شدد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الثلاثاء، على أن حجم الفظائع غير المسبوق الذي ارتكبه
الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه المستمر على قطاع
غزة "لا يمكن تبريره"، مؤكدا رفض بلاده لما "يروج" له ممن أسماهم بـ"المتطرفين" حول فكرة الأردن كـ"وطن بديل" للفلسطينيين.
وقال الملك الأردني في كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية لاجتماعات الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، "خلال ربع القرن الماضي، لطالما وقفت على هذا المنبر والصراعات الإقليمية والاضطرابات العالمية والأزمات الإنسانية التي تعصف بمجتمعنا الدولي وتختبره".
وأضاف: "غالبا لم تمر لحظة على عالمنا دون اضطرابات، إلا أنني لا أذكر وقتا أخطر مما نمر به الآن".
ولليوم الـ354 على التوالي، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب المجازر المروعة بحق
الفلسطينيين، في إطار حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على أهالي قطاع غزة، مستهدفا المنازل المأهولة والطواقم الطبية والصحفية.
وارتفعت حصيلة ضحايا العدوان المتواصل على قطاع غزة إلى ما يزيد على الـ41 ألف شهيد، وأكثر من 95 ألف مصاب بجروح مختلفة، إضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض، وفقا لوزارة الصحة في غزة.
وفي السياق، قال ملك الأردن: "تواجه أممنا المتحدة أزمة تضرب في صميم شرعيتها، وتهدد بانهيار الثقة العالمية والسلطة الأخلاقية"، مشيرا إلى أن "الأمم المتحدة تتعرض للهجوم، بشكل فعلي ومعنوي أيضا، فمنذ قرابة العام، وعلم الأمم المتحدة الأزرق المرفوع فوق الملاجئ والمدارس في غزة يعجز عن حماية المدنيين الأبرياء من القصف العسكري الإسرائيلي".
ويتعمد الاحتلال الإسرائيلي استهداف مراكز إيواء النازحين في قطاع غزة، بما في ذلك المدارس التابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، ما أسفر عن مجازر مروعة بحق الفلسطينيين والموظفين الأممين.
وأشار العاهل الأردني، إلى أن "شاحنات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة تقف بلا حراك، على بعد أميال فقط من فلسطينيين يتضورون جوعا، كما يتم استهداف ومهاجمة عمال الإغاثة الإنسانية الذين يحملون شعار هذه المؤسسة، ويتم تحدي قرارات محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة وتجاهل آرائها".
وشدد الملك على أنه "لا عجب أن الثقة بالمبادئ والقيم الأساسية للأمم المتحدة قد بدأت بالانهيار، سواء داخل هذه القاعة أو خارجها"، لافتا إلى أن "الواقع الأليم الذي يتجلى أمام الكثيرين هو أن بعض الشعوب هي فعليا فوق القانون الدولي، والعدالة الدولية تنصاع للقوة، وحقوق الإنسان انتقائية؛ فهي امتياز يُمنح للبعض ويُحرم البعض الآخر منه حسب الأهواء".
وأشار إلى أن العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة "تسبب بأحد أسرع معدلات الوفيات مقارنة بالصراعات الأخيرة، وأسفر عن أسرع معدلات المجاعة بسبب الحروب، وأكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف، ومستويات غير مسبوقة من الدمار".
ولفت إلى أن "الحكومة الإسرائيلية قتلت في هذه الحرب أطفالا وصحفيين وعمال إغاثة إنسانية وطواقم طبية أكثر من أي حرب في التاريخ الحديث".
وتطرق الملك الأردني إلى ترويج أصوات إسرائيلية لفكرة الأردن كـ"وطن بديل" للفلسطينيين في ظل الحرب الدموية التي يشنها الاحتلال على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، مشددا على أن "هذا لن يحدث أبدا، ولن نقبل أبدا بالتهجير القسري للفلسطينيين، فهو جريمة حرب".
وفيما يتعلق بالتصعيد الإسرائيلي الكبير ضد لبنان، أشار الملك الأردني إلى أن "التصعيد ليس من مصلحة أي دولة في المنطقة، ويتجلى ذلك بوضوح في التطورات الخطيرة في لبنان في الأيام القليلة الماضية، يجب أن يتوقف هذا التصعيد".
ومنذ صباح أمس الاثنين، شن الاحتلال الإسرائيلي مئات الغارات الجوية العنيفة وغير المسبوقة على مواقع متفرقة من جنوب لبنان، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 558 شخصا وإصابة 1835 آخرين بجروح مختلفة بينهم أطفال ونساء ومسعفون، حسب أحدث بيانات وزارة الصحة اللبنانية.
وأضاف الملك أنه "لسنوات، مد العالم العربي يده لإسرائيل عبر مبادرة السلام العربية (منذ عام 2002)، مستعدا للاعتراف التام بها وتطبيع العلاقات معها مقابل السلام".
وتابع بالقول: "إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة اختارت المواجهة ورفضت السلام، نتيجة للحصانة التي اكتسبتها عبر سنوات في غياب أي رادع لها.. وفي غياب الرادع، ازدادت هذه الحصانة شيئا فشيئا".
وشدد العاهل الأردني، على أن "الفلسطينيين تحملوا أكثر من 57 عاما من الاحتلال والظلم والاضطهاد، وخلال هذه السنوات، سُمح للحكومة الإسرائيلية بأن تتجاوز الخط الأحمر تلو الآخر".
وأشار إلى أن "وحشية الحرب على غزة أجبرت العالم على النظر عن كثب ورؤية الحقيقة، والآن بات كثيرون ينظرون إلى إسرائيل بعيون ضحاياها، وبات التناقض بين تلك الصورتين واضحا بشدة لا يمكن التغاضي عنها".
تجدر الإشارة إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تعاني من عزلة دولية على وقع تواصل جرائمها بحق المدنيين في قطاع غزة منذ تشرين الأول /أكتوبر 2023، وتتجسد هذه العزلة في العديد من الجوانب بما في ذلك إيقاف عدد من الدول تسليح "إسرائيل" وتواصل المظاهرات المناصرة لفلسطين في جميع أنحاء العالم، فضلا عن قضية الإبادة الجماعية المرفوعة ضد "تل أبيب" في محكمة العدل الدولية.