هناك أنظمة أخرى نظمت انتخابات صورية. ففي خضم الحرب التي أدت إلى مقتل أو إصابة 500 ألف روسي، فاز فلاديمير بوتين بنسبة 88 بالمائة فقط من الأصوات في الانتخابات التي جرت في آذار/ مارس، وهو أكبر منتصر في روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي. وكان قد عبر بوتين عن أسفه لوفاة خصمه السياسي، أليكسي نافالني، في السجن قبل التصويت. أما بول كاغامي، الذي تولى زمام الأمور في رواندا منذ سنة 1994، فقد فاز بنسبة 99 بالمائة من الأصوات في انتخابات رئاسية مزورة في تموز/ يوليو.

ووصفت المجلة ما حدث في الجزائر بالمهزلة الوقحة للغاية؛ حيث فوجئ عبد المجيد تبون، الرئيس الحالي، نفسه بفوزه بنسبة 95 بالمائة من الأصوات، مما دفعه لإصدار بيان مشترك مع معارضيه يتهم فيه هيئة الانتخابات بـ"عدم الدقة والتناقضات والغموض". وفي فنزويلا، قام الديكتاتور الحاكم نيكولاس مادورو بتزوير نتائج الانتخابات وأجبر منافسه على الفرار في وقت لاحق.

وأضافت المجلة أن تعبئة بطاقات الاقتراع في الانتخابات المزورة يعني أن نسبة المشاركة الرسمية في بعض الأنظمة الاستبدادية قد ارتفعت. ومن المثير للاهتمام أنه في الأنظمة التي تصنفها "وحدة استخبارات الإيكونوميست" على أنها "هجينة" (التي تقع في مكان ما بين الديمقراطيات المعيبة والديكتاتوريات الصريحة) انخفضت نسبة المشاركة بشكل حاد، بمعدل أربع نقاط مئوية. وهذا يشير إلى أن الناخبين يشعرون بخيبة أمل. ففي بنغلاديش، على سبيل المثال، بلغت نسبة المشاركة التافهة 42 بالمائة من الأصوات، وهو ما يرقى في الواقع إلى تصويت بحجب الثقة عن الشيخة حسينة، الحاكمة التي حكمت البلاد لفترة طويلة والتي اضطرت فيما بعد إلى الفرار من البلاد في آب/ أغسطس بعد الاحتجاجات.

وأفادت المجلة بأن هناك أيضًا علامات أخرى على تهديدات جديدة للديمقراطية، أحدها هو محاولات الرؤساء الذين تركوا مناصبهم للسيطرة على من يخلفهم. فقد أجرت إندونيسيا انتخابات حرة في شباط/ فبراير، ومن المقرر أن يترك الرئيس جوكو ويدودو منصبه في تشرين الأول/ أكتوبر (على الرغم من التكهنات بأنه يريد أن يحكم إلى ما بعد انتهاء فترة ولايته). ولكن هناك دلائل على أنه يريد أن يمارس نفوذه على الإدارة القادمة من خلال ابنه، الذي انتخب نائبًا للرئيس، ونفوذه على الأحزاب المهيمنة في إندونيسيا. وفي المكسيك، فازت كلوديا شينباوم في انتخابات حرة، وهي ربيبة الرئيس القوي المنتهية ولايته أندريس مانويل لوبيز أوبرادور. ومع ذلك، يشتبه العديد من المكسيكيين في أنه قد يحاول ممارسة السلطة من وراء الكواليس لأنه قوض استقلال القضاء قبل أسابيع فقط من موعد مغادرته منصبه في تشرين الأول/ أكتوبر، ولا يزال يتمتع بنفوذ كبير على كتلة حزبه في الكونغرس.

كما أن المبتكرين الاستبداديين في ازدياد: فالشعبويون يمتلكون قواعد جماهيرية واسعة؛ حيث توصل حاكم السلفادور ناييب بوكيلي إلى معادلة جديدة للنجاح الانتخابي في أمريكا اللاتينية، والتي تستخدم الدهاء في وسائل التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى السجن الجماعي لرجال العصابات. وهو يتمتع بشعبية حقيقية، حيث أكسبته حملته القمعية الصارمة والفعالة في الوقت نفسه 85 بالمائة من الأصوات في شباط/ فبراير، ونتيجة لذلك قام بتخريب الدستور، متجاوزًا حدود الفترة الرئاسية، وتقويض سلطة المحكمة العليا من خلال تعيين سكرتيره كرئيس مؤقت لها.

قارة قديمة ومشاكل جديدة

والقلق الأخير المتزايد هو انقسام الأحزاب وأنماط التصويت في أوروبا، والذي أصبح النمط السائد في القارة. بينما يُعتبر تعبيرًا حرًا وعادلاً عن النية الديمقراطية، إلا أنه يجعل مهمة الحكم أكثر صعوبة. فالائتلاف الحاكم غير العملي في ألمانيا تعصف به الصراعات الداخلية.



وفي فرنسا، استغرق الأمر أكثر من شهرين لتشكيل حكومة فعالة بعد انتخابات برلمانية مستقطبة في تموز/ يوليو شهدت زيادة دعم أحزاب اليمين المتشدد واليسار المتشدد على حساب الوسط. وفي هولندا، اضطر أحد التكنوقراط إلى أداء اليمين الدستورية كرئيس للوزراء في تموز/ يوليو لأن الأحزاب الحاكمة لم تتمكن من الاتفاق على من سيقود حكومتهم. وفي المقابل، قد يؤدي الأداء الضعيف للحكومات الائتلافية إلى تأجيج سخرية الناخبين وتعزيز الدعم للأحزاب المعارضة والدخيلة. ففي ألمانيا، ارتفع دعم اليمين المتشدد واليسار المتشدد في انتخابات ثلاث ولايات في أيلول/ سبتمبر.

واختتمت المجلة تقريرها مبينة أن الديمقراطية تمكنت تقريبًا من اجتياز الاختبار الكبير الذي ستواجهه في سنة 2024. ومن شأن الانتقال السلمي والقانوني للسلطة في أمريكا أن يعزز الثقة عالميًا في القدرة المستدامة للحرية السياسية، وهو أمر غير مضمون حتى الآن.