ملفات وتقارير

من يقف خلف دعاوى العنصرية بذريعة القومية في مصر؟ (شاهد)

مع دعاوى إحياء اللغة الفرعونية القديمة يتجدد الجدل حول أصل المصريين- CC0
كثرت في الآونة الأخيرة في مصر ظهور حملات على مواقع التواصل الاجتماعي ترفع شعار "لسنا عربا"٬ في تصور يدعي أن الشعب المصري لا تعود جذوره للعرب وإنما إلى ما أسموه "العرق المصري".

ويتزامن هذا الحديث مع الدعاوى التي تعالت لإحياء اللغة الفرعونية والقبطية القديمة من جديد لأنها لغة الأجداد. ولا يخلو هذا النفس القومي من الهجوم على اللاجئين والوافدين إلى مصر نتيجة الحروب والأزمات.

لسنا عربا ولا أفارقة
ويتبنى عدد من المثقفين المصريين المحسوبين على النظام هذه الدعاوى التي تقول إن الشعب المصري مصريا وليس عربيا. ففي مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي صرح عالم الآثار زاهي حواس أمام جمع من الطلاب والأساتذة في جامعة القاهرة بأن المصريين يمتلكون "أصلاً خاصاً"، وأنهم ليس لديهم صلة مباشرة بالعرب أو الأفارقة.


وقال حواس في محاضرته٬ إن اللغة والموقع الجغرافي لا يحددان أصول المصريين بشكل كامل. وأضاف "صحيح أننا نتحدث العربية ونعيش في إفريقيا، لكننا لسنا عربًا ولا أفارقة بالمعنى التقليدي".

وادعى أن المصريين "يتمتعون بهوية خاصة تعود لخمسة آلاف عام، تحمل في طياتها أصولًا فرعونية وجينات مميزة لم تتأثر رغم تعاقب الغزوات على مر العصور".

ولا يقتصر الأمر على حواس فعالم المصريات المصري، وسيم السيسي، قال في حوار تلفزيوني بأن الشعب المصري ليس عربياً، بل هو مصري حتى وإن كان يتحدث اللغة العربية.

جاء ذلك في لقائه على قناة "صدى البلد" المصرية، حيث قال السيسي: "نحن كمصريين لدينا هويتنا الخاصة، وعلى الرغم من أننا نتحدث العربية، فهذا لا يعني أننا عرب. على سبيل المثال، عندما أذهب إلى السعودية، أدخل من بوابة الأجانب وأحتاج إلى كفيل إذا أردت العمل هناك".

ليست جديدةيأتي نفي العروبة عن المصريين كتجدد لحملات سابقة قادها علمانيون مصريون سعوا لفصل مصر عن عروبتها وإسلاميتها، وهي حملات تعود جذورها إلى ما طرحه عميد الأدب العربي طه حسين في الأربعينيات من القرن الماضي.

ففي كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" وتصريحاته بجريدة "كوكب الشرق" عام 1933، أشار حسين إلى أن المصريين تعرضوا للغزو من الفرس واليونان والعرب والترك والفرنسيين، مما أثار جدلًا فكريًا واسعًا في ذلك الوقت.

أما عالم الجغرافيا الراحل جمال حمدان تناول هذا الجدل في موسوعته "شخصية مصر"، حيث أشار إلى أن الجدل حول هوية مصر – سواء كانت عربية أم فرعونية – ليس بجديد، بل بدأ منذ وطأة المستعمر أرض مصر.

وأكد أن هذا السجال ليس خاصًا بمصر وحدها، حيث وُصف السودان بأنه أفريقي، وزُعم أن المغرب بربري، وقيل عن لبنان والشام إنهما فينيقيان، معتبرًا أن هذه التصنيفات كانت جزءًا من محاولات سياسية للتشكيك في الهوية العربية.

تعلم اللغة القبطية
تتزامن هذه التصريحات مع دعاوى إلى تعلم اللغة القبطية، والتي تمثل المرحلة الأخيرة في تطور اللغة المصرية القديمة "الهيروغليفية". وقد كثرت في السنوات الأخيرة المبادرات التي تنادى إلى ما أسموه "محو الأمية القبطية" عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي.

ولا تزال تُستخدم اللغة القبطية في طقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وصلواتها وألحانها، تُعد الطور الرابع والأخير من أطوار الكتابة المصرية القديمة والتي تشمل عدة لغات هي (الهيروغليفية والهييراطيقية والديموطيقية).

الأمية أولا
وتتزامن دعاوى تعلم اللغات الفرعونية القديمة٬ مع تصريحات رئيس الجهاز التنفيذي للهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار أن عدد الأمية ممن لا يعرفون القراءة والكتابة في مصر بلغ 16 مليونًا.

 مشيرًا إلى أن معدل الأمية بين الأشخاص الذين تجاوزوا سن العشر سنوات وصل إلى 20% في عام 2023. وأضاف أن معدل الأمية بين الذكور كان 16.5%، بينما بلغ بين الإناث 23.8%.

تعارض الدستور
وتتنافى هذه الدعاوى مع ما تنص عليه المادة الأولى من الدستور المصري على أن "جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا يتنازل عن أي جزء منها، ونظامها جمهوري ديمقراطي يعتمد على المواطنة وسيادة القانون".

 كما تشير المادة إلى أن "الشعب المصري جزء من الأمة العربية يسعى إلى تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامي، تنتمي إلى القارة الإفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوي، وتساهم في بناء الحضارة الإنسانية".

 بينما تنص المادة الثانية على أن "الإسلام هو دين الدولة، واللغة العربية هي لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية تشكل المصدر الرئيسي للتشريع".

تقزم مصر
وتسهم هذه الدعاوى والنعرة القومية في انحسار الدور المصري في التعاطي مع القضايا الإقليمية. ففي عام 1978 كتب الأديب المصري الراحل توفيق الحكيم مقالًا في صحيفة الأهرام يبرر فيه قرار السلام مع الاحتلال الإسرائيلي، مطالبًا مصر بالوقوف على الحياد بين العرب وإسرائيل كما فعلت سويسرا في الحرب العالمية الثانية.

فرغم كل ما يحدث لأهالي قطاع غزة المحاذي لمصر من إبادة جماعية على يد الاحتلال منذ ٧ تشرين الأول/أكتوبر الماضي٬ ورغم ما قام به الاحتلال فرض سيطرته على محور فيلاديلفيا المحاذي للشريط الحدودي مع مصر٬ إلا أن إعلاميو النظام المصري يعلنون أن ما يحدث في غزة لا يمس مصر بسوء.

من يقف وراء النعرة العنصرية؟
ومن خلال البحث عن الشخصيات التي ترفع دائما لواء التقوقع على الذات بدعوى القومية المصرية وأننا مصريين فقط٬ فسنجد بخلاف الشخصيات التي تحدثنا عنها مثل عالم الآثار زاهي حواس وعالم المصريات وسيم السيسي٬ سنجد أن "حركة علمانيون" المصرية والتي تقيم صالون علمانيون٬ هم أكثر من يروج لهذه الدعاوى في المجتمع.

فمن خلال بحث سريع في منصاتهم الإعلامية ستجد من ينتقد ما قام به المجند المصري محمد صلاح عندما كان يحرس الحدود بين مصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي.

بل إن هجوم التيار العلماني شمل أيضا المجند المصري سليمان خاطر الذي أطلق النار على عدد من الإسرائيليين الذي حاولوا دخول الحدود المصرية عنوة بعد أن حذرهم.

ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل تعالت الدعوات التي تنقد اهتمام المصريين بما يحدث في فلسطين٬ بدعوى أن القدس ليست مدينة مصرية وأن أي مدينة مصرية أفضل منها بحسب زعمهم.