مدونات

دراسة الواقع المصري.. الثورة الرابعة بتوقيت التغيير

انطلقت الثورة الثالثة، ثورة 25 يناير 2011، بدوافع مشابهة لسابقاتها من الثورات؛ الفساد المستشري، والبطالة المرتفعة، والقمع السياسي، وانعدام الحرية والديمقراطية.. الأناضول
‎مدخل يثير الاهتمامات والتساؤلات

في ذكرى ثورة يوليو 52، ثم 25 يناير، والانقلاب عليها بمذبحة رابعة، تمر علينا بعد أيام ذكرى القضاء على آخر اعتصامات الثورة الثالثة، نستذكر فيها تضحيات الشهداء، نحيي ثوار الأمس، ونجسد آمال الغد، ونفتح ملف الثورة الرابعة التي باتت بوادرها واضحة على أفق مصر، فهل حان وقت التغيير؟ أم ستظل مصر أسيرة لقيود الاستبداد والقمع والتدمير؟

استهلال تاريخي.. الثورات المصرية

في عمق الظلام الحالك، ومع ومضات بريق الأمل، ما لم يلفنا ظلام اليأس في كفن العدم، تتلألأ مسيرة شعب بأربعة مسارات: الحرية، العدالة الاجتماعية، الكرامة الإنسانية، المكانة الدولية، ليسطر الشعب المصري ثورة تاريخية بعد انقلاب عسكري، مما أدى إلى دوامة من الأزمات المعقدة التي تفتك بمختلف جوانب الحياة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، القانونية، الدبلوماسية، لذا ألزمتنا بقراءة ودراسة وفهم ومعايشة يوميات ما يواجهه الشعب المصري من ثورات عبر التاريخ، رسمت مسار النضال من أجل الكرامة والعدالة السيادية، سياسية واقتصادية واجتماعية، فنبدأها بالثورة الأولى 1919، ثم الثورة الثانية 1952، والثالثة في 2011.

الثورة الأولى 1919

فثورة 1919 كانت دوافعها الاحتلال البريطاني، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وانعدام التمثيل السياسي، حيث اشتعلت أحداثها بمظاهرات واحتجاجات شعبية واسعة، ثم إضرابات ضخمة، ومواجهات مع قوات الاحتلال، وقد حققت نتائجها بإعلان استقلال مصر، وتشكيل حكومة وطنية، واعتقال زعماء الثورة ونفيهم.

الثورة الثانية 1952

ثم جاءت ثورة 1952 بدوافعها الواضحة للجميع، حيث الهزيمة في حرب 1948، وتردي الأوضاع الاقتصادية، والفساد المستشري، وغياب العدالة الاجتماعية، فكان الحدث انقلابا عسكريّا بقيادة جمال عبد الناصر، لإسقاط الملكية وإعلان الجمهورية، فتأسست جمهورية مصر العربية، حكم الضباط البلاد قرابة الستين عاما، شهدت خلالها انهيارا اقتصاديّا واجتماعيّا.

الثورة الثالثة 2011

انطلقت الثورة الثالثة، ثورة 25 يناير 2011، بدوافع مشابهة لسابقاتها من الثورات؛ الفساد المستشري، والبطالة المرتفعة، والقمع السياسي، وانعدام الحرية والديمقراطية، حيث اشتعل الميدان بعد احتجاجات ومظاهرات شعبية ضخمة في جميع أنحاء الجمهورية، واعتصامات من ميادين الإسماعيلية والسويس والإسكندرية، ثم تمركزت وتمحورت في قلب القاهرة حيث ميدان التحرير، فبدأت بالمطالبة برحيل حسني مبارك والنظام الفاسد، وصولا إلى إسقاط النظام، وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة د. عصام شرف، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، هي أولى خطوات الطريق نحو الديمقراطية المدنية، والتحرر من الحكم العسكري.

 استدلال لدوافع ومنطلقات التغيير

 العيش: المسار الاقتصادي

 البطالة والتضخم

معدلات البطالة بين الشباب تجاوزت 30%، مما يزيد من الإحباط والتوتر الاجتماعي، فإن هذه الفئة المؤثرة تعاني من غياب الفرص الوظيفية، وهو ما يؤدي إلى يأس وإحباط كبيرين، فقد أدى التضخم المتزايد إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والدواء، مما جعل الحياة اليومية صعبة للمواطنين، حيث زيادة أسعار الوقود والطاقة تضيف مزيدا من الأعباء على الأسر الفقيرة والمتوسطة.

الديون الخارجية

تراكم الديون الخارجية لمصر حتى تجاوزت 130 مليار دولار، مما يثقل كاهل الاقتصاد الوطني، ويحد من الاستثمارات في الخدمات الأساسية والبنية التحتية، فنسبة كبيرة من ميزانية الدولة تُستهلك في سداد فوائد الديون، مما يحد من قدرة الحكومة على تحسين الظروف المعيشية للمواطنين.

الفساد المالي والإداري وتبديد موارد الدولة

الفساد المتفشي في جميع مستويات الحكومة، من المحليات إلى الوزارات، يؤدي إلى إهدار الموارد وتدهور الخدمات، فقلة من الأفراد المقربين من السلطة يستحوذون على ثروات البلاد، مما يعمق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، فقد تم بيع العديد من أصول الدولة وممتلكاتها بأسعار زهيدة لمقربين من النظام، أو سداد لقروض تم تحويلها لغير مسارها، أو تبديدها في مشروعات دون دراسات، مما أدى إلى فقدان البلاد لأصول استراتيجية، وإضعاف الاقتصاد الوطني.

الحرية.. المسار السياسي

قمع الحريات

الآلاف من المعارضين السياسيين، والصحفيين، والنشطاء تم اعتقالهم دون محاكمات عادلة، حيث أصبح الإخفاء القسري وسيلة لإسكات المعارضة، تُفرض قيود شديدة على منظمات حقوق الإنسان والجمعيات الأهلية، بما في ذلك منع التبرع لها أو تمويلها، وفرض قيود على أنشطتها.

الانتخابات الصورية

الانتخابات في مصر تفتقر إلى النزاهة، حيث يتم تزييف النتائج لصالح النظام العسكري الحاكم، فالمعارضة تُمنع من الترشح أو تُجبر على الانسحاب تحت الضغط، ثم يستهدف النظام الأحزاب المعارضة بالقمع أو بالاختراق والتوجيه، مما يضعف من قدرتها على المشاركة في الحياة السياسية.

تآكل مؤسسات الدولة
يقف الشعب المصري اليوم، على أعتاب مرحلة تاريخية جديدة في مواجهة أزمات متفاقمة، في المستويات الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، القانونية والدبلوماسية كافة، فالأوضاع الحالية تهيئ الأرضية لثورة شعبية جديدة، قد تكون هي الثورة الرابعة التي تحقق للشعب المصري ما يصبو إليه من عيش كريم، وحرية، وعدالة اجتماعية، وكرامة إنسانية.
تسيس القضاء: القضاء لم يعد مستقلا، بل أصبح أداة بيد السلطة التنفيذية لتصفية الحسابات السياسية، تسيس البرلمان، واستخدامه لتمرير قوانين تكرس القمع وتقييد الحريات، ومواد إعلامية للاستهلاك الإعلامي.

العدالة الاجتماعية.. المسار الاجتماعي

الفقر والتهميش

أكثر من 30% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، والسياسات الاقتصادية الفاشلة أدت إلى تزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث الفئات المختلفة في المجتمع تعاني من نقص في الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، مما يزيد من شعورهم بالتهميش والإقصاء.

تدهور الخدمات العامة

المستشفيات تعاني من نقص الأدوية والمعدات الطبية، مما يؤثر على جودة الرعاية الصحية، فالمدارس تعاني من نقص التمويل والمرافق، وهو ما يؤدي إلى تدهور جودة التعليم وزيادة معدلات التسرب.

الهجرة غير الشرعية

الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، دفعت العديد من الشباب لمحاولة الهجرة غير الشرعية؛ بحثا عن فرص عمل أفضل في الخارج، حيث يعكس حجم الأزمة الإنسانية.

الكرامة الإنسانية.. المسار القانوني والسيادي

الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري

استخدام الإخفاء القسري كوسيلة لقمع المعارضة، أصبح أمرا مألوفا، حيث يُحتجز الأفراد دون محاكمات عادلة، ومن يتم محاكمته منهم تكون المحاكمة أمام محاكم عسكرية، يُحرمون فيها من حقوقهم الأساسية الإنسانية والمدنية، حيث يخلق الإخفاء القسري حالة من الخوف والرهبة بين أفراد المجتمع، مما يحد من النشاط السياسي والاجتماعي.

التعذيب في السجون

تقارير حقوقية تفيد باستخدام التعذيب كوسيلة للحصول على اعترافات قسرية، حيث يُستخدم التعذيب لمعاقبة المعارضين وكبح أي محاولات للتغيير والتصحيح في نظام عسكري يرفض كل ناصح، ويعتقل كل صالح مصلح، فقد تصاعدت حالات القتل خارج إطار القانون، بما في ذلك الإعدام الميداني للمتهمين دون محاكمات، أو بإهمال طبي داخل المعتقلات أو القتل في أثناء الترحيلات.

التهجير القسري

التهجير القسري لسكان سيناء بذريعة مكافحة الإرهاب أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث يُجبر السكان على مغادرة منازلهم وأراضيهم، فتهجير المواطنين من منازلهم وأراضيهم، ثم الاستيلاء عليها لحرمانهم من ممتلكاتهم وسبل العيش الكريم، يزيد من الاستياء والغضب.

انهيار الأمن المائي والزراعي والغذائي

تفاقمت أزمة المياه نتيجة لتراجع حصة مصر من مياه النيل وتأثير ذلك على القطاع الزراعي، حيث السياسات الزراعية الفاشلة والاعتماد على الواردات الغذائية، جعلت مصر عرضة لأزمات غذائية حادة، فبنية الري التحتية تدهورت، وتلوثت مصادر المياه، مما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي وزيادة الاعتماد على المنتجات المستوردة.

 المكانة الدولية والجوار.. المسار الدبلوماسي

 العلاقات مع الجوار

توتر العلاقات مع بعض الدول المجاورة بسبب القضايا الأمنية والسياسية، حيث القضايا الحدودية ومشكلات المياه تُعقد العلاقات الإقليمية، وغياب الدور الدبلوماسي والسياسي الفطن، والسياسات القمعية في الداخل تؤثر على العلاقات مع الجوار، فقد احتلت رفح وغزة والقطاع والضفة الغربية دون حراك تفرضه قيم العدالة وأخلاقيات العقائد والشرائع السماوية.

السياسة الدولية

يحاول النظام الحفاظ على دعم القوى الدولية من خلال الإعلان عن اتفاقيات دولية، محورها التفريط والبيع للأصول، وتبديد موارد البلاد، فقد بدأت بتيران وصنافير، ثم رأس الحكمة، وميناء السويس، الذي سبقه ميناء بورسعيد، وما تسمى الجلالة والعاصمة العسكرية الجديدة (الإدارية كما يطلق عليها الإعلام)، حيث تزايد الانتقادات الدولية لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وتنامي القروض دون سداد، يعرض البلاد لعزلة دبلوماسية، ويؤثر على العلاقات الخارجية.

التأثير الدبلوماسي

تدهور الأوضاع الداخلية أثر على القدرة والقوة الدبلوماسية لمصر، فلا يخلو تحرك من انتقادات لسوء إدارة وفشل اقتصادي وسياسي، محوره المصادرة والاستيلاء، وسجل حافل بانتهاكات حقوق الإنسان.

استشراف ثورة منتظرة من قلب الأزمات المصرية المتراكمة

يقف الشعب المصري اليوم، على أعتاب مرحلة تاريخية جديدة في مواجهة أزمات متفاقمة، في المستويات الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، القانونية والدبلوماسية كافة، فالأوضاع الحالية تهيئ الأرضية لثورة شعبية جديدة، قد تكون هي الثورة الرابعة التي تحقق للشعب المصري ما يصبو إليه من عيش كريم، وحرية، وعدالة اجتماعية، وكرامة إنسانية، حيث إن التحديات كبيرة، ولكن الأمل في التغيير يظل مشتعلا في قلوب المصريين وعقولهم، مؤكدين أن الغد لناظره قريب.