قضايا وآراء

المسلمون في بريطانيا.. ماذا وراء حوادث الكراهية ضدهم؟

"لعب الإعلام الاجتماعي دورا خطيرا في تزكية نيران موجات العنف الأخيرة"- الأناضول
في ظل موجة العنف التي تعرض لها المسلمون مؤخرا في بريطانيا، وتصاعد حوادث العنصرية والكراهية ضدهم، تواجه لندن أوقاتا مضطربة تؤكد أن التوترات والمخاطر التي عاشتها البلاد في فترات سابقة، نتيجة بعض أحداث العنصرية والكراهية ضد المهاجرين واللاجئين والأجانب، ما زال صداها يتردد حتى الآن.

وإذا أردنا أن نفهم ما يجري حاليا ضد المسلمين والمهاجرين في سياق التاريخ البريطاني الحديث فإننا لن نرصد استثناء إلا في درجة العداء والكراهية، وهناك العديد من التقارير التي رصدت ذلك على مدار العقد الحالي.

حوادث العنصرية في بريطانيا

ويمكن القول إن حوادث الكراهية ضد المسلمين ليست بدعا في تاريخ الأقليات والمهاجرين في الغرب، أو في بريطانيا، فالفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى عهد قريب كانت شاهدة على ما عاشته بريطانيا من حوادث العنصرية والعنف العنصري ومناهضتهما في ذات الوقت.
انتشار الإسلاموفوبيا تتزايد مع تزايد التوترات العرقية، واستثمار السياسيين والإعلام لهذا الوضع لتعزيز أجنداتهم. وفي السنوات الأخيرة، شهدت بريطانيا تصاعدا في أعمال الكراهية والمعاداة للمسلمين، وقد أثار هذا قلقا واسعا بخصوص الدوافع الكامنة وراء ذلك، كما استدعى ضرورة فهم العوامل المختلفة التي تساهم في استمرار هذه الظاهرة، والوقوف عند الأسباب الحقيقية، خاصة مع وجود تقاطع بين السياسة الداخلية والخارجية

والملاحظ أن انتشار الإسلاموفوبيا تتزايد مع تزايد التوترات العرقية، واستثمار السياسيين والإعلام لهذا الوضع لتعزيز أجنداتهم. وفي السنوات الأخيرة، شهدت بريطانيا تصاعدا في أعمال الكراهية والمعاداة للمسلمين، وقد أثار هذا قلقا واسعا بخصوص الدوافع الكامنة وراء ذلك، كما استدعى ضرورة فهم العوامل المختلفة التي تساهم في استمرار هذه الظاهرة، والوقوف عند الأسباب الحقيقية، خاصة مع وجود تقاطع بين السياسة الداخلية والخارجية في بلد مثل بريطانيا، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالدعم المستمر لإسرائيل في حربها الإبادية ضد الفلسطينيين، وانعكاسات ذلك في تكريس الإسلاموفوبيا.

على مدار عقود شهدت بريطانيا موجات عديدة من العنف وكراهية الأجانب والهجمات على المهاجرين واللاجئين، ومقاومتها، بداية من معركة شارع كابل عام 1936، مرورا بأحداث ميدان ريد ليون عام 1974، ومقتل الطالب ديفيد كيفين غاتلي على يد أنصار الجبهة الوطنية، ومعركة لويشهام عام 1977، مرورا بأحداث الشغب في حي بريكستون عامي 1981 و1985، ثم شغب عام 2011، والذي أشعله قتل الشرطة لمواطن أسود في منطقة توتنهام هيل.

في قلب لندن، وفي شارع أدلر، توجد حديقة صغيرة باسم "ألتاب علي"، تحمل قيمة رمزية، وتعكس تاريخا معقدا يجمع بين الكراهية والتعايش، وتمثل شاهدا على فصل من فصول حوادث العنصرية والكراهية التي عاشتها لندن خلال العقود الماضية. عند مدخل الحديقة يوجد قوس أنشأه الفنان الويلزي ديفيد بيترسون، وقد تم تطويره كنصب تذكاري لألتاب علي وغيره من ضحايا العنف العنصري.

"ألتاب علي"، هو عامل نسيج بنغالي، في الخامسة والعشرين من عمره، قُتل على يد ثلاثة مراهقين بريطانيين في أيار/ مايو عام 1978، في هجوم عنصري أثناء عودته لمنزله بعد العمل.

وقد أثارت حادثة مقتل ألتاب علي التعبئة الجماهيرية على المستوى المحلي، وأصبح علي رمزا للمقاومة ضد العنصرية التي تمارس ضد البريطانيين من أصول بنغالية، ومن شبه القارة الهندية عموما، ويرتبط بالنضال من أجل حقوق الإنسان دفاعا عن البريطانيين من أصل بنغالي وهندي.

الإسلاموفوبيا والتوظيف السياسي والإعلامي

لا شك أن الإسلاموفوبيا باتت تمثل مشكلة في بريطانيا، وقد رصدت تقارير عديدة تصاعد حدتها بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، إذ واجه المسلمون في بريطانيا تمييزا واسع النطاق؛ حيث جرى تصويرهم من قبل اليمين المتشدد باعتبارهم تهديدا للأمن القومي.

وخلال العقود الأخيرة، اتخذت ظاهرة الإسلاموفوبيا أبعادا جديدة؛ حيث أصبحت مشاعر العداء للإسلام والمسلمين مرتبطة بالنقاشات حول الهوية الوطنية والهجرة.

وقد لعبت وسائل الإعلام البريطانية دورا محوريا في تعزيز الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، من خلال تسليط الضوء بقوة على الجرائم التي يرتكبها مسلمون أو مهاجرون، وجرى التركيز على تصوير المسلمين أنهم "الآخر" الذي يجب الخوف منه. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، قضية روثرهام، التي استغلها الإعلام لتغذية السردية العنصرية باعتبار المسلمين الجناة الرئيسيين في المجتمع، في تجاهل تام للسياق الأوسع لتلك الجرائم في المجتمع البريطاني والغربي.
استغل سياسيون وشخصيات بارزة من التيار اليميني حوادث عنف معزولة لتبرير حملاتهم ضد الهجرة، وهو ما ساهم في زيادة العداء ضد المسلمين

ومن ناحية أخرى، فقد استثمر اليمين المتطرف مثل هذه السرديات لإثارة الكراهية ضد المسلمين. وقد استغل سياسيون وشخصيات بارزة من التيار اليميني حوادث عنف معزولة لتبرير حملاتهم ضد الهجرة، وهو ما ساهم في زيادة العداء ضد المسلمين.

وإلى جانب ذلك، فقد لعب الإعلام الاجتماعي دورا خطيرا في تزكية نيران موجات العنف الأخيرة؛ وذلك بتداول أخبار مكذوبة ومضللة تربط بين المسلمين وأعمال العنف.

تمييز طبقي واستغلال للأزمات

وفي سياق رصد أسباب الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا، هناك من يرى أن الطبقية في المجتمع البريطاني كان لها أثر كبير في تصاعد الكراهية ضد المسلمين.

فالمجتمع البريطاني رغم تطوره، لا يزال يحمل في نسيجه تمييزا طبقيا عميقا، كان له أثر كبير في تصاعد الكراهية ضد المسلمين في السنوات الأخيرة.

فقد ساهمت سياسات التقشف التي اتبعتها الحكومات البريطانية المتعاقبة في زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مما تسبب في استياء وغضب لدى الطبقات الدنيا في المجتمع البريطاني. وقد تم تحويل هذا الغضب باتجاه المسلمين، باعتبار أنهم منافسون على موارد محدودة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

وقد أدت هذه السياسات، بالإضافة إلى التصريحات المتطرفة من السياسيين اليمينيين، في تعميق الانقسام داخل المجتمع البريطاني. ويمكن القول إن العنصرية التي يعاني منها المسلمون في بريطانيا غالبا ما تجد جذورها في التمييز الطبقي، ففي الوقت الذي تشهد فيه المناطق الأكثر فقرا في بريطانيا أعلى مستويات من العداء للمسلمين، نجد هذه الظاهرة تقل في المناطق الأكثر رفاهية.
حتى لا تظل الاضطرابات مرشحة للتكرار، فإنه لا بد من مواجهة الكراهية والعنصرية بشكل حازم؛ حفاظا على النسيج المجتمعي، مع إيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها القاعدة الأوسع من البريطانيين

وعلى خلفية حرب الإبادة الإسرائيلية ضد غزة، وزيادة التأييد للفلسطينيين، ورفض الممارسات الإسرائيلية، شهد خطاب الكراهية بدعم صهيوني مزيدا من التصعيد ضد المسلمين في بريطانيا؛ مما أدى إلى زيادة حوادث العنف ضدهم.

خاتمة

ورغم ما تتميز به بريطانيا من حرية وتنوع ثقافي، إلا أن معاداة المسلمين والعنصرية ضدهم ليست مجرد ظاهرة حديثة وعابرة، بل هي مشكلة لها جذور تتعمق مع مرور الوقت، وباتت أكثر تعقيدا وخطورة في السنوات الأخيرة بسبب عوامل سياسية وإعلامية واقتصادية، والمناخ الاجتماعي العام.

ولا شك أن موجة العنف الأخيرة ضد المسلمين ستدفع النخب السياسية البريطانية على اختلاف تياراتها إلى إعادة حساباتها وضبط خطابها.

وحتى لا تظل الاضطرابات مرشحة للتكرار، فإنه لا بد من مواجهة الكراهية والعنصرية بشكل حازم؛ حفاظا على النسيج المجتمعي، مع إيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها القاعدة الأوسع من البريطانيين.