في حفل التخرج في جامعة نيويورك أبوظبي في شهر أيار/ مايو الماضي، هتف طالب يرتدي الكوفية
الفلسطينية التقليدية باللونين الأبيض والأسود: "فلسطين حرة" أثناء عبوره المسرح لتسلم شهادته، وهو ما تسبب بإقدام السلطات المحلية على ترحيله عن البلاد.
وتأتي هذه الحادثة في الوقت الذي تحاول فيه
الإمارات الموازنة بين اعترافها الدبلوماسي بـ "إسرائيل" وحرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من تسعة شهور ضد قطاع
غزة، بحسب ما ذكر تقرير لوكالة "
أسوشيتد برس".
وبحسب شهادات جمعتها "عربي21"، لا تعد هذه الحالة الأولى من نوعها، بل إنها تعكس سياسة منظمة تتبعها الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب في الإمارات، من خلال التضييق على المقيمين الفلسطينيين.
حالة اختفاء
تكشف منار (اسم مستعار) أنه جرى احتجاز زوجها لأول مرة لمدة أسبوعين دون أن تعرف عنه أي شيء، وهو ما دفعها للاتصال بالشرطة ووزارة الصحة لتعرف أي أخبار عنه، وجاء الرد أنهم لا يعرفون شيئا.
وتضيف منار لـ "عربي21" أنها عاودت الاتصال بالشرطة بعد مرور عدة أيام على اختفاء زوجها، ليأتي الرد أنه محتجز لدى الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب، مع الرفض بتقديم أي معلومات إضافية.
وتؤكد أنه جرى الإفراج عنه بعد ذلك بعد جولات من التحقيقات وتوجيه العديد من الأسئلة المستفزة، والتفتيش في هاتفه الشخصي، رافضة الكشف عن فحوى هذه الأسئلة لتجنب أي إشارة يمكن أن تكشف هويتها أو هوية زوجها.
احتجاز من المسجد
يقول محمد (اسم مستعار) إنه جرى احتجازه وهو عائد من المسجد بعد أداء إحدى الصلوات، وجرى التحقيق معه والتفتيش عن بعض الأرقام في هاتفه الشخصي تخص بعض الأفراد الذين تعامل معهم بشكل رسمي بحكم طبيعة عمله.
ويضيف محمد لـ"عربي21" أنه لم يعرف يوما أن تخزين أي رقم على هاتفه الشخصي يمكن أي يصبح تهمة أو يعرضه لأي مساءلة قانونية، خاصة أن هذا الشخص كان مقيما بشكل رسمي وقانوني داخل الإمارات ويعمل ضمن شركة معروفة.
ويكشف أن أكثر ما استفزه لم يكن فقط التفتيش في هاتفه ووجود صور خاصة لعائلته عليه، إنما طبيعة الأسئلة التي وجهت له، قائلا: "سألوني عن رأيي في العلاقات الإماراتية الإسرائيلية، وحول إن كنت أتبع حملة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأمريكية الداعمة لإسرائيل".
ويوضح: "أجبت أني مع أي شيء يحفظ أمن البلاد، وأني لا أقاطع المنتجات الإسرائيلية وغيرها، كذبت وأردت بعد المقابلة أن أصرخ بملء صوتي، الإسرائيلي يتحرك بحرية في هذه البلاد بينما يقتل أهلي في غزة وأنا عاجز حتى عن التضامن معهم".
ويؤكد: "صحيح أني ما زلت في الإمارات بعد اجتياز التحقيق الأمني الحالي، لكن لن أبقى، بل سأبحث عن فرصة أخرى في بلاد أخرى وأترك هذا المكان إلى الأبد".
عرض للتعاون
قبل ذلك بسنوات، وحتى قبل
التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، يكشف أسعد (اسم مستعار) أنه كان يشغل وظيفة في شركة معينة ثم تعرض للفصل، وبعدها لم يتمكن من استخراج إقامة حتى بعد حصوله على عقد عمل، وبقي على هذه الحال لعدة شهور.
ويضيف أسعد لـ "عربي21" أنه بعد ذلك تواصل معه شخص من الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب، وطلب منه الحضور من أجل مقابلة، وفيها جرى سؤاله عن العديد من الأشخاص ضمن مجال عمله وهل يعرفهم أم لا.
ويكشف: "طلبوا مني معلومات والكشف عن أي منهم يمثل تهديدا لأمن الإمارات، مقابل تصحيح وضعي القانوني واستخراج الإقامة، طبعا رفضت.. كلهم أشخاص طبيعيون جاؤوا من أجل تحصيل لقمة العيش، إن كان في أفراد أسرتهم أو أشقائهم وأقاربهم أشخاص يعملون في الحكومة أو حتى مع المقاومة فهذا ليس ذنبا أو عيبا، أو على الأقل لم يحصلوا على هذه المعلومات مني".
ويضيف أنه بعد "عدم التعاون" مع الجهات المختصة طلب منه مغادرة الإمارات على الفور، بينما قام أحد معارفه بتسوية أوضاعه الأخرى من إيجار البيت وبيع العفش وغيرها، قائلا: "أعرف الآن من خلال بعض الأصدقاء أن الأوضاع أسوأ بشكل كبير".
سقف الحرية
يقول محمد (اسم مستعار) إنه سمع عن هذه الحملات وحالات الترحيل المتعددة، لذلك هو يحاول تجنب أي تصرف قد يؤدي إلى الانتهاء بالترحيل أو المساءلة.
ويضيف: "من بداية الحرب بدأت مقاطعة المنتجات الأمريكية، وكنت في أحد محلات السوبر ماركت أسأل عن نوع معين من المشروبات الغازية، فرد علي البائع أنها نفدت لكن يوجد كوكاكولا وبيبسي، لأرد عليه: كنت فقط أحب التغيير وتجربة شيء مختلف"".
ويوضح أنه يتوقع الاتصال أو التواصل من السلطات المحلية من أجل مقابلة قريبة، ولذلك فهو يعمل على البحث عن فرصة أخرى وبلد آخر للعمل فيه دون الشعور بالتهديد المستمر والخوف من الترحيل.
"اتصال وتفتيش"
حال مسعود (اسم مستعار) كان أسوأ بكثير من الذين سبقوه، إذ تعرض للتحقيق في أول مرة، وبعد ذلك بأسبوعين جرى احتجازه من مكان عمله وتركه لساعات بدون أي تهمة.
ويقول مسعود لـ "عربي21" إنه وبدون أي مقدمات سُمح له بالتواصل مع زوجته فقط من أجل حجز تذكرة طيران له إلى أي مكان، وتجهيز حقيبته وجواز سفره لمغادرة الإمارات بشكل فوري.
ويوضح: "تقول زوجتي إنه بعد هذا الاتصال وصل بعض الأفراد من السلطات المحلية من أجل تفتيش المنزل، وبعد عدم العثور على شيء سمح لي بالذهاب إلى زوجي وإعطائه حقيبة السفر الصغيرة والباسبور".
ويذكر مسعود أن زوجته تواصلت بعدما عرفت بأمر احتجازه للمرة الثانية مباشرة مع شقيقه، وأخبرته بأمر الترحيل، ليسارع الأخير إلى ترتيب بعض الإجراءات لسفره إلى بلد قريب لحين ترتيب باقي أوضاعهم.
ويكشف أن زوجته بقيت مع طفلهما الصغير لعدة أيام حتى أنهت بعض الإجراءات وإنهاء عقود الإيجار وتصريف العفش، ومن ثم ترتيب أمور سفرها ولحاقها به.