على مدار الأيام القليلة الماضية ثار موضوع،
حوار الدكتور حلمي الجزار وبعض الإخوان مع أشخاص يحسبون على النظام
المصري، وقد
تحدث في الموضوع بكلام منطقي وجاد، كاتبان فاضلان، وهما: الدكتور سليم عزوز،
والدكتور عزام التميمي. ولكليمهما وجاهة وأهمية، إلا أن هناك زوايا أخرى مهمة في
الموضوع، أحببت أن أتناولها، لما يمثله أي حديث عن المعتقلين من أهمية، فهو جرح
نازف لدى الجميع، وألم لا يتوقف، لأن من بالخارج، وقد نجاه الله من يد الظلمة، كان
يمكن أن يكون أحد من قبعوا في أحد هذه السجون المظلمة.
كيف تسرب الخبر؟
أما أول النقاط التي يجب أن يناقشها
الإخوان، فهو كيف تسرب الخبر، ولماذا تسرب بهذه الطريقة، فإن بمعرفة من تحدثوا
فيه، وبخاصة من بدأوا الحديث عنه، يعرف كيف وصل إليهم، وهي مسألة لا تحتاج لطول
تفكير، فإن من خبر الحالة المصرية في الخارج، يستطيع أن يعرف بعض الشخصيات الذين
يبادرون بالحديث في موضوعات تتعلق بالإخوان، يمكنه سريعا معرفة مصدر التسريب،
ولماذا؟ وما الهدف المرجو منه؟
المشكلة الكبرى التي تواجه الإخوان في التواصل أو السعي في أي ملف يتعلق بالجماعة، هو: فئة ما نطلق عليهم: (الهبيدة)، الذين بات أكل عيشهم السوشيال ميديا، فلا بد من حضوره في كل موقف، ولا بد من وضعه في الصورة، ولا بد من سماع قوله، وكأنه العارف بكل شيء، وأن لديه ما ليس لدى الآخرين..
وليس خافيا على أحد وجود شخصيات بين من
يحسبون على المعارضة، هم مصادر معلومات عنها لجهات معلومة، ولأن كثيرا منهم صار
مكشوفا، فلم يعد لديهم معلومات، ولا بد من دوام الصلة بمن يمدونهم بها، فصاروا
يلجؤون لأمر مكشوف، وهو الإدلاء بمعلومة، ثم يبدأ يكبرها بمعلومات وهمية، أو من
نسج خياله، لتظل صلته متصلة بمن يتعامل معهم.
تدني مستوى الوسطاء!
ثانيا ـ تحدث بعض من علقوا على تواصل
الإخوان، بأنهم تواصلوا مع أشخاص لا يمثلون ثقلا في
السلطة المصرية، أو غيرها، وهو
كلام ربما يكون وجيها في سياق آخر غير الحديث عن السلطة المصرية، والتي منذ
بدايتها اتضح تدني مستوى ممثليها، فقد كنا في قناة الجزيرة بعد الانقلاب مباشرة،
نشكو من هذا الأمر، أن من يواجهوننا أشخاص ضعاف، فأين كبار القوم؟! والإجابة: لا
يوجد، وهم يخافون من المواجهة، وقس على ذلك كتاب النظام، وإعلاميي على النظام،
ووزراء النظام، كلهم من نفس المستوى.
فليس مستغربا أن يكون تواصل الإخوان مع
مستويات بسيطة ومحدودة، فالمهم هو ما ينتهي إليه الحوار، وليس ممثله، وبخاصة في
مستويات الكلام الأولي، من الطبيعي أن تكون كذلك. وللأمانة فإن مستوى الإخوان كذلك
لم يعد الإخوان التي كانت من قبل يخطب ودها كل سياسي كبير، وقد كان أي مرشح رئاسي،
أو رئيس حزب، أو مرشح لمنصب نقيب، لا بد من مروره على الإخوان، أما الآن فالحال
تغير، وبناء صورة ذهنية عن الإخوان كما الماضي، هو مجافاة للحقائق والواقع، فمستوى
تواصل الإخوان مع دول حليفة، لم يعد يتعد المستوى الخدمي في التواصل، أو المستوى
الأمني المحدود، كوساطة لإخراج شخص مقبوض عليه، أو إدراك شخص مهدد بالترحيل.
السعي خير من الصمت
ثالثا ـ ومع ذلك، فمما يحمد هنا سواء اتفقت
أم اختلفت مع من يقومون بهذا الجهد في الإخوان، أنه جهد مطلوب، مهما كان ضعيفا،
ولا يثمر المنشود منه، لكنه محمود ومطلوب المداومة للسعي، فإن أهم ملف يمكن أن
يتحرك فيه الإنسان، هو ملف المسجونين والمعتقلين، لأنه يمثل معاناة ضخمة للأسر
المصرية.
والخلاف بين أطراف الإخوان، سيكون عامل ضعف
في الأمر، لأن كل طرف سيتحرك سيزايد عليه أطراف أخرى، والعاقل هنا من ينظر
للمصلحة، بغض النظر عمن يهاجمه، فمن الطبيعي أن يهاجم، لكن أن تهاجم وأن تعمل، خير
لك من أن تهاجم وأنت صامت، أو نائم في الخط، كما يقول المصريون.
هل التواصل يمثل النظام؟
طرح البعض تشكيكات، أن التواصل مع أشخاص لا
يمثلون النظام، وهو كلام يصح في نقاط، ولا يصح في أخرى، فإن هؤلاء الأشخاص، لا
يجرؤ أحدهم أن يقدم على التواصل مع الإخوان، دون ضوء أخضر، فالغلطة مع هذه الأنظمة
عقوبتها صعبة، فوق طاقة وقدرة هؤلاء الوسطاء، سواء كان وسيطا عن النظام، أو وسيطا
عن كفيل النظام.
محاولات داخلية لتخفيف ملف المعتقلين
رابعا ـ أن هناك محاولات للحلحلة في موضوع
السجون، وإن طرح بعيدا عن الإخوان، لكنه طرح من النظام نفسه داخليا، فهناك معلومات
أن طرحا بالعفو عن عدد كبير من المسجونين لا بد منه، لينفس عن الشعب، وبخاصة في ظل
الحالة الاقتصادية الخانقة، والانسداد التام للمجال العام في مصر، مما ينذر بمخاوف
لحدوث ما لا يتوقع، كما حدث مع مبارك وغيره، ولقي الاقتراح ترحيبا، عدا الأمن
الوطني، الذي أبدى تحفظا، مما جعل النظام يلغي التفكير، أو يؤجله.
وهو نفس ما فكر فيه داعمو النظام وكفلاؤه،
إذ إن هذا التضييق التام، لو حدث أي خروج للجماهير، يخيفهم على مصالحهم، ولا بد
لتجنب ذلك، من فتح مساحة ولو شكلية، تحول بين هذا التخوف.
مبادرات مفبركة من الداخل
هناك محاولات للحلحلة في موضوع السجون، وإن طرح بعيدا عن الإخوان، لكنه طرح من النظام نفسه داخليا، فهناك معلومات أن طرحا بالعفو عن عدد كبير من المسجونين لا بد منه، لينفس عن الشعب، وبخاصة في ظل الحالة الاقتصادية الخانقة، والانسداد التام للمجال العام في مصر، مما ينذر بمخاوف لحدوث ما لا يتوقع، كما حدث مع مبارك وغيره، ولقي الاقتراح ترحيبا، عدا الأمن الوطني، الذي أبدى تحفظا، مما جعل النظام يلغي التفكير، أو يؤجله.
ولا يقف سيل المبادرات على الخارج، بل هناك
من الداخل أيضا افتعال وفبركة مبادرات، كما رأينا فيما سمي بمراجعات الرشد، على
أنها مراجعات قام بها شباب من جماعة الإخوان، والتي نوهت بها قناة العربية، ثم
نفتها وزارة الداخلية المصرية، وهي مبادرة لمن قرأها واضح فيها الفبركة، فلا يمكن
أن يكتبها إخواني سابق ولا حالي ولا تائب ولا غير تائب، فهي مكتوبة بلغة تمجيد
للسيسي والثلاثين من يونيو، ووصف للجماعة بلغة أمنية بحتة، ومع ذلك نفتها الداخلية
المصرية.
هجوم ونفي أذرع النظام الإعلامية
ولذا لا تستغرب من ردود أفعال أمنجية النظام
في إعلامه ولجانه، فالموقف الرسمي للأوامر لتحركهم حتى الآن رفض وهجوم أي موقف
للإخوان، بينما لو قبل رأس النظام هذا الموقف، ستجد كل من رفض وهاجم، سيتحول مائة
وثمانين درجة للقبول، لكنه قبول سيظل مرتبطا بالسيسي وحكمته ورحمته التي لا حدود
لها أن قبل هذا العرض.
وربما كان موقفهم من باب التعمية على أي
إجراء يتم، أو أي تواصل يحدث، وقد حدث من قبل، فقد كان في الوقت الذي يهاجم فيه
الرئيس التركي أردوغان، وتركيا وسياستها، على يد: عمرو أديب، ونشأت الديهي، ومحمد
الباز، وقد أوحى ذلك الفعل لإعلامي المعارضة المصرية بأن المصالحة بين الطرفين قد
فشلت، بدليل التصعيد الإعلامي ضد أردوغان، كانت المفاجأة أن التواصل والملفات
مستمرة، وتحقق إنجازات بالنسبة للطرفين غير معلنة، وغير مرئية.
المشكلة الكبرى التي تواجه الإخوان في
التواصل أو السعي في أي ملف يتعلق بالجماعة، هي: فئة ما نطلق عليهم (الهبيدة)،
الذين بات أكل عيشهم السوشيال ميديا، فلا بد من حضوره في كل موقف، ولا بد من وضعه
في الصورة، ولا بد من سماع قوله، وكأنه العارف بكل شيء، وأن لديه ما ليس لدى
الآخرين، هؤلاء يمثلون مع المزايدين عبئا على كل سعي، سواء كان سعيا موفقا، أو
بداية سعي، يرجى من ورائه تخفيف أو توفيق، ونصيحتي للإخوان ولكل من يعمل في
الشأن العام، ألا يعيرهم أدنى اهتمام، وليمض في طريقه، فهؤلاء لن يسكتوا، ولن
ينتهوا، فشهوة الكلام والميديا، أقوى لدى فئة ليست قليلة منهم، أقوى من المصلحة
العامة، وهذا ما يؤسف له.