أنهى رئيس النظام
المصري عبدالفتاح
السيسي، عمل مفتي مصر
شوقي علام، بعد 12 عاما قضاها في المنصب لمدة 3 ولايات كل منها 4 سنوات، ليواصل بذلك عملية التخلص من أقدم رجاله في المؤسسة الدينية تباعا، وذلك بعد تغيير مثير للجدل لوزير الأوقاف السابق مختار جمعة، في تعديل وزاري أجراه 3 تموز/ يوليو الماضي.
وبدلا من علام عين السيسي، أستاذ العقيدة والفلسفة الدكتور نظير عياد، مدة 4 سنوات، وذلك بـ"ترشيح من
شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب"، وهي الجملة التي حرصت معظم المواقع والصحف المصرية على التأكيد عليها، في ما يبدو وفق مراقبين، أنها محاولة للفت الانتباه إلى توافق السيسي، وشيخ الأزهر، على رجل دار الإفتاء الجديد، رغم ما بينهما من خلاف علني سابق في قضايا عديدة.
اهتمام كبير في الشارع المصري بالمفتي الجديد، وبمغادرة علام، الذي تلقبه المعارضة المصرية بـ"مفتي الدم"، لكثرة ما أقر من أحكام إعدام من قلب مكتب الإعدامات بالدور الخامس بدار الإفتاء، والتي بلغت وفق تقدير موقع "اليوم السابع" بـ300 قضية إعدام سنويا، بواقع 25 قضية شهريا، وصف حقوقيون السياسية منها بأنها مسيسة.
لكن إنهاء عمله بعدما قدم من خدمات لنظام السيسي، والتخلص منه رغم دوره في ترتيب دولته مدة 12 عاما، دون أن يمد له فترة رابعة، أثار التساؤل حول هدف السيسي من الإطاحة به، وهل هو التخلص من إرث ثقيل وملوث مرتبط بعلام، كما أنه تخلص من إرث ثقيل ملوث لمختار جمعة، بحسب وصف البعض.
كما أن تعيين المفتي الجديد، يثير التساؤل حول هدف السيسي من تعيين أستاذ في الفلسفة والعقيدة، متوافق في التخصص والدراسة الأكاديمية والتوجه العلمي والفكري مع شيخ الأزهر، وليس أستاذا في الفقه، كالمفتي السابق، شوقي علام، أو سابقه علي جمعة.
المفتي الجديد، الذي أثار اسمه الجدل لتطابقه مع أسماء مسيحية في مصر، قال في أول تصريح له: "توليت المهمة خلفا لعالم جليل وسنبني على ما أسسه"، ما دفع البعض لعدم التفاؤل بالرجل الجديد، ودفع البعض للتأكيد على أن دور دار الإفتاء في الفتوى الشرعية انتهى خلال فترة شوقي علام، وأن الأمن يتحكم في كل ما يصدر عنها.
"في مصلحة الأزهر"
لكنّ أكاديميا أزهريا، وعميد إحدى الكليات الأزهرية، والذي أكد على معرفته التامة بالمفتي الجديد، قال إنه "متفائل كثيرا باختيار شيخ الأزهر لعياد"، مؤكدا أن "الأخير قريب جدا من توجهات الشيخ الطيب، الفكرية والدينية، وعلى توافق تام مع الشيخ، في أغلب القضايا التي خاض الأزهر معارك فيها السنوات الماضية مع مؤسسة الرئاسة ومع وزير الأوقاف السابق مختار جمعة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، فضل عدم ذكر اسمه وعمله، وتوقع أن "الفترة المقبلة ستشهد توافقا أكبر بين الأزهر ودار الإفتاء، برغم أن شوقي علام لم يبد عداء مباشرا مع شيخ الأزهر، كما فعل مختار جمعة، الذي مارس كل الضغوط على الأزهر، واتخذ مواقف وزايد على توجهات مؤسسات الرئاسة في موقفها من شيخ الأزهر".
ورغم تفضيله أن يكون المفتي متخصصا في الفقه، لكن الأكاديمي الأزهري، رأى أن "تخصص عياد في الفلسفة والعقيدة، لن يحول بينه وبين الفتوى، فلها ضوابطها المعروفة"، لكنه ألمح إلى أنه برغم أن "شيخ الأزهر أستاذ العقيدة والفلسفة، كان قد تولى الإفتاء مدة نحو عام (2002- 2003) إلا أنه غادرها سريعا ولم يفضل المنصب".
وأكد أن "تخلص مؤسسة الرئاسة من علام، ومن قبله مختار جمعة، لاشك يصب في مصلحة مؤسسة الأزهر".
"سيرة علمية دون ضجيج إعلامي"
ووفق المتداول من سيرة عياد، فإنه حصل على ليسانس أصول الدين في العقيدة والفلسفة عام 1995، ثم الماجستير والدكتوراه بنفس التخصص أعوام 2000، و2003، حيث تدرج في العمل الأكاديمي بأفرع جامعة الأزهر بالمنصورة وكفر الشيخ، توجها بنحو 30 مؤلفا، أغلبها في العقيدة، والفلسفة، وعلم الكلام، والمنطق، والفرق والمذاهب والأديان، والتصوف، عدا كاتب واحد بعنوان "بين الشرع والعرف"، في مجال الفقه.
وفي انتقال لافت من جامعة الأزهر والعمل الأكاديمي، واقتراب مؤثر من مشيخة الأزهر، جرى تعيين عياد بمنصب الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، عام 2019، إلى جانب رئاسة مجلة الأزهر، ذات التأثير الواسع بين الأكاديميين، وصاحبة الدور الهام في الرد على العلمانيين المصريين والملحدين ونفي الشبهات.
ولأن عياد، كان عضوا ببيت العائلة المصرية، التي تجمع الأئمة والقساوسة لحل أزمات الخلاف بين مسلمين ومسيحيين، توالت رسائل التهنئة من الكنيسة الأسقفية والكاثوليكية والإنجيلية، له.
ولعياد، مواقف واضحة من إدانة الاعتداء الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزة، وحرب الإبادة الدموية التي ترتكبها من 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فيما كان آخر ما قاله في هذا الشأن إدانته مجزرة الفجر الأحد الماضي التي راح ضحيتها 100 شهيد فلسطيني، حيث وصفها بأنها "جريمة تعجز لغات البشر عن التعبير عن قسوتها وشناعتها وهمجيتها، وتجرد من كل معاني الرحمة والإنسانية".
"لم يغن عنه"
وبخروج شوقي علام من دار الإفتاء، ينضم إلى قائمة من 4 مفتين سابقين في مصر مازالوا على قيد الحياة، هم: شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والدكتور علي جمعة، والدكتور نصر فريد واصل.
وعبر كثيرون عن ارتياحهم لقرار خروج علام من دار الإفتاء، مؤكدين أن "شوقي علام، مثل مختار جمعة، لم يغنِ عنهما ما كانا يقولانه ويفعلانه شيئا"، معربين عن أمنيتهم بأن "يكون المفتي الجديد أنظف يدا، ولا يخشى في الله شيئا ولا أحدا"، ملمحين إلى مفتي عمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي.
"تهدئة بين الرئاسة والأزهر"
وعبر قناته بموقع "يوتيوب" أشار الشيخ عصام تليمة، إلى أن منصب المفتي كان موقع جدل ونزاع منذ سنوات بين السيسي وشيخ الأزهر، ملمحا إلى أن الشيخ الطيب، كان قد رشح 3 أسماء بعد التشاور مع هيئة كبار العلماء التي كان منوط بها اختيار شيخ الأزهر والمفتي، لكن السيسي، أطاح بهذا الحق، ومدد لعلام مدتين متتاليتين بعد المدة الأولى.
وقرأ تليمة، شيئا جديدا في سياق استجابة السيسي، لترشيح شيخ الأزهر لعياد، كونه أحد المتوافقين مع مشيخة الأزهر في المواقف والقضايا، وكون الشيخ الطيب من أتى به من جامعة الأزهر إلى المشيخة ثم إلى بوابة الفتوى الإليكترونية التابعة للأزهر ثم كأمين عام لمجمع البحوث الإسلامية ثم الإشراف على مجلة الأزهر.
ويرى تليمة، أن "من يقرأ ملف عياد، ومسيرته السابقة يجد أنه ليس له مواقف سلبية تؤخذ عليه، وكلها مواقف علمية، لكن ما هو آت في علم الله، لكن مواقفه متسقة مع الأزهر في قضايا فلسطين والأمة والإصدارات الصادرة عن مجمع البحوث الإسلامية فيها دور علمي جيد، وبعض العلمانيين يهاجم هذا الاختيار لأن مجلة الأزهر تقوم بدور محاربة الإلحاد والعلمانية والتغريب والهجوم على الثوابت".
ويعتقد أن "المؤسسة الدينية أقرب إلى إنهاء النزاعات حيث غادر شوقي علام، وكان على خلاف مع المشيخة، وغادر مختار جمعة وكان لديه دناءة في التعامل مع الأزهر، وأعتقد أن أسامة الأزهري لن يكون بنفس طريقة جمعة الفجة، ولننتظر المواقف".
وخلص للقول إن "استجابة السيسي لشيخ الأزهر بإعفاء شوقي علام، والإتيان بعياد، خطوة أعتقد أنها من باب التهدئة مع الأزهر".
"في ظل العصابة"
وفي رؤيته قال الكاتب والباحث والمفكر المصري عزت النمر، إن "الواقع الذي تعيشه مصر في ظل الحكم العسكري صبغ كل مظاهر الحياة، واحتل وهيمن على كل المؤسسات، وهذا هو النمط الذي يهواه العسكر خاصة في ظل حكم شخص ضيق الأفق كالسيسي".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "السيسي، مفتون بنمط جمال عبدالناصر، في الهيمنة على مفردات الدولة، بأن تصبح كل مؤسساتها وكياناتها ورموزها تسبح بحمده وتسعى في ما يريد".
وأضاف: "وبالرغم من أن ذلك يتجاوز الفارق بين زمن عبدالناصر والإعلام الأوحد، وبين زمن السوشيال ميديا والإعلام المفتوح، إلا أن السيسي والعسكر يستخدمون البطش والإرهاب وحملة المباخر في هيمنة حكم الفرد ورأي الفرد على المشهد المصري في كل أركانه، ومنها بالطبع الشأن الديني والفتوى".
ولفت إلى أن "هذه البيئة هي التي تحكم الفتوى والمفتي، لذلك انتهت فترة شوقي علام بكل ما فيه وفيها من تزلف للسيسي، وبكثرة الإعدامات التي صدق عليها، والتي جعلت منه مفتي الدم بامتياز، فضلا عن سرقته للمقالات بصورة مهينة، إلا أنه في النهاية انتهى دوره لدى السيسي، كما انتهت أدوار كل شركاء السيسي، في القتل والإجرام والإفساد".
وعن نظير عياد المفتي الجديد، يرى النمر، أنه "ليس بعيدا عن هذه البيئة، والرجل ممن لهم ظهور على قنوات دولة الإمارات كقيادة دينية معتدلة، وربما هذا يمهد له الطريق ليستكمل مسيرة المفتي السابق".
ويعتقد أن "الحديث عن ترشيح الأزهر هو أيضا ترشيح بروتوكولي في زمن السيسي، والكلمة الأولى والأخيرة قطعا تكون للأجهزة الأمنية، وربما لتحريات المؤسسات السيادية عن طوع الرجل لمنظومة العسكر وانبطاحه لهوى السيسي، وربما يضيف لاختياره رضى الكفيل الخليجي أيضا".
لا يتصور النمر، أن "يتغير شيء في الواقع، ولن يكون لفرد ولا لمؤسسة ولا لكيان النشوز عن هيمنة السيسي وعسكره، وكون الرجل متخصص في الفلسفة والعقيدة وعلم الكلام، وليس متخصصا في الفقه فهي بالنسبة للسيسي مسألة شكلية لا غير، الأهم منها أنها عمامة تنضبط بإرادة السيسي ومستلزمات المرحلة بالتمرير للأحكام والفتاوى التي يهواها العسكر، لا يهم في ذلك أن تقف عند حد الشرع أو الدين أو تتجاوزهما".
وختم بالقول: "لا أعرف الرجل ولا أتهمه بشخصه؛ غير أنني لا أثق في من يقبل العمل في هذه الظروف وفي من يفرح بالمسؤولية والمنصب في ظل هذه العصابة العسكرية المجرمة، خاصة في من ينتسبون إلى المؤسسة الدينية وما تمثله من حفظ دين الناس، أو وزارة العدل وما فيها من حفظ أرواح الناس وأعراضهم، ومن أسف أن منصب المفتي يجتمع فيها الأمرين".
"اختيار يمثل مفاجأة"
وفي قراءته لاستبدال السيسي، لشوقي علام، برجل مقرب من شيخ الأزهر، قال الداعية الإسلامي الشيخ شعبان أبو بدرية، إن "إقالة شوقي علام مفتي الدم، رغم تماهيه مع السيسي، ونظامه، يعد صورة من صور الصراع بين مؤسسة الرئاسة (العسكر) حاليا ومؤسسة الأزهر، أو بدقة أكثر مع شيخ الأزهر المدعوم من محمد بن زايد كفيل السيسي، والذي يحب شيخ الأزهر لأسباب متعددة".
إمام مسجد الهدى الإسلامي في مينيابولس بولاية مينيسوتا الأمريكية، أشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "اللجنة الدينية في مجلس الشعب المصري عام 2012، كانت قد غيرت قانون اختيار المفتي كمظهر من مظاهر ثورة 25 يناير 2011، وجعلت اختياره في يد هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف والذين يختارون 3 أسماء، يختار منهم رئيس الجمهورية، ليصبح الآن الاختيار في يد الرئيس وحده".
ويعتقد أبو بدرية، أن "التعديل على هذا القانون عُرض على شيخ الأزهر ولجنة كبار العلماء ورفضوه بالإجماع، ورغم ذلك تم إقراره".
وأضاف: "ظن السيسي، أن هذا القانون ربما كان سيدفع شيخ الأزهر للاستقالة، وهو ما لم يحدث، حيث لا يزال شيخ الأزهر إلى حد ما بوصلة أمان أمام شيوخ السلطان مثل علي جمعة وسعد الهلالي وعمر هاشم".
ويعتقد الداعية المصري، أن "السيسي، ورجاله قلقون من شعبية شيخ الأزهر، خارج مصر، والمقابلات الرسمية الحاشدة له بدول شرق آسيا، لذا يسعون لدفعه دفعا للاستقالة".
وعن اختيار المفتي الجديد من رجال الفلسفة والعقيدة وليس من رجال الفقه، قال إن "هذا الأمر سبق به حسني مبارك، حين اختار الدكتور سيد طنطاوي، مفتيا من خارج تخصص الشريعة والقانون".
وخلص للقول إن "الأمر الذى يشغل رجال الأمن الآن هو اختيار رجل متوائم مع السلطة بغض النظر عن تخصصه، والرجل شخصية مجهولة للعوام، لا يظهر على وسائل الإعلام كثيرا، لذلك فهو غير معروف واختياره كان مفاجأة".
وبشأن ما دار من لغط، حول اسم عياد، قال الشيخ أبو بدرية، إن "عائلات عياد في مصر ليست كلها مسيحية، فهناك عائلة عياد مسلمون، واختيار اسم العائلة والتعليق عليه بهذه الصورة أمر لا أقبله، وسيرة الرجل العلمية تقول إنه أزهري قُح، ينتمى إلى مدرسة التصوف شأن كل مشايخ الأزهر".
وختم بالقول: "والأيام حبلى بالأحداث يلدن كل يوم جديدا".