ملفات وتقارير

السنوار كابوس "إسرائيل" المزمن.. رحلة البحث في عقله عبر دوراته الدراسية

السنوار قرأ كثيرا عن المجتمع الإسرائيلي خلال فترة سجنه- عربي21
ما زال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، يمثل كابوسا مزمنا للاحتلال، لا سيما أنه كان العقل المدبر لأكبر عملية شنتها المقاومة الفلسطينية، وأكبر خسارة عسكرية واستخبارية تلقتها دولة الاحتلال منذ نشأتها.

ودأب قادة الاحتلال والكتاب والباحثون لدراسة عقلية السنوار، وإصدار الكثير من التقارير والبحوث عن الرجل الذي بات المطلوب الأول لإسرائيل، وكان آخرها بحث في الدورات التي تلقاها "أبو إبراهيم" خلال رحلة الأسر في سجون الاحتلال.

واستعرض المستشرق جاكي خوجي محلل الشؤون العربية في إذاعة جيش الاحتلال، جانبا من حياة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والدورات التي تلقاها.

وكتب خوجي مقالا بعنوان  "السنوار وكبير السنهدرين وآباء الصهيونية"، والسنهدرين وهو المجلس الأعلى في النظام القضائي والسياسي في اليهودية القديمة.

وقال خوجي: "صباح اليوم، أحضرت قائمة الدورات الدراسية ليحيى السنوار خلال دراسته لدرجة البكالوريوس في الجامعة المفتوحة".

وأضاف: "في أثناء فترة سجنه، درس السنوار عبر التعلم عن بعد حوالي 15 دورة في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية"، مبينا أن قائمة الدورات تعكس اهتماماته بشكل واضح.






هذه أبرز الدورات التي تلقاها السنوار:


القدس عبر العصور: دورة في التاريخ عن تاريخ القدس، من بداياتها في العصر التوراتي، مرورا بمكانتها في زمن الحشمونيين، تحت حكم روما وبيزنطة، الدولة العباسية، العثمانيين، وصولا إلى فترة الانتداب البريطاني، وحصل في هذه الدورة على درجة 92.

من القدس إلى يبنا (قرية فلسطينية): دورة في قسم التاريخ عن فترة المشناة والتلمود، تتضمن أيضا فصلا تمهيديا عن التوراة الشفوية، وحصل فيها على درجة 81.

"من المنفى إلى الاستقلال": دورة تمهيدية في تاريخ الشعب اليهودي، تشمل تاريخ اليهود في فترة الإمبراطورية الفارسية واليونانية، اضطهادات أنطيوخوس، روما، وتأسيس سلالة الحشمونيين. حصل فيها على درجة 94.

"في أيام المحرقة": دورة تاريخية عن المحرقة: خلفيات صعود النازيين، يهود أوروبا عشية الحرب، وخطة الإبادة وكيف تم تنفيذها، حيث حصل على درجة 89.

"بين صهيون والصهيونية 1881-1914": دورة حول تاريخ الحركة الصهيونية. حصل على درجة 96.

"الحكومة والسياسة في دولة إسرائيل":
كما درس دورتين أساسيتين: "الحكومة والسياسة في دولة إسرائيل": دورة تأسيسية في العلوم الاجتماعية، تتناول فصل السلطات، الديمقراطية الإسرائيلية، الانتخابات والأحزاب؛ وكذلك "مقدمة في تاريخ الشرق الأوسط".

كما التحق السنوار بدورات في اللغة الإنجليزية كجزء من متطلبات الدرجة.

وتابع المستشرق، أن "السنوار لم يكمل متطلبات درجة البكالوريوس، لكن هذا لا يعني أنه لم يكن أكاديميا".

وقبل سجنه، حصل السنوار على درجة البكالوريوس في اللغة والأدب العربي من جامعة غزة، وفي عام 2011، توقفت دراسة الأسرى الأمنيين في السجون الإسرائيلية.



السنوار.. قارئ نهم وكاتب بارع
تلقى السنوار تعليمه في مدرسة خان يونس الثانوية للبنين، قبل أن يلتحق بالجامعة الإسلامية في غزة، ويتخرج فيها بدرجة البكالوريوس في شعبة الدراسات العربية.

ويعرف بدرايته الواسعة بالسياسة الإسرائيلية والتاريخ اليهودي، بالإضافة لمعرفته بالمجتمع الإسرائيلي نتيجة دراسته لطبيعة تفكير عدوه، وطريقة عمله خلال فترة الأسر التي تعلم خلالها اللغة العبرية.

واستثمر يحيى السنوار فترة السجن التي استمرت 23 عاما في القراءة والتعلم والتأليف، تعلم خلالها اللغة العبرية، وحاول التعمق في فهم العقلية الإسرائيلية.

وألف عددا من الكتب والترجمات في المجالات السياسية والأمنية والأدبية.

هذه أبرز مؤلفات السنوار:


"الشاباك بين الأشلاء"
ترجمة كتاب لكارمي جيلون، وهو كتاب يتناول جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، وترجمة كتاب "الأحزاب الإسرائيلية عام 1992″.

"شوك القرنفل"
رواية صدرت عام 2004، وتحكي قصة النضال الفلسطيني منذ عام 1967 حتى انتفاضة الأقصى.

"حماس: التجربة والخطأ"
كتاب يتطرق لتجربة حركة حماس وتطورها على مر الزمن.

"المجد"
كتاب صدر عام 2010 ويرصد عمل جهاز "الشاباك" الصهيوني في جمع المعلومات وزرع وتجنيد العملاء، وأساليب وطرق التحقيق الوحشية من الناحية الجسدية والنفسية، بالإضافة إلى تطور نظرية وأساليب التحقيق والتعقيدات التي طرأت عليها وحدودها.



السنوار.. رحلة البناء في السجن
يروي طبيب الأسنان الإسرائيلي وضابط الاستخبارات السابق، يوفال بيتون، كيف استقبل بداية عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قائلا؛ إنه "كان يعرف على وجه اليقين من الذي دبر الهجوم، يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة والسجين رقم 7333335 في نظام السجون الإسرائيلي منذ عام 1989 حتى إطلاق سراحه في 2011". 

وقال بيتون؛ إنه "كان يتعذب بسبب القرار الذي اتخذه قبل ما يقرب من عقدين من الزمن في أثناء عمله في مستوصف السجن، عندما هرع لمساعدة السنوار الذي كان يعاني من مرض غامض وميؤوس منه"، وكيف أنه طلب من الإدارة الإسرائيلية الإفراج عن السنوار ضمن صفقة شاليط في 2011.

جاء ذلك بحسب ما أفاد به الطبيب لصحيفة "نيويورك تايمز"، في أيار/ مايو الماضي، وكيف أن "الرجلين كونا علاقة من نوع ما، حيث إنهما كانا عدوين لدودين، لكنهما مع ذلك أظهرا احتراما متبادلا وحذرا".

وكشف بيتون أنه عمل كطبيب أسنان، ومن ثم كضابط استخبارات كبير في مصلحة السجون الإسرائيلية، وأمضى مئات الساعات في التحدث وتحليل السنوار، الذي تمكن خلال الأشهر السبعة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023 من الإفلات من القوات الإسرائيلية.

رأى بيتون أن "كل ما مر بينه وبين السنوار كان  إلى حدّ ما، بمنزلة هاجس للأحداث التي ستحدث الآن"، معتبرا أنه "فهم الطريقة التي يعمل بها عقل السيد السنوار بشكل جيد، أو أفضل من أي مسؤول إسرائيلي، لقد كان يعلم من تجربته أن الثمن الذي سيطلبه زعيم (حماس) مقابل الرهائن، قد يكون ثمنا لن ترغب إسرائيل في دفعه".

ونقل التقرير قول السنوار ذات مرة لصحفي إيطالي: "السجن يبنيك، ويمنحك الوقت للتفكير في ما تؤمن به، والثمن الذي ترغب في دفعه مقابل ذلك".



السنوار.. ودراسة "إسرائيل"
وأصبح السنوار يجيد اللغة العبرية، مستفيدا من برنامج جامعي عبر الإنترنت، وكان يتابع الأخبار الإسرائيلية لفهم عدوه بشكل أفضل، وقد أسفر التفتيش الروتيني لزنزانته عن عشرات الآلاف من الصفحات المكتوبة بخط اليد بالعربية، وهي ترجمات السنوار لسير ذاتية، كتبها الرؤساء السابقون لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "شين بيت".

ووفقا للدكتور بيتون، فإن السنوار قام خلسة بمشاركة الصفحات المترجمة، حتى يتمكن السجناء الآخرون من دراسة تكتيكات الوكالة في "مكافحة الإرهاب"، وكان يحب أن يطلق على نفسه لقب "المتخصص في تاريخ الشعب اليهودي".

وقال السنوار لرفاقه ذات مرة: “لقد أرادوا أن يكون السجن قبرا لنا، وطاحونة لطحن إرادتنا وعزيمتنا وأجسادنا، لكن الحمد لله، بإيماننا بقضيتنا حولنا السجن إلى أماكن للعبادة ومدارس للدراسة".

بصفته طبيب أسنان في "إسرائيل"، تلقى بيتون أيضا تدريبا في الطب العام، وكثيرا ما كان يتم استدعاؤه لمساعدة أطباء السجن الثلاثة الآخرين، أو خياطة الجروح أو المساعدة في التشخيص الصعب، وعندما خرج من مقابلة مرضاه أوائل عام 2004، وجد العديد من الزملاء المرتبكين بشكل واضح يحيطون بالسنوار المشوش.

وكشف التقرير أن بيتون كان يعمل على إقناع السنوار وآخرين بالتعاون مع الباحثين الإسرائيليين الذين يدرسون "التفجيرات الانتحارية"، لكن في غرفة الفحص، لا يبدو أن السيد السنوار يعرفه عندما قال له: "من أنت؟"، "هذا أنا، يوفال".

وبعد مرض السنوار المفاجئ في السجن، يتذكر الدكتور بيتون قائلا: “طلب منه السنوار أن يشرح لي ماذا يعني في الإسلام أنني أنقذت حياته، كان من المهم بالنسبة له أن أفهم من أحد المسلمين مدى أهمية ذلك في الإسلام، وأنه مدين لي بحياته".

وجاء في التقرير أن السنوار نادرا ما تحدث إلى سلطات السجون الإسرائيلية، لكنه بدأ يجتمع بانتظام مع طبيب الأسنان لشرب الشاي والتحدث.

وكان بيتون رجلا ثرثارا ويتزاحم في كثير من الأحيان مع السجناء الآخرين، ويحثهم على التحدث عن عائلاتهم أو رياضاتهم، لكن مع السنوار، كان الحديث كله عبارة عن أعمال وعقيدة.

وقال بيتون: “المحادثات مع السنوار لم تكن شخصية أو عاطفية"، إذ كان يحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، وطرح بهدوء المبادئ الحاكمة لمنظمته.

وأضاف: “ترى حماس الأرض التي نعيش عليها على أنها الأرض المقدسة.. هذه لنا، ليس لديك الحق في العيش في هذه الأرض، عقيدته لم تكن سياسية، بل كانت دينية".

وفي أثناء تفتيش زنزانته، صادر الحراس رواية مكتوبة بخط اليد في نهاية عام 2004، بعد الجراحة، وكانت عن العلاقة بين الرجل والمرأة والأسرة في الإسلام، وتم تهريب نسخة واحدة منها على الأقل.

ووصف الطبيب السنوار بأنه "قاس وماكر ومتلاعب، ورجل موثوق لديه القدرة على تجميع الحشود، يحتفظ بالأسرار حتى داخل السجن بين السجناء الآخرين، ومع ذلك، فقد كان هناك قدر معين من الصدق في المعاملات في محادثاتهم".



الأسير المتأهب للمعركة
في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، وقف بيتون في ساحة سجن كتسيعوت، يراقب السنوار وهو يستقل حافلة متجهة إلى غزة، بعد أن شهد القوة المقنعة لقيادة السنوار عن قرب، كشف أنه حث المفاوضين على عدم إطلاق سراحه، إلا أنه تم نقض قراره، باعتبار أن زعيم "حماس" الحالي في غزة، "لم تكن يداه ملطختين بالدماء اليهودية".

وقال بيتون: “اعتقدت أنك بحاجة إلى النظر إلى قدرات السجين لاستخدام قدراته ضد إسرائيل، وليس فقط ما فعله – إمكاناته”.

وأشار الطبيب إلى لقطات الفيديو التي أظهرت السنوار عابسا في حفل استقبال الأسرى، ومن ثم خرج في مقابلة قال فيها: "لن ندخر أي جهد لتحرير بقية إخوتنا وأخواتنا، نناشد كتائب القسام أن تقوم باختطاف المزيد من الجنود لمبادلتهم بحرية أحبائنا الذين ما زالوا خلف القضبان".. لقد أخبرنا بما سيفعله.. لم نرغب في الاستماع".

حرب العقول
وبدا الاحتلال مقرا بقدرة عقل السنوار على صناعة هزيمة استراتيجية لإسرائيل خلال طوفان الأقصى.

وكان حديث السياسي الإسرائيلي إيلي غولدشميت من الأدلة على ذلك الاعتراف، حيث هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقال له إن رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس يحيى السنوار هزمك في حرب العقول.

وأضاف غولدشميت في مقابلة تلفزيونية، إن "يحيى السنوار القادم من مخيم اللاجئين في خان يونس (جنوبي قطاع غزة)، والذي أطلق سراحه في صفقة شاليط.. هذا الشخص هزمك في حرب العقول".

وأضاف مخاطبا نتنياهو الذي وصفه بالمغرور "لقد جعلك السنوار هباء منثورا.. وكان أذكى منك بألف مرة".



السنوار.. صلاح الدين العصر
هذا الوصف لم يخرج من أحد عناصر حركة حماس أو من مؤيدي المقاومة الفلسطينية، الذين هم بالملايين وربما أكثر، بل خرج من العميد الإسرائيلي عوفر وينتر الذي حذر من تبعات تمتع زعيم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في غزة، يحيى السنوار، بمكانة عالمية  شبيهة بمكانة صلاح الدين الأيوبي، موجها انتقادات حادة لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، بسبب فشلها في إدارة العدوان المتواصل على قطاع غزة.

وقال وينتر  في مقال بمجلة للشؤون العسكرية؛ إن "تشخيص المؤسسة الأمنية للأزمة الاستراتيجية التي تواجهها إسرائيل حاليا هو تشخيص خاطئ"، مشيرا إلى أن "طريقة إدارة الجيش للمعركة حتى الآن، لم تخفق في حل الأزمة وحسب، بل أوصلت إسرائيل إلى وضع أسوأ بكثير مما كانت عليه وقت اندلاع الحرب".

وأضاف أنه "ليست المشاكل فقط لم تُحل، بل إن السلوك المعتمد أدى إلى تفاقم وضع إسرائيل أكثر بكثير مما كانت عليه عندما اندلعت الحرب"، بحسب تعبيره.

ولفت إلى أن "السنوار أصبح يتمتع بمكانة عالمية باعتباره صلاح الدين لهذا العصر؛ لأن إسرائيل تتفاوض معه من أجل إعادة أسراها".