صحافة إسرائيلية

مقارنة إسرائيلية بين حربي 1973 وطوفان الأقصى.. القوة العسكرية ليست وحدها الحلّ

طوفان الأقصى سبب صدمة مفاجئة غير مسبوقة للاحتلال في تاريخه- الأناضول
في الوقت الذي تزامنت فيه الذكرى الخمسون لحرب أكتوبر 1973 مع هجوم طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، شاع انطباع بين الإسرائيليين مفاده أن القوة العسكرية وحدها لا توفر الأمن لهم، ومن هنا تم تمهيد الطريق لاتفاقية فصل القوات المصرية والسورية عن الإسرائيلية عام 1974، مما قد يكرر الأمر ذاته مع حماس هذه المرة في غزة.

إيهود عيران عضو معهد "ميتافيم" للدراسات الشرق أوسطية، ومحاضر العلاقات الدولية بجامعة حيفا، ذكر أن "خمسين عاماً ويوماً مرّ على الهجوم المصري على دولة الاحتلال عام 1973، حتى تفاجأت فيه مجددا هذه المرة من الجبهة الجنوبية مع غزة في أكتوبر 2023، مع العلم أن ما تكرر ليس التاريخ فحسب، بل السلوك السياسي والعسكري أيضًا، وكما كان الحال في عام 1973، وكذلك في 2023 أيضاً، فقد أدى العمى السياسي لقادة الاحتلال إلى شعورهم بالرضا عن الذات إلى حدّ الغرور".

وأضاف في مقال نشرته صحيفة معاريف، وترجمته "عربي21" أنه "كما حدث في 1973، فقد أدى شعور جيش الاحتلال المفرط بالثقة بالنفس إلى التهام العدو له، وكما كان الحال في ذلك الوقت، فاتت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الكثير من المعلومات التي تنبّأت بالهجوم المصري السوري الوشيك".


وأشار إلى أن "أوجه التشابه بين حرب أكتوبر 1973 وهجوم أكتوبر 2023 لا تنتهي عند هذا الحد، لا سيما التحرك البطيء للعقلية الإسرائيلية في السنوات التي تلت حرب الغفران، وفهمها المتأخر لحدود القوة العسكرية، والقناعة التي بدأت تنتشر في الأوساط العسكرية والسياسية ومفادها أن الضربة القاسية التي تلقاها الاحتلال آنذاك جعلت الرأي العام يدرك أن القوة العسكرية وحدها لا توفر الأمن، مما مهّد الطريق لاتفاقية فصل القوات عام 1974 والاتفاق المرحلي عام 1975".

وأوضح أنه "كما هو الحال الآن في 2024، فإن الهدف المعلن المتمثل بالقضاء على حماس في غزة غير ممكن التحقق، وهذا اعترافات شملت تقريبا مختلف الرتب العسكرية، وهكذا نفهم أيضًا الأحداث في الشمال مع لبنان، فالأوضاع تزداد سوءًا، ورغم القوة العسكرية، فإن جيش الاحتلال غير قادر على توفير الأمن لمستوطني الشمال، ولا يزال يجري إجلاء عشرات الآلاف، فيما تواصل مسيّرات حزب الله وصواريخه الإضرار بالمستوطنين وممتلكاتهم".

وأكد أنه "في ظل هذه الظروف يظهر البديل السياسي المتمثل بوقف القتال في غزة كجزء من صفقة تشمل إعادة المختطفين، مع أن حزب الله أعلن أن انتهاء القتال في غزة سيضع نهاية لهذه الجولة من القتال في الشمال، وبالتالي فإن استمرار القتال قد يجرنا إلى حرب شاملة معه، سيكون ثمنها باهظاً جداً على الجبهة الداخلية، وفي النهاية ليس واضحا على الإطلاق أننا سنتمكن من تحييد تهديده".

وأضاف أن "هذا يعني أنه إذا لم تنته الحرب في الجنوب مع غزة، فلن نتمكن من التوصل إلى اتفاق في الشمال مع لبنان، وإذا لم نتوصل إلى صفقة للإفراج عن جميع المختطفين فلن نتمكن من استعادتهم، وهذه نتيجة ليست سهلة الهضم على الإسرائيليين، لكن لا بد منها، لأن الواجب الأساسي للدولة تجاه مواطنيها هو إزالة التهديد من الجنوب، حتى لا يتكرر هجوم السابع من أكتوبر مرة أخرى، رغم أنه لا تزال قطاعات من الجمهور ترغب بالانتقام من أحداث ذلك الهجوم".


وأشار إلى أن "التهديد الذي يشكله حزب الله في الشمال لن يختفي، ومستوطنو الشمال يطالبون بأن يتوقف عن تشكيل تهديد لهم، لكن التقييمات العسكرية الأكثر أهمية على الحدود في الجنوب والشمال جزء من الجواب، فالجيش وحده لن يؤدي لتحقيق هذه الأهداف، لأن الغزو العسكري الإسرائيلي إلى لبنان سيحمل تكاليف باهظة، ليس فقط بالنسبة للجنود، بل أيضاً بالنسبة للإسرائيليين العاديين، وعلاقاتنا الخارجية، وفي ظل هذه الظروف، يتعين على الدولة أن تعيد النظر في أهدافها الكاملة من الحرب الحالية".

وأكد أنه "في حرب 1973 كان التركيز العام منصبًا على النتائج العسكرية، ومن مسافة بعيدة فقط، ومع مرور السنين، أصبح من الواضح أن الاحتلال حقق أخيرًا هدفه النهائي من خلال الوسائل السياسية، عبر اتفاق سلام مع دولة عربية، هي مصر، رغم أن بعض الأهداف العسكرية، مثل طرد جيشها من الجانب الشرقي لقناة السويس لم يتحقق".

تنضم هذه السطور إلى مقالات وتحليلات سابقة تدفع كلها باتجاه وقف العدوان على غزة، والذهاب إلى حل سياسي لإنهاء حالة لجوء مستوطني الجنوب والشمال، وإعادة المختطفين عبر صفقة تبادل، على اعتبار أن انتهاء القتال في غزة سيعيدهم إلى ذويهم، ويمهّد الطريق لتحقيق الاستقرار في الجبهة الشمالية، لأن هناك أهدافا وسيطة لا يتم تحقيقها دائمًا، وهذه فقط واحدة من الدروس التي بدأ الاحتلال ونخبه السياسية بتعلمها من أيام حرب 1973، ومفادها أن القوة العسكرية ليست وحدها هي الحل.