درسنا في علم النفس العديد من
النظريات التي تفسر السلوك الإنساني وتنير الطريق للناس والمتخصصين للوصول إلى تفسير أفضل،
أو بمعنى أدق أقرب تفسير للسلوك..
تداهمني دائما نظرية اسمها نظرية
الدور.. أننا نقوم في حياتنا الإنسانية بمختلف مراحلها بأدوار معينة.. دور الابن..
دور الأب.. دور الوزير.. دور رئيس الجمهورية..
زمان لما كنت أقعد مع والدي الله
يرحمه وأسأله: إزاي عبروا في أكتوبر: فكان يقول لي جملة مفتاحية.. احنا عبرنا في
68 مش في 73 لأننا منذ حرب الاستنزاف واحنا بنتدرب على العبور.. الجندي
المصري عبر
القناة وفق نظرية الدور وكأنه في مشروع تدريبي..
وتركز نظرية الدور على قيام المبحوث
بدوره على أكمل وجه، وأن فشله في أداء دوره يؤدي إلى خلل في الشخصية.. وأهم ما يميز
الشخصية الناجحة طبقا لنظرية الدور هو أن تصدق الشخصية وتؤمن بما تقوم به من دور..
* يحيى حسين عبد الهادي
مثلا صدق أنه معارض حقيقي لنظام يسمح بهامش معارضة وآمن بتلك القضية، قضية معارضة النظام،
سواء في الحركة المدنية أو من خلال الكتابة.. وللأسف النهاية ضد نظرية الدور..
* أحمد طنطاوي صدق نفسه ونحن صدقناه أنه
مرشح رئاسي يستطيع تغيير نظام "مش بتاع سياسة" بالسياسة، وكانت النتيجة كلنا
نعرفها.. أنا صدقت نفسي وأني عضو في حملة مرشح رئاسي وأخذت الموضوع بجد جدا، وأظن ناس
كتير كانت شاهدة على ده.. ومع ذلك النتيجة لم تكن مرضية.. وخرجت من التجربة بأخف الخسائر
بالنسبة لما حدث لزملائي.. خرجت ببلونة دوائية ودعامتين في القلب..
* المشكلة الكبري في نظرية الدور تكمن
في الشخصية السيكوباتية عندما تفرض عليها الأحداث والظروف وأنواؤها العاصفة التعامل
وفق شخصية الدور.. تجده مرة أنتم نور عينينا.. أمين أووي وصادق.. وفجأة يتذكر انسحاقه
وأنه نتن حط الدبوس في الأستيكة وفنجان قهوة طنطاوي الصباحي، فنجده ينتفض على دوره
ويقول لكم: عرت كتفها وكشفت ظهرها، وأنتم فقرااا اوووي..
* الدكتاتور لا يجيد لعب
أدواره.. مبارك
وهو في المحاكمة وغطوني وصوتوا.. وطبعا لا بد من الإكسسوار وهي هنا نظارة سوداء يداري
بها نظارته النارية.. وهو يهتف للقاضي بعد ذكر اسمه.. تمام يا فندم..
* عرفات عندما تغير
من ثائر وفق دوره الإنساني إلى رجل دولة وهو الدور الطارئ.. تحول إلى مسخ.. مشهد السلام
الرئاسي واستعراض حرس الشرف كان مشهدا بائسا بامتياز.. نقل عرفات من مصاف صناع التاريخ
إلى عمدة كفر البطيخ..
* صدام حسين في محاكمته.. إكسسواراه كان
القرآن الكريم.. هو عارف وفاهم أن محاكمته طائفية فاحتمى حسب نظرية الدور بالدين لعل
وعسى يشفع له.. ولكنه رجع إلى سيرته ما قبل الأولى.. إلى مواطن عراقي بسيط.. بدون سلطة..
الوحيد الذي لم ينس أنه شخصية سيادية هو أخوه برزان، ولذلك السلطة شنقته أكثر من مرة
عقابا على تمسكه بدوره وتحديه لها..
* عمر سليمان الله
يرحمه أو يرجعه لنا بالسلامة كان مستر X في نظرية الدور.. رئيس مخابرات عامة.. حتى وهو نائب رئيس جمهورية
كان يرى نفسه رئيس مخابرات عامة وكفى، ودور النائب مش داخل دماغه.. ولما حاولوا أن
يلعبوا معه وحولوه للنيابة.. قال لوكيل النيابة جملة.. جملة واحدة كانت كفيلة بأب تتسبب
لمحمد حسين طنطاوي ومجلسه العسكري بالجنون.. قال لوكيل النيابة.. يا بني لو أنا
جاوبتك على أسئلتك ده كل واحد في البلد هيضرب اللي جنبه بالقلم وبالرصاص وبالشلوت..
آخر مرة تستدعوني هنا.. فاهم.. بلغ رؤساءك بكده..
* وهناك شخصيتان متطابقتان ومختلفتان هما أفضل من تطبق عليهم نظرية الدور.. حبيب العادلي.. وأشرف السعد..
حبيب العادلي حتى وهو في القفص وأمام
المحاكمة وهو يعي تماما أنه هو ووزارته كانوا السبب الأول والرئيس لثورة يناير في
بدايتها، إلا أنه لم يتنازل عن دوره.. وزير داخلية.. أيوااا وزير داخلية يحاكم..
ولكن وزير داخلية وليس آي شخص آخر.. كان يتحدث ويهمس ويلوح ويبوح ويخفي ويركز على نقاط
ويتغاضى عن نقاط.. دماغ.. حبيب العدلي كان في محاكمته دماغ متمسكا بدوره أنه وزير
داخلية حتى لو كان مذنبا ويحاكم..
أما الطرف الآخر في المعادلة فهو.. أشرف
السعد.. الحاج أشرف.. راجل حافظ وفاهم ومستوعب وقارئ نظرية الدور وعايشها ومستمتع
بها..