صعّد جيش
الاحتلال غاراته الجوية على جنوب
لبنان بشكل غير مسبوق، حيث استهدفت موجات قصف هي الأولى منذ بدء التصعيد في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مواقع مدنية من جنوب لبنان حتى البقاع، ما أدى إلى استشهاد 500 شخص وإصابة 1600 آخرين.
هدف الاحتلال من العملية -كما هو معلن- إبعاد
حزب الله عن
نهر الليطاني، الذي قال عنه مسؤول إسرائيلي اليوم إنه يمثل الحدود الشمالية لـ"إسرائيل".
بوادر الاجتياح
منذ نحو شهر تقريبا، تشهد حدود فلسطين المحتلة مع لبنان تحشيدا عسكريا كبيرا، كان آخره وصول الفرقة 98 التي تضم وحدات المظليين والقوات الخاصة بعد نقلها من غزة إلى الشمال.
والأسبوع الماضي، قال رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إنه "أعطى الجيش أوامر للاستعداد لتغيير الوضع في الشمال"، فيما قال وزير الحرب يوآف غالانت إن الجيش بدأ نقل ثقله نحو الشمال.
ومساء الاثنين، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي توسيع عملياته العسكرية، وقصف عدد من المواقع في العاصمة اللبنانية بيروت.
وقال إنه قصف نحو 1300 هدف مرتبط بجماعة حزب الله في جنوب لبنان ومنطقة سهل البقاع الاثنين.
من جانبه، ذكر المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري، أنه لا يستبعد دخول الجيش الإسرائيلي بريا إلى لبنان، مؤكدا أن الجيش سيفعل كل ما هو ضروري لإعادة سكان الشمال لمنازلهم.
واتهم هاغاري، خلال مؤتمر صحفي، حزب الله بتحويل جنوب لبنان إلى منطقة قتال، مشيرا إلى أن وزير الجيش يوآف غالانت أصدر أوامر لتوسيع نطاق حالة الطوارئ الخاصة.
وأضاف: "نواصل التركيز على الهجوم والدفاع في الجبهات كافة، ووصلنا لأهداف كبيرة، وأمامنا أيام مليئة بالتحديات".
بدوره، قال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، ديفيد مينسر، إن "نهر الليطاني هو حدود إسرائيل الشمالية".
وأضاف مينسر خلال مؤتمر صحفي مساء الاثنين، "أن إسرائيل تلقت أكثر من 9000 صاروخ منذ السابع من أكتوبر من قبل حزب الله، وأن 325 إسرائيليا أصيبوا وقتل 48 جرّاء قصف حزب الله، وأن مساحات شاسعة من الشمال أحرقت، وأن الشركات ونظام التعليم والمؤسسات تعطلت، ولا يوجد بلد في العالم يمكن أن يتحمل ذلك".
وتابع بأن "جميع المستوطنات في الشمال تضررت بشكل كبير من قصف حزب الله"، مبينا "أن قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واضحة في هذا الصدد، وأن على حزب الله أن يبتعد عن نهر الليطاني، الذي يعتبر حدودنا الشمالية، ونحن نفضل دائما التسوية السلمية من خلال المفاوضات، وذلك لم يؤت أكله على مدى أحد عشر شهرا، وسيسعى الاحتلال ما بوسعه بالأساليب الدبلوماسية لتأمين الحدود الشمالية".
سيناريوهات المواجهة
مع احتدام القصف واقتراب الأطراف من الحرب كما يتحدث المسؤولون الأمريكيون، فإن الحرب تبدو قادمة، وإن كانت بأشكال عدة، من بينها المعركة المفتوحة.
يقول الباحث السياسي عباس الأسدي، إن نتنياهو يريد إعادة سكان الشمال بأي ثمن، فالضغط الشعبي والخسائر باتت لا تحتملها حكومته المطاردة بالتظاهرات، لذا من المرجح أن يتجنب الحرب الشاملة عبر عملية جراحية جوية مكثفة، وقد شهدنا اليوم جزءا منها، حيث استشهد قرابة 500 لبناني.
وأضاف في حديث لـ "عربي21"، أن "هذه الحملة الجوية لا يمكن بحال من الأحوال أن تحقق أهداف نتنياهو، فالمساحة الشاسعة ليست كغزة التي فشل بها رغم صغرها مقارنة بالجنوب اللبناني، فضلا عن قدرات حزب الله العسكرية والتكتيكية الكبيرة، التي تضمر أسلحة وخططا نوعية جديدة لم تدخل العمل بعد، كما حدث بقصف حيفا بصاروخ فادي".
وأشار إلى أن "حزب الله يجيد اللعب من حيث توقيت وحجم الرد، وهذا ما شاهدناه بتدرج التصعيد في الشمال منذ السابع من أكتوبر".
وأردف: "في ظل الظروف الراهنة من جبهة مفتوحة في غزة لا معالم واضحة لنهايتها، ومع وجود قرابة 130 أسيرا لدى حماس، سيكون من الصعب على الكيان فتح جبهة برية جديدة كونه سيسبب ثورة داخل الكيان، وإن أقدم الاحتلال على الاجتياح فلن يكون بطريقة الاستيلاء والاستحواذ".
وبحسب الأسدي، فإن "حزب الله ليس كما السابق، لا سيما أن هناك جبهات ستتدخل حال اندلاع حرب مفتوحة في لبنان، وستنخرط عسكريا، حيث لا يكون الدعم جماهيريا فقط كما السابق، جنوبا هناك أنصار الله، شرقا هناك المقاومة الإسلامية في العراق، فضلا عن الجمهورية الإسلامية في إيران، وفروع جديدة كسرايا الأشتر في البحرين، ما يعني أن وضع المحور وعلى رأسه الحزب ليس كما السابق".
أثر الضربات الاستباقية
صرح هاغاري بأن الغارات على جنوب لبنان كانت هجوما استباقيا يهدف لشل قدرات حزب الله العسكرية، ويبدو هذا بنظر الكثيرين جزء من تمهيد ما قبل الاجتياح يهدف لإضعاف الحزب إلى أقصى درجة ممكنة.
وعن ذلك يقول الأسدي: "يعتقد البعض أن تفجير أجهزة البيجر واستشهاد قادة الرضوان، هو ضربة قاصمة لحزب الله، بينما الهيكل التنظيمي والإعداد الاستراتيجي للحزب وأفراده يؤكد على عدم تأثر الحزب بهذه الخسائر، فهناك شخصيات أهم من إبراهيم عقيل وفؤاد شكر، مثل عماد مغنية ومصطفى بدر الدين، لم يسبب اغتيالهم خللا بنيويا في عمل الحزب".
وأشار الأسدي إلى أن حزب الله يمتلك خريطة جغرافية أمنية للكيان بالكامل، كما شاهدنا جميعا مسيرة الهدهد والضربات النوعية خلال اليومين الماضيين.
وتابع بأن "محور المقاومة يمتلك تنظيما كبيرا، وفي حال قرر الكيان خوض غمار المعركة البرية فسيواجه أعدادا كبيرة من المقاتلين اليمنيين والعراقيين والإيرانيين والأفغان والبحرينيين ينتقلون من العراق إلى لبنان عبر سوريا، خصوصا أنهم من أصحاب الخبرة، حيث خاضوا معارك طويلة خلال السنين الماضية".
وأكد الأسدي: "من الثوابت أنه في حالة تدخل الولايات المتحدة بطريقة مباشرة فعلية، فإن مصالحها ستضرب في المنطقة، خصوصا في العراق، وهذا سيناريو الحرب الشاملة الذي يخشاه الجميع، فالمحور لن يسمح للكيان بالتفرد بحزب الله، خصوصا أنه لا يتكل على إيران فقط كما الحال في حرب لبنان الثانية، فكل ضلع من أضلاعه يمثل قاعدة مكتفية بذاتها ماديا وعسكريا".
نهر الليطاني
ليست المرة الأولى التي يتوعد الاحتلال بإبعاد حزب الله إلى ما وراء الليطاني، فقد سبق أن هدد وزير الحرب يوآف غالانت عدة مرات بشن عملية عسكرية لتأمين الشمال.
ويبعد الليطاني عن حدود فلسطين المحتلة الشمالية مع لبنان حوالي 30 كليو مترا، وتسعى دولة الاحتلال منذ تأسيسها عام 1948 إلى الوصول للنهر باعتباره حدودا طبيعية وعوائق مائية مع لبنان، حتى تكرست مع نظرية الحدود الآمنة التي لم يستطع الاحتلال تطبيقها على الأرض.
ومنذ عام 1969، وجه الاحتلال نظره تجاه الشمال والليطاني تحديدا، خصوصا بعد عمليات فصائل المقاومة الفلسطينية على طول الحدود.
وفي 14 من آذار/ مارس 1978 اجتاح الاحتلال لبنان عبر عملية سماها "عملية الليطاني، بعد أيام من عملية "كمال عدوان" التي نفذها مقاومون من حركة فتح، إلا أن الغزو لم يستمر طويلا، إذ أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 425 المطالب بانسحاب الجيش الإسرائيلي وتشكيل قوات دولية تحل محله.
وأسفرت العملية عن مقتل 18 جنديا إسرائيليا وجرح 113، واستشهاد حوالي 300 مقاتل فلسطيني، كما استشهد نحو 1100 مدني لبناني وأصيب أكثر من 2000 آخرين، ونزح ما بين 100 ألف و250 ألف شخص من منازلهم.
وكان الجنوب اللبناني ساحة لمعارك ضد الاحتلال استمرت منذ 1982 حتى مطلع الألفية، إذ انسحب الاحتلال من الجنوب تحت ضغط المقاومة اللبنانية في أيار/ مايو 2000 بعد احتلال دام 18 عاما.
وفي 2006، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار 1701 الذي يدعو إلى وقف كامل للعمليات القتالية في لبنان. ويطالب القرار حزب الله بالوقف الفوري لكل هجماته، ودولة الاحتلال بالوقف الفوري لكل عملياتها العسكرية الهجومية، وسحب كل قواتها من جنوب لبنان.
كما دعا القرار الحكومة اللبنانية لنشر قواتها المسلحة في الجنوب بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة –يونيفيل- وذلك بالتزامن مع الانسحاب الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق. كما يدعو إسرائيل ولبنان لدعم وقف دائم لإطلاق النار وحلّ بعيد المدى.
وتضمن القرار عدة بنود ومطالب أخرى، على رأسها إيجاد منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني تكون خالية من أيّ مسلّحين ومعدات حربية وأسلحة، عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات يونيفيل.