صحافة دولية

كيف صمد الاقتصاد الروسي في وجه العقوبات والتضخم ونقص العمالة؟

يمكن شراء المنتجات الغربية التي يشملها حظر التصدير إلى روسيا من دول ثالثة- جيتي
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا اعتبرت فيه أن الاقتصاد الروسي استطاع الصمود رغم العقوبات الغربية منذ بدء الحرب في أوكرانيا، حيث سجل نموا بنسبة 4 بالمئة خلال الربع الثاني من السنة الحالية. 

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الاقتصاد الروسي الذي يعاني من عقوبات غربية منذ شباط/ فبراير 2022، تأقلم مع الوضع من خلال الاعتماد بشكل أكبر على الإنفاق الحكومي والصناعات الحربية، لكنه يعاني من معوقات هيكلية ومن نقص العمالة والتضخم.

واعتبرت الصحيفة أن التطور السريع لشبكة النقل العام في موسكو تعدّ مثالا معبّرا على مفارقة صمود الاقتصاد الروسي رغم العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والتي حدّت من قدرات روسيا المالية وخفضت وارداتها من التقنيات الغربية، بما في ذلك في مجال النقل. 

ففي يوم السبت السابع من أيلول/ سبتمبر، افتتحت العاصمة خط المترو السادس عشر، وهو خط حديث ومتطور للغاية، دشنه الرئيس فلاديمير بوتين بنفسه، وكرر من خلاله رسالة مفادها: روسيا تواصل تطورها؛ والعقوبات الغربية فاشلة.

ويوضح أحد الأوروبيين العاملين في تحديث البنى التحتية في موسكو أن "ميزانية البلدية لا تتأثر بالعقوبات. من المؤكد أن هناك في بعض الأحيان مشاكل لوجستية وتأخيرا وتكاليف أعلى. لكن المعدات المستوردة تصل دائما إلى هنا، غربية، والآن نسبة منها صينية". 

وأضافت الصحيفة أن قطاعي البناء والنقل يشهدان جهودا للالتفاف على العقوبات الغربية من خلال الاستعانة بالواردات من "دول صديقة"، مثل جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق أو الصين أو تركيا أو الهند. 

هناك أيضا مثال آخر للتحايل على الحظر الغربي على الديزل الروسي، حيث لجأت موسكو إلى أحد حلفائها الرئيسيين في البحر الأبيض المتوسط، وهو المغرب، حيث يتم نقل شحنات الديزل إلى هناك قبل تصديرها إلى أوروبا.

زيادة الضرائب
تتابع الصحيفة أن القطاعات اللوجستية لم تنج بدورها من العقوبات الغربية، لكن العديد من المواد التي كانت تستوردها المصانع الروسية من أوروبا منذ أكثر من عشر سنوات تم استبدالها ببضائع جديدة، وخاصة من بيلاروسيا. 

كما يمكن شراء المنتجات الغربية التي يشملها حظر التصدير إلى روسيا من "دول ثالثة"، مثل تركيا أو الصين. وفي نهاية المطاف، وجدت المصانع البدائل المطلوبة والمساعدة من الحكومة، وأظهرت بعض القطاعات علامات انتعاش مفاجئة.

وقد تكيف قطاع صناعة السيارات مع العقوبات الأوروبية، حيث تم استبدال الواردات الغربية، كما زادت الاستثمارات في القطاع مستفيدا من المساعدات الحكومية الكبيرة.

لكن ذلك له تكلفة على الميزانية الحكومية، وبناء على أوامر من الكرملين، تواصل وزارة المالية زيادة الضرائب على الشركات والأفراد على حد سواء. 

ومن المتوقع أن يؤثر ذلك على الطبقات المتوسطة والعليا، حيث يبلغ معدل الأداء الضريبي حاليا 13 بالمئة من الدخل السنوي، في انتظار ارتفاعه إلى 15 بالمئة، 18 بالمئة، 20 بالمئة، أو حتى 22 بالمئة.

وتضيف الصحيفة أنه من المفترض أن تجلب الزيادات الضريبية ما يقرب من 2600 مليار روبل إضافية إلى موارد الميزانية، وهذا يكفي لتغطية الوعود الانتخابية التي قطعها فلاديمير بوتين، وتمويل الحرب المستمرة على أوكرانيا.

وهذا يفسر إلى حد كبير -وفقا للصحيفة- مرونة الاقتصاد الروسي في مواجهة العقوبات، بعد انكماش الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2022، والسيناريوهات الكارثية التي توقعتها الدول الغربية، حيث سجلت روسيا نموا بنسبة 4 بالمئة في الربع الثاني من السنة الحالية.

ومع ذلك، تؤكد الصحيفة أن الاقتصاد الروسي ما زال يعاني من معوقاته الهيكلية القديمة، أدى الالتفاف على العقوبات النفطية إلى زيادة الاعتماد على الهيدروكربونات، وانخفضت قيمة الروبل بشكل كبير.

الإنفاق الدفاعي المتزايد 
توضح الصحيفة أن العامل الأقوى الذي يعزز النمو الاقتصادي في روسيا هو قطاع الصناعات العسكرية، على خلفية الإنفاق المتزايد بسبب الحرب في أوكرانيا، حيث أصبح الإنفاق الدفاعي يمثل الآن 30 بالمئة من الإنفاق على المستوى الفيدرالي، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ روسيا الحديث. 

ووفقا لـ "بلومبرغ"، من المتوقع أن ترتفع النفقات العسكرية إلى 40 بالمئة من إجمالي الإنفاق الحكومي بحلول سنة 2025، وهو ما سيشكل 6.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي ظل هذا الاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة بشكل متزايد وتوجهه نحو تمويل الحرب، تلقت العديد من المصانع التي كانت تصنع منتجات مدنية أوامر بتقديم إمدادات للمجمع العسكري الصناعي.

بالنتيجة -تضيف لوموند- أصبحت العديد من القطاعات الصناعية في روسيا تشكو من نقص العمالة، كما تجاوزت نسبة التضخم عتبة 9 بالمئة، أي أكبر من ضعف النسبة التي تطمح لها الحكومة.

وفي ظل هذه الظروف، اضطر البنك المركزي يوم الجمعة 13 أيلول/ سبتمبر، إلى رفع سعر الفائدة الرئيسي مرة أخرى من 18 بالمئة إلى 19 بالمئة. وحذرت محافظة البنك المركزي الروسي إلفيرا من سيناريو جديد لـ "الركود التضخمي".

ولعبت نابيولينا المعروفة بتوجهاتها الليبرالية، دورا رئيسيا في إبقاء الاقتصاد الروسي على قدميه حتى الآن، لكنها تحذر من أن "النقص في العمالة يمكن أن يؤدي إلى وضع يتباطأ فيه النمو الاقتصادي، على الرغم من كل الجهود المبذولة لتحفيز الطلب، وحيث تؤدي كل هذه المحفزات إلى تسريع التضخم". 

وتختم لوموند بأن هذا الركود التضخمي، مع ارتفاع الأسعار وتباطؤ النمو، يمكن أن يتبعه ركود حقيقي للاقتصاد الروسي، وهو تأثير محتمل على المدى البعيد للعقوبات الغربية.