جاءت تصريحات مسؤولي
حزب الشعب الجمهوري بعد اغتيال رئيس الوزراء
الفلسطيني الأسبق ورئيس المكتب السياسي لحركة
حماس إسماعيل هنية الأربعاء الماضي٬ متماهية مع باقي الأحزاب التركية الكبرى ومتوافقة مع الشارع التركي الغاضب من اغتيال رمز المقاومة في طهران.
لكن هذا التماهي يتناقض مع التصريحات السابقة لقادة الحزب الكمالي بعد عملية طوفان الأقصى التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي٬ فقد كان خطاب النقد ووصف حركة المقاومة الإسلامية حماس بالإرهابية هو العنوان الأبرز للحزب الأتاتوركي.
حتى لا نخسر تعاطف الشارع
ففي تصريحات متلفزة، الأربعاء الماضي قال رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور
أوزال، أكبر الأحزاب المعارضة في
تركيا، إنهم حزينون على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.
وقال أوزال "نحن حيثما يوجد عنف، حيثما يوجد موت، نشعر بالحزن لذلك". وأضاف: نحن ندين إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل ضد فلسطين. هجمات حماس التي بدأت في أكتوبر قد أحزنتنا. قُتل أبرياء هناك. لكنهم ردوا على ذلك بقتل 40 ألف شخص".
وتابع: "بالطبع، أولئك الذين يصفقون لنتنياهو في أمريكا هم شركاء في هذه المجزرة لشخص مثل نتنياهو، قاتل الأطفال، قاتل النساء، الشخص الذي يضرب سيارات الإسعاف، يضرب المستشفيات، يرمي النار على الناس في طوابير الخبز، لشخص مجرم ضد الإنسانية، لشخص يرتكب إبادة جماعية".
وأوضح أنه "ربما في المستقبل سيتم الاعتراف بذلك، وسيجبر المجتمع الدولي على قبول ذلك عاجلاً أم آجلاً، المصفقين له يجعلهم مسؤولين عن استمرار هذا العنف".
وأكد أن "قتل قائد حماس هو أيضاً عمل عنف، جريمة قتل، ونحن لا نوافق على ذلك أيضاً. أينما يحدث في العالم، كل قطرة دم تسيل وكل دمعة تسقط تمزق قلوبنا".
واختتم حديثه بالقول: نحن حزب ينفذ وصية قائدنا المؤسس (أتاتورك)، نحن نقول السلام في الوطن، السلام في العالم".
ولكن هذا الخطاب وهذه اللغة لم يتكلم بها رئيس حزب الشعب الأتاتوركي في مقابلته مع الصحفي التركي اليميني المعادي للقضية الفلسطينية فاتح ألتايلي٬ فقد هاجم أوزال حركة حماس، ما أثار غضب المواطنين الأتراك بعد أن وصفها بالمنظمة الإرهابية.
وقال أوزغور أوزال: "حماس تسقط قنابل على الأبرياء في منتصف الليل بالبالونات ومناطيد زبلين ولا أعرف ماذا أيضا".
وأضاف زعيم المعارضة التركية أنه يصر على تصريحاته رغم ما يتعرض له من انتقاد واتهام، قائلا: "ما فعلته حماس عمل إرهابي.. حماس ألقت قنابل على يهود نائمين في منتصف الليل".
وأثارت تصريحات أوزال غضب المواطنين الأتراك الذين عبروا عن غضبهم تجاه تصريحاته تجاه المقاومة الفلسطينية، مؤكدين أن التصريحات تشويه لحق الدفاع عن النفس للشعب الفلسطيني الذي احتلت أراضيه منذ سنوات، وتبرئة للاحتلال.
ولم تكن هذه هي التصريحات الوحيدة لرئيس حزب الشعب٬ ففي 2 آذار/ مارس الماضي، هاجم أيضا أوزيل، حركة حماس، وفي مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع وصفا إياها بالتنظيم الإرهابي، واعتبر عدم تصنيفه بالتنظيم الإرهابي في تركيا أمراً مثيراً للعار.
في الفيديو الذي انتشر بشكل كبير قال أوزيل: "نرفض رفضاً قاطعاً عدم قبول أردوغان حماس كتنظيم إرهابي.. هذا أمر مثير للعار جداً.. نعتبره مثيراً للعار بالنسبة لتركيا، فحماس تنظيم إرهابي".
لم يتوقف حديث أوزيل عن حماس في هذا الجانب، بل سبق أن قال في كلمة له قبل أيام، إن مقاومة حماس للاحتلال هي إرهاب، ووصف الإبادة الجماعية الإسرائيلية بأنها قوة غير متناسبة.
وقد أضفى أوزيل الشرعية حرفياً على هجمات إسرائيل المحتلة بقوله: "ردت إسرائيل بشكل غير متناسب على الهجمات الإرهابية التي نفذتها حماس".
لم يقتصر الأمر على رئيس الحزب٬ بل إن رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أغلو٬ والمرشح المحتمل لحزب الشعب في الانتخابات الرئاسية القادمة٬ رد على وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس٬ الذي استهدف وسخر في منشور له من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والعلم التركي.
وقال إمام أغلو لكاتس: "أرد إليكم بالضبط بهذا التصريح الذي يهين علم الجمهورية التركية ورئيسها".
وأضاف في منشور عبر حسابه على منصة إكس الجمعة: "لن نتعلم الديمقراطية والقانون من شخص تلطخت يداه بدماء عشرات الآلاف من الأطفال. نعم، كل شيء سيكون على ما يرام.. عندما تتحرر فلسطين".
لكن هذا المنشور يتنافى مع ما صرح به إمام أغلو الذي جدد ووصف حركة حماس "بالإرهابية" خلال مؤتمر صحفي السبت.
وقال رئيس بلدية إسطنبول إن "تبرير" حرب حماس ضد إسرائيل "لا يمكن الدفاع عنه أبدًا"، مضيفًا: "نحن ندين الأعمال التي تهاجم الأبرياء وننتقد هذا الهجوم باعتباره عملاً إرهابيًا. ولا يمكن أبدًا الدفاع عن هذه الأعمال".
وتتوافق هذه التصريحات لإمام أغلو مع ما قاله في حواره على قناة "سي إن إن إنترناشيونال" التي أعلن فيها رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أن ما قامت به حماس السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي هو عمل إرهابي، وأن أي كيان يقوم باستهداف المدنيين وذبحهم هو منظمة إرهابية من وجهة نظره.
وتصدرت هذه التصريحات العناوين الرئيسية للصحف الإسرائيلية، وأفردت لها وسائل إعلام الكيان المحتل المسموعة والمرئية مساحات واسعة من ساعات بثّها.
رجل الغرب في الأناضول
ويسعى حزب الشعب الجمهوري الذي حقق انتصارا في الانتخابات البلدية السابقة على الحزب الحاكم٬ أن يكون له مواقف تتماشى مع الموقف الغربي الذي يتبناه منذ تأسيسه.
ووفقا للكاتبة المتخصصة في الشأن التركي صالحة علام٬ فإن رئيس بلدية إسطنبول الكبرى يستفيد من الأحداث الإقليمية الجارية لتوضيح موقفه الذي لا يتماشى مع موقف حكومة أردوغان٬ وأضافت "يبدو جليًا أنه يسعى من خلال هذه التصريحات للتقرب من الدول الأوروبية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، بتبني وجهة نظرها حول القضايا الدولية والإقليمية، وإعلانه الالتزام بمسارها حتى وإن تعارض ذلك مع السياسة الخارجية التركية بشكل عام".
وترى الكاتبة ومن خلال هذه التصريحات المسيئة لحماس، "سعى إمام أغلو إلى تقديم نفسه للغرب باعتباره المرشح المثالي لخلافة أردوغان في حكم تركيا٬ كما أراد أن يظهر كخيار أمثل لهم، مؤمنًا بتوجهاتهم، ومتبنيًا وجهات نظرهم، مع السعي لتوجيه السياسة الخارجية نحو الاتجاه الذي يرغبون فيه".
وقالت علام "هدفه من ذلك هو ضمان دعمهم له لتحقيق طموحه في تولي منصب الرئاسة، وإعادة البلاد إلى مرحلة التبعية عبر اتباع النهج الذي يفضلونه٬ كما يسعى لتنفيذ توجهاتهم وتبني وجهات نظرهم والالتزام بتعليماتهم، وذلك لن يتحقق إلا من خلال إصدار تصريحات تتماشى مع مصالحهم وتكسب رضاهم، مما يضمن دعمهم له في معركته المقبلة".
ولكن الضغط الشعبي والمتفاعل مع القضية الفلسطينية وقادة المقاومة يدعوا إمام أغلو وقادة الحزب لانتقاد الاحتلال الإسرائيلي علنا بعض الوقت عندما يكون الموج عليا عليهم.
يذكر أن العلاقات بين تركيا والاحتلال الإسرائيلي توترت بشكل كبير بعد أن أعلنت أنقرة في شهر أيار/ مايو الماضي رسميا قطع جميع العلاقات التجارية مع الاحتلال الإسرائيلي، وشددت على أنه لن يتم التراجع عن القرار إلا بعد ضمان عدم انقطاع إمدادات المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
علاقات تاريخية
ويذكر أن الدولة التركية بقيادة حزب الشعب الجمهوري٬ كانت أول حكومة إسلامية تعترف بدولة الاحتلال الإسرائيلي، في 28 آذار/ مارس عام 1949 بعد أقل من عام على تأسيسها يوم 14 أيار/ مايو 1948، في عهد الرئيس التركي الأسبق عصمت إينونو.
ويعد هذا الاعتراف نسفا لتراث العثمانيين، وبالتحديد آخر سلاطينهم، السلطان عبد الحميد الذي كان حجر عثرة في وجه المشروع الصهيوني الذي بشر به وسعى من أجله المؤسس ثيدور هيرتزل.
ومنذ بداية عام 1950 عينت تركيا سيف الله إيسن مفوضا دبلوماسيا في تل آبيب، حيث كان أول دبلوماسي تركي يقدم أوراقه إلى الرئيس الإسرائيل الأول حاييم وايزمان، قبل أن تتوتر العلاقات لاحقا سنة ١٩٥٥.