أثارت محاولة اغتيال
الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الحالي في
الانتخابات الرئاسية، دونالد
ترامب، تساؤلات عدة حول تأثير تلك الأحداث على الانتخابات المقرر إقامتها في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم.
ونشرت صحيفة
"
لوموند" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن تأثير محاولات الاغتيال على
الشخصيات السياسية، مشيرة إلى أن محاولة اغتيال دونالد ترامب قد تؤثر على نتائج
الانتخابات الأمريكية المقبلة لصالحه.
وقالت الصحيفة،
في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه مع بقاء أقل من أربعة أشهر عن
الموعد النهائي للانتخابات اتخذت المبارزة بين الرئيس السابق والرئيس المنتهية
ولايته جو بايدن منحى جديدا على أي حال. قبل الهجوم، كان دونالد ترامب يتمتع بتقدم
طفيف في استطلاعات الرأي على منافسه (46 بالمئة مقابل 44 بالمئة، حسب توقعات مجلة
الإيكونوميست). وعلى الرغم من أنه لم يقم أي معهد بنشر دراسات بعد محاولة
الاغتيال، فإن نسب المراهنات ارتفعت فجأة.
من جانبها،
تتوقع منصة المراهنة "بوليماركت"، الأكبر في العالم، أن يتمتع دونالد
ترامب بفرصة 71 بالمئة للفوز بالانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر، بزيادة
11 نقطة مقارنة باليوم السابق للهجوم. ومن جهة أخرى، أكد المتخصص في الشؤون
الأمريكية لوريك هينيتون في مقابلة مع صحيفة "لوفيغارو" أنه "لا
يزال هناك أشهر طويلة حتى 5 تشرين الثاني/ نوفمبر، والتي ستكون مليئة بالأحداث
التي يمكن أن تصب في صالح أي معسكر". فهل سيستفيد دونالد ترامب رغم ذلك من
نوع من هالة الناجي وزخم التعاطف؟ هذا ما تعلّمنا إياه السوابق التاريخية.
رونالد ريغان،
الذي أصبح "غير قابل للمساس سياسيا"
أوردت الصحيفة
أن أحدث مثال على محاولة اغتيال مسؤول سياسي كبير في الولايات المتحدة يعود إلى 30
آذار/مارس 1981. ولا يتعلق الأمر بمرشح بل برئيس منتخب حديثا: رونالد ريغان. عندما
عاد إلى سيارته بعد إلقاء خطاب في فندق هيلتون في واشنطن، تعرض رئيس الدولة لإطلاق
النار بين الحشد الذي كان يرحب به خارج المبنى. أصيب رونالد ريغان في جانبه الأيسر
جراء ارتداد الطلقات، ونجا من الموت لكنه أصيب بثقب في الرئة ونزيف داخلي قضى
بسببه 13 يوما في المستشفى.
وعلى الرغم من
أن الظروف تختلف بوضوح عن تلك التي عاشها دونالد ترامب، إلا أن الرئيس ريغان تمكن
من تحويل هذه المأساة إلى انتصار سياسي. خلال أول خطاب علني له أمام الكونغرس،
تلقى تصفيقا من الحزبين لعدة دقائق. وحتى رئيس مجلس النواب الديمقراطي تيب أونيل
قال مادحا: "لقد أصبح الرئيس بطلا. لا يمكننا الجدال مع رجل يتمتع بشعبية
مثله".. وبعد مرور ثلاثين سنة على هذه الواقعة، قال ديفيد برودر، الصحفي
السياسي الشهير في صحيفة واشنطن بوست: "منذ تلك اللحظة فصاعدا، أصبح ريغان
غير قابل للمساس سياسيا".
في ذلك اليوم،
تمكن رونالد ريغان من "توطيد الروابط مع الشعب الأمريكي (...) لأنهم رأوا
شخصا أصيلا"، على حد تعبير كاتب سيرة ريغان، لو كانون. على الأقل لفترة من
الوقت: وبينما كانت شعبيته قد بلغت ذروتها عند 73 بالمئة بعد إصابته، انخفضت إلى
42 بالمئة خلال فترة الركود التي بدأت... بعد أربعة أشهر.
وفي حالة ترامب
"يجب ألا ننسى أن الناخبين الأمريكيين لديهم ذاكرة قصيرة، وفي الأسبوعين
الأخيرين قبل التصويت تكون لتحركات الرأي التأثير الأكبر على النتيجة
النهائية"، كما يؤكد لوريك هينيتون.
جايير
بولسونارو، الفائز في الانتخابات الرئاسية البرازيلية
أضافت الصحيفة
أنه في 6 أيلول/ سبتمبر 2018، تعرض جايير بولسونارو للطعن في البطن وسط حشد من
الناس شمال ريو دي جانيرو، بينما كان يقوم بحملته الانتخابية ليصبح رئيسا. دخل
الرجل الملقب بـ"ترامب المناطق الاستوائية" إلى المستشفى وهو في حالة
حرجة، وخضع لثلاث عمليات جراحية ولم يغادر المستشفى إلا بعد 23 يوما. طوال الفترة
المتبقية من الحملة، تجنب جميع المناقشات والاجتماعات العامة رسميا بناء على نصيحة
أطبائه.
كان بولسونارو
يتصدر بالفعل استطلاعات الرأي في اليوم السابق لمحاولة اغتياله. ووفقا لاستطلاع
للرأي نُشر في 5 أيلول/سبتمبر 2018، حصل على 22 بالمئة أي أكثر بحوالي 10 نقاط من
أقرب منافسيه، سيرو جوميز، مرشح حزب العمال الديمقراطي. ومع ذلك، فإن هذا
الاستطلاع نفسه جعله الخاسر في الجولة الثانية أمام جميع المنافسين الآخرين. لكن
بعد أربعة أيام من تعرضه للطعن، ارتفعت نسبة تأييد المرشح الشعبوي إلى 30 بالمئة
من نوايا التصويت. وحصل في النهاية على 46 بالمئة من الأصوات في الجولة الأولى،
و55 بالمئة في الجولة الثانية.
لكن، هل محاولة
اغتياله هي التي أوصلته إلى السلطة؟ على الرغم من أنها ربما ساهمت في ذلك، فينبغي
أيضا البحث في أسباب تتعلق بمنافسيه. في 30 آب/أغسطس، تم إبطال ترشيح منافسه
الرئيسي، الرئيس السابق (الذي أعيد انتخابه سنة 2022) لولا. ورغم الحكم عليه
بالسجن 12 سنة وسجنه منذ أبريل/نيسان 2018، إلا أن الأخير كان على رأس نوايا
التصويت في ذلك الوقت. ولا يتمتع بديله فرناندو حداد بمكانة لولا، كما أن اليسار
البرازيلي منقسم حول عدة مرشحين. ووصل حداد أخيرا إلى الجولة الثانية، لكنه لم
يستطع حشد الدعم الكافي لمنع انتصار بولسونارو.
روبرت فيكو "المثال المضاد"
في أيار/مايو
الماضي، نجا رئيس الحكومة السلوفاكية من محاولة اغتيال، حيث أصيب بأربع رصاصات
أطلقت من مسافة قريبة. لكن هذا الحدث الدرامي لم يكن لصالحه سياسيا.
بعد العملية،
انطلق روبرت فيكو في الحملة الأوروبية، داعمًا حزبه "سْمير – الديمقراطية
الاجتماعية"، الذي واجه منافسة جدية من حزب المعارضة الرئيسي، سلوفاكيا
التقدمية. واستغل رئيس الوزراء الهجوم عليه بالكامل، واتهم المعارضة السلوفاكية
بإثارة الكراهية ضده وطالب بالانتقام. وبدا أن هذا الخطاب نجح لبعض الوقت، مع
ارتفاع استطلاعات الرأي التي وضعت حزبه في المقدمة على منافسه، قبل أيام قليلة من
الانتخابات.
لكن في النهاية،
فشل حزب "سْمير" حيث احتل المرتبة الثانية بعد "حزب سلوفاكيا
التقدمي" بنسبة 24.8 مقابل 27.8 بالمئة. وبالتالي، فإن تأثير
محاولة الاغتيال
لم يلعب دورا هنا. لكن من الواضح أن الوضع مختلف عما عاشه دونالد ترامب، إذ لم يكن
روبرت فيكو يسعى للحصول على أي منصب في الانتخابات الأوروبية.