سياسة دولية

إعلان الاحتلال انتهاء عملياته في غزة.. مناورة سياسية وعسكرية أم نهاية لحرب بلا أفق؟

اعترافات متتالية لقادة الاحتلال باستحالة القضاء على المقاومة في غزة- جيتي
أثار إعلان جيش الاحتلال انتهاء عملياته العسكرية "بشكل عام" في غزة، جملة تساؤلات عن التوقيت والهدف من الإعلان بالإضافة إلى مدى واقعيته.

وبشكل مفاجئ، نقلت هيئة البث العبرية مساء الجمعة، عن مسؤولين أمنيين قولهم؛ إن عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل عام انتهت في غزة.

وأضاف المسؤولون أنه "يمكن لإسرائيل دخول غزة مرة أخرى عندما تتوفر معلومات استخباراتية جديدة، كما أن المؤسسة الأمنية أبلغت القيادة السياسية أن الوقت حان لصفقة الأسرى.

وتابعت، أن "الجيش الإسرائيلي أخبر صناع القرار أن لواء رفح التابع لحركة حماس قد تم تحييده، وأنه غير موجود تقريبا".


التوقيت
وتزامن إعلان جيش الاحتلال انتهاء عملياته "بشكل عام" في غزة، مع انتهاء جولة المفاوضات في الدوحة التي وصفت بأنها "الفرصة الأخيرة" للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع وإبرام صفقة تبادل أسرى.

حديث الإعلام العبري عن إبلاغ المؤسسة الأمنية لنتنياهو بأن الوقت قد حان لصفقة الأسرى، يبدو استكمالا للضغط على رئيس حكومة الاحتلال الذي اتهم مرارا بعرقلة الوصول للصفقة.

وأواخر الشهر الماضي، اتهم وزير حرب الاحتلال يوآف غالانت نتنياهو بعرقلة نجاح صفقة التبادل مع المقاومة، كما حذر من من أن الشروط والعراقيل الجديدة التي يضعها رئيس الوزراء، ستضيع فرصة عقد الاتفاق.

واتهم غالانت نتنياهو بالعمل على إضاعة فرصة التوصل إلى اتفاق، عبر الشروط الجديدة التي يطالب بإدراجها في اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك خلال الاجتماع الذي عقده الكابينيت السياسي والأمني، لبحث "طبيعة الرد على حزب الله" عقب حادثة مجدل شمس.

وقالت القناة 13؛ إن غالانت قال خلال اجتماع الكابينيت: "إذا كنا لا نريد السماح بالعبور إلى الشمال (عودة النازحين من جنوب قطاع غزة إلى الشمال) فهذا ممكن، لكننا سنضيع الفرصة. لقد قررنا بالفعل الموافقة على السماح بالعبور إلى الشمال، وإذا لم يحدث ذلك فلن يكون هناك اتفاق".

تجنب الحرب الشاملة
إحدى أهم أسباب البيان الثلاثي الذي أصدرته دول الوساطة "قطر مصر الولايات المتحدة" مطلع الشهر الجاري، بخصوص ضرورة الوصول لوقف إطلاق النار بغزة، كان التخوف من الحرب الإقليمية التي قد يفجرها الرد الإيراني على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران، ورد حزب الله على اغتيال الرجل الثاني في قيادته العسكرية فؤاد شكر في العاصمة بيروت أواخر تموز/ يوليو الماضي.

ويمكن ربط الإعلام الجديد برغبة جيش الاحتلال تخفيف التوتر بشكل عام، حيث قال موقع أكسيوس الأمريكي أمس الخميس؛ إن مسؤولين أمنيين إسرائيليين أكدوا لنتنياهو أن عليه الاختيار بين الحرب الإقليمية وصفقة تبادل الأسرى.

وأضاف الموقع، أن "رؤساء أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية أبلغوا نتنياهو في وثيقة مكتوبة سلموها له، خلال اجتماع عُقد الخميس، لبحث التحضير للهجمات المحتملة، أنّ الوقت قد حان للتوصل إلى اتفاق".

وأشار إلى أن رؤساء أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية شددوا على أن التأخير والإصرار على مواقف معينة في المفاوضات، "يمكن أن يكلّف أرواح الأسرى".

ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين، أن نتنياهو "وسع الصلاحيات الممنوحة لفريق المفاوضات بشأن صفقة الأسرى في غزة، بشكل طفيف”.


مناورة عسكرية
عدة مرات أعلن جيش الاحتلال الانتقال من مرحلة إلى أخرى خلال الحرب على غزة، كان آخرها في بداية تموز/ يوليو عندما بدأ المرحلة الثالثة من الحرب.

وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، حينها عن انتقال الجيش الإسرائيلي إلى المرحلة الثالثة من الحرب شمال غزة، فيما يواصل عمليته العسكرية في مدينة رفح جنوب القطاع.

وقالت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"؛ إنه "بعد أشهر من القتال، انتقل الجيش الإسرائيلي إلى المرحلة الثالثة من مراحل القتال الثلاث في جميع مناطق شمال غزة"، موضحة أن "الجيش غادر المنطقة ويقوم بمداهمات هناك، بناء على معلومات استخباراتية، مثل العملية الحالية في حي الشجاعية".

وأضافت: "كما أن هناك مداهمات على مستوى الألوية والكتائب، تهدف بشكل أساسي إلى إخراج المسلحين من مخابئهم، ومن ثم ضربهم وتدمير تشكيلاتهم القتالية فوق الأرض وتحتها، من أجل القضاء على حركة حماس".

وذكرت أنه "بعد الانتهاء من تفكيك أطر حماس القتالية، وتحول التنظيم إلى حرب عصابات، دخل الجيش مرحلة التقويض (..)، بمعنى السماح لحماس بتنظيم صفوفها، ثم ضربها مرارا وتكرارا وخفض وجودها إلى مستوى لا يشكل خطرا على المستوطنات المحيطة بغزة".

ويبدو ذلك ما كان يقصده الكاتب والصحفي الفلسطيني محمد غنامة، أن القصد من إعلان انتهاء العمليات في غزة، هو الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحرب، التي ستشمل بقاء الجيش الإسرائيلي في محوري نتساريم وفيلادلفيا وأماكن أخرى في القطاع؛ من أجل مواصلة الضغط على حركة حماس إذا لم يتم التوصل إلى صفقة تبادل.

وأضاف في منشور على منصة إكس، أن هذه المرحلة تشمل التركيز على عمليات برية محددة مبنية فقط على معلومات استخباراتية، وتخفيض قوات الجيش واللجوء إلى الغارات الجوية.



فوضى "الحرب" مجهولة المصير
وفي خطوة تبدو متناقضة لإعلان المساء، أعلن جيش الاحتلال صباح الجمعة، فرض إخلاءات جديدة في مناطق وسط قطاع غزة، مطالبا النازحين الفلسطينيين بالنزوح مجددا، وذلك في ظل تواصل العدوان الوحشي والتحذيرات الأممية المتكررة حول عدم وجود مكان آمن في القطاع المحاصر.

وطالب جيش الاحتلال الإسرائيلي، الفلسطينيين الموجودين في "حارات شرقي دير البلح، والقرارة، والمواصي، والجلاء، وحمد والنصر، بالإخلاء بشكل فوري".

وجاء الإعلان الإسرائيلي مصحوبا بتعهد جيش الاحتلال باحتياج المناطق المشار إليها في شمال خان يونس وشرق دير البلح، بزعم تنفيذ عمليات ضد المقاومة الفلسطينية.

ويمكن قراءة تخبط قرارات الاحتلال العسكرية من الحرب "بلا أفق" التي يخوضها في القطاع خصوصا أنها باتت باهظة التكاليف، فكل يوم يستمر فيه وجود الجيش بشوارع غزة، يعني أنه يوم صيد للمقاومة وفرصة جديدة سانحة لاستنزاف الاحتلال.

وتعلن المقاومة بشكل يومي عن عمليات تصد لقوات الاحتلال في مختلف محاور التوغل، كما تبث مشاهد حية لتدمير آلياته وقتل جنوده في كل منطقة يتوغل داخلها.

ولعل هذا ما دفع الإقرار بالفشل ليخرج من أفواه المسؤولين الأمريكيين أنفسهم، بعد أن كرره مرارا قادة جيش الاحتلال.

والخميس، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين قولهم؛ إن "احتمالات إضعاف حماس تضاءلت بشكل أكبر"، مبينة أن "إسرائيل حققت كل ما تستطيع تحقيقه على الصعيد العسكري في غزة".

وأوضح المسؤولون أنه "لا يمكن استعادة الرهائن المحتجزين في غزة بالوسائل العسكرية".

وأضاف المسؤولون أن "إسرائيل حاولت إلحاق الضرر بشبكة الأنفاق في غزة، لكنها فشلت في تدميرها"، مبينة أن "شبكة الأنفاق أثبتت أنها أكبر مما توقعته إسرائيل، وهي وسيلة فعالة لحماس".



وفي حزيران/ يونيو الماضي، قال المتحدث باسم جيش الاحتلال، دانيال هاغاري؛ إن "الحديث عن تدمير حماس، هو بمنزلة ذر للرماد في أعين الجمهور، وذلك لأنها مغروسة في قلوب الناس".

وأضاف في لقاء أجرته معه القناة "13" العبرية، منتقدا قيادات الاحتلال السياسية التي تدعو للقضاء على حركة المقاومة، أن "حماس فكرة، ولا يمكنك تدمير فكرة، يجب على المستوى السياسي أن يجد بديلا لها، وإلا فستبقى".
 
وشدد هاغاري على أن الاحتلال "يدفع ثمنا باهظا في الحرب، لكننا لا يمكن أن نبقى صامتين"،  مشيرا إلى أنه "لا يمكن إعادة كل الأسرى بالوسائل العسكرية".

وعلى صعيد الخسائر، فقد ذكرت وزارة حرب الاحتلال أن عدد القتلى من ضباط وجنود في غزة قد تجاوز الـ 700 وفقا للأرقام المعلنة فقط، فيما وصل عدد الجرحى والمعاقين 10 آلاف و56 جنديا جريحا بمعدل ألف جندي كل شهر منذ بدء العدوان.

وبينت، أن "أكثر من 3700 من المصابين يعانون من إصابات في الأطراف، بما في ذلك 192 إصابة في الرأس، و168 مصابا بجروح في العين، و690 مصابا بجروح في الحبل الشوكي، و50 مصابا من مبتوري الأطراف يعالجون في قسم إعادة التأهيل”.