أثار مقطع مصور
لمجموعة من السياسيين
المصريين وقيادات بحزب الوفد المصري من داخل مقر الحزب
العريق في العاصمة القاهرة، وهم يتفقون على صفقة "تهريب آثار" مصرية،
جدلا واسعا ونزل كالصاعقة بين الأوساط السياسية.
وظهر في المقطع
المنتشر مجموعة من قيادات الحزب، هم اللواء سفير نور، وأحمد جمعة، وعبد الوهاب محفوظ،
والثلاثة من مساعدي رئيس
حزب الوفد عبد السند يمامة، أثناء اتفاقهم والحديث عن "الصفقة".
وصف الإعلامي
المعارض أحمد عطوان، الفيديو المسرب من داخل قاعة الهيئة العليا لحزب الوفد والمتداول
حاليا ونشره موقع "أخبار الغد" وبعض المواقع الأخرى ويكشف تورط 3 قيادات
من حزب الوفد في تجارة الآثار بأنه "مهزلة سياسية وجريمة جنائية".
"تهوين الحزب.. وتهاون الأمن"
الحزب المحسوب على
المعارضة المصرية والأقدم تاريخيا في البلاد منذ عام (1919)، قرر فصل العضوين سفير
نور وعبد الوهاب بركات، وإحالة الواقعة للنيابة، لكن في بداية الأمر حاول مسؤولوه
التقليل من الواقعة بالقول لبرامج "التوك شو"، مساء الثلاثاء، إن
"الفيديو قديم، وتم تصويره قبل نحو 13 شهرا، ومن ظهروا بالمقطع عضوان عاديان
وليسا قيادات ولا أعضاء هيئة عليا".
بل إن رئيس الحزب
عبد السند يمامة، زعم أن فيديو الاتفاق على تهريب الآثار هو "مكايدة من أحد
الأشخاص المأجورين على مواقع التواصل لضرب الحزب"، مدعيا أن "صورة سعد
زغلول (مؤسس الحزب) في فيديو الآثار مختلفة عن الصورة الموجودة في مقر الهيئة
العليا".
من جانبها، قررت
وزارة الداخلية فحص المقطع فنيا، فيما طالب مصريون الوزارة بالقبض على من ظهروا
بالمقطع المسرب، وإحالتهم للمحاكمة، وإن كان محامون يرون أنه لو تمت محاكمة الشخصيات
الثلاث فإن القضية ستفضي إلى لا شيء، لوجود خطأ في الإجراءات، كون التسجيل تم
بدون إذن النيابة العامة.
"ذوو الياقات البيضاء"
ووفق مراقبين
ومتابعين، فإن المقطع الذي لاقى انتشارا واسعا خلال الأيام الماضية، يؤكد أن تجارة
الآثار في البلد الذي يمتلك ثلث آثار العالم، وصاحب التاريخ الممتد عبر الحضارات
الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية، أصبحت عملا لسياسيين
وبرلمانيين ورجال أعمال وأسر مسؤولين سابقين في الدولة، وأنهم ممن يزايدون على
فقراء المصريين شكواهم من الغلاء، ويدعون حب الوطن.
وفي منتصف 2021،
جرى توقيف رجل الأعمال حسن راتب -أفرج عنه نهاية حزيران/ يونيو الماضي-،
والبرلماني السابق علاء حسانين بتهمة تجارة الآثار في مصر، وتهريبها إلى الإمارات
مع الحديث عن تورط السفير الإماراتي السابق في القاهرة حمد سعيد الشامسي.
وكانت
"
عربي21"، قد حصلت في كانون الأول/ ديسمبر 2023، على وثائق رسمية من
تحقيقات النيابة المصرية، تثبت وجود اسم السفير الإماراتي بقضية الآثار الكبرى
بجانب راتب وحسانين، مع ذكر لشخصية كبيرة هامة رفض راتب كشف هويتها، بالإضافة إلى
رئيس جهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة المصرية.
وفي مايو/ أيار
2018، جرى الكشف عن تورط الممثل بطرس رؤوف غالي، شقيق وزير المالية المصري الأسبق
يوسف غالي، ونجل شقيق الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي، مع دبلوماسيين
إيطاليين، حيث ضبطت السلطات الإيطالية 22 ألف قطعة أثرية مصرية نادرة بحاويات
دبلوماسية بميناء سالرنو قادمة من ميناء الإسكندرية، ما أشار حينها لتورط مسؤولين
مصريين.
ومن آن إلى آخر
تتفجر قضية تهريب آثار مصرية في بلد أوروبي بينها فرنسا التي تقوم منذ أيار/ مايو
2022، بمحاكمة الرئيس السابق لمتحف اللوفر في باريس (2013 – 2021) جان لوك
مارتينيز في اتهامات بالتآمر لإخفاء أصل الكنوز الأثرية التي ربما تكون قد سرقت من
مصر.
وفي نهاية العام
2021، تفجرت إحدى أكبر قضايا تهريب الآثار المصرية، بتهريب 586 قطعة آثار على يد
أمريكي و11 مصريا، داخل مطار جون كينيدي بأمريكا.
ورغم أن المسؤولين
المصريين ليس لديهم إحصاء موثق لعدد القطع الأثرية المهربة للخارج نظرا لعمليات
البحث والتنقيب غير المقننة وغير المعروفة، إلا أن هناك حديثا عن أكثر من مليون
قطعة سرقها مهربون وتجار آثار ومكتشفون وبعثات تنقيب ودبلوماسيون وسياسيون أجانب،
موجودة بأكثر من 50 متحفا دوليا، أهمها ببريطانيا وأمريكا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا
وروسيا، إلى جانب ما تتداوله معارض الآثار في أوروبا وأمريكا وغيرهما.
وبعيدا عن الآثار
المهربة نتيجة التنقيب غير الشرعي، إلا أنه وفي كانون الثاني/ يناير 2019، اعترفت
وزارة الآثار أن 32 ألفا و638 قطعة أثرية اختفت من مخازن وزارة الآثار المصرية على
مدار عدة عقود، ما يشير لتورط مسؤولين مصريين.
وفي آب/ أغسطس
2017، أكد الأمين العام لجمعية الأثريين العرب الدكتور
محمد الكحلاوي، أنه خلال
الفترة من (2011 وحتى 2016) تمت سرق قرابة 30 بالمئة من آثار مصر، مؤكدا أن
"هناك عصابات منظمة تضم بعض المسؤولين الكبار التي تعمل على بيع آثار الدولة
المنهوبة لحسابها الخاص".
السؤال الحاضر
هنا، في أذهان السياسيين والمعارضين للنظام، هو كيف حولت سياسات السيسي بعض
السياسيين ورجال الأعمال والمعارضة الصورية إلى شخصيات مستأنسة تبحث عن مصالحها
الاقتصادية والمالية وتتاجر فيما تبقى من مصر، كما يفعل السيسي، ببيع الأصول
العامة والشركات الحكومية والأراضي الاستراتيجية؟
"خلفها قيادات وجهات وأجهزة"
وفي رؤيته، قال
السياسي المصري الدكتور ثروت نافع: "مما لا شك فيه أن عملية تهريب الآثار
المصرية القديمة عملية ممتدة ومتصاعدة لكل أنظمة ما بعد 1952".
عضو لجنة الدفاع
والأمن القومي والعلاقات الدولية بالبرلمان المصري سابقا، أضاف في حديثه
لـ"عربي21": "ومما لا شك فيه أيضا أنها مدعومة من بعض القيادات،
وربما بعض الأجهزة التي تحظى بحصانة ما".
وأوضح أن
"عمليات تهريب الآثار ليست بهذه السذاجة ولا السهولة حتى تخرج من مصر وحدود
مصر؛ ولذلك لا بد أن يكون وراءها جهات أو شخصيات كبيرة جدا تدعمها".
ولفت إلى أن
"ما يثبت هذا التكهن، أيضا، أن كل من يتم القبض عليه -لا يمثلون الشريحة
الأعظم مما يتم تهريبه- يتم الإفراج عنهم بعد فترة قصيرة أو العفو عنهم ولا أفهم
كيف نعفو عمن هرب آثار مصر وتاريخها".
وختم بالقول:
"لذلك لم يكن لدينا دليل مادي عمن وراء هذه الحوادث والسرقات؛ لكن كل
الدلائل والقرائن تشير إلى أن خلفها حصانة ما كبيرة داخل هذه الأنظمة المتعاقبة
منذ 1952".
"على طريقة رب البيت"
من جانبه، عبر
الناشط المصري المعارض، سعيد عباسي، عن فضيحة تجارة الآثار في حزب الوفد، بذكر بعض
الأمثال الشعبية التي تشير لتورط رئيس النظام قبل تورط أعضاء حزب الوفد، حيث قال:
"المال السايب يعلم السرقة، وحاميها حراميها، وإذا كان رب البيت بالدف ضاربا
فشيمة أهل البيت الرقص".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، أوضح أنها "أمثال شعبية مصرية؛ تدل على عنوان
الأحداث"، مؤكدا أن "السيسي الذي جمع ويجمع ما غلا ثمنه من أموال، ووضع
يده على مناجم الذهب، والآثار التي هربها إلى الإمارات وإيطاليا وغيرها، جاء الدور
ليعطي القليل لرجالات حزب الوفد".
وأضاف: "أو
رفات حزب الوفد، الذي كان له صولات وجولات، والذي تولى قيادته فؤاد باشا سراج
الدين، والمستشار ممتاز نصار، الذي كان يهتز البرلمان من قوة صوته، ويخيف
المسؤولين".
ولفت إلى أنه
"الآن يسيطر على الحزب بعض لصوص باعوا ضمائرهم بثمن بخس، ويتاجرون في آثار
مصر العظيمة".
وقال: "هكذا
تدار مصر في ظل الانقلاب العسكري، وهكذا يتم تقسيم خيرات مصر وثرواتها على اللصوص؛
فالآن أصبحت مهمة المسؤولين السياسيين نهب مصر وخيراتها وتاريخها، حيث لا حسيب ولا
رقيب".
وتساءل:
"رئيس الحزب الذي أدى دور المحلل في مسرحية انتخابات هزلية أمام قائد
الانقلاب، ليضفي شرعية وهمية، هل ينال نصيبه من الكعكة؟، وليذهب تاريخ مصر وآثارها
إلى الجحيم من وجهة نظرهم".
وخلص للقول:
"قلنا ومازلنا مرارا وتكرارا إن كل يوم وكل دقيقة وكل ثانية من عمر هذا
الانقلاب هو دمار لمصر وللمصريين"، متسائلا: "إلى متى يصمت الشعب عن هذا
الإجرام؟".
وعبر عباسي، عن
أمنيته بأن "ينتفض الشعب المصري ويستجيب لدعوات تظاهر الجمعة المقبلة 12
تموز/ يوليو الجاري، ولدعوات (حركة ميحكمشي)، وكل دعوات الخلاص من هذا الدمار الذي
يحدث لمصر".
وخاطب المصريين
قائلا بنهاية حديثه: "أفيقوا قبل فوات الأوان؛ فالسيسي لن يبقي لنا وطنا، ولا
خيرا ولن يترك لنا إلا رمادا إن لم نتدارك هذا الإجرام في حق بلدنا، وإن لم يتم
اقتلاع هؤلاء الخونة، فسيلعننا التاريخ وأولادنا وأحفادنا".
"حاشية النظام من الضباع"
وفي قراءته قال
رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" الباحث
مصطفى خضري: "منذ استيلاء السيسي، على الحكم وهناك حالة من الفساد الممنهج
تسري في أوصال هذا النظام".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، أضاف: "ولولا غياب المعلومة الأكيدة لقلنا إنه نظام عميل
مسلط على مصر لهدمها وتسليمها لقمة سائغة لعدوها الاستراتيجي (الكيان الصهيوني)".
وأكد أنه "قد
التف حول هذا النظام حاشية من الضباع تجمعهم صفتان أصيلتان هما الفساد والحقارة،
فانقضوا على مقدرات هذه البلاد، نهشوا أحشاءها وقطعوا أوصالها وشردوا أهلها، ولم يبق هذا النظام على أي رجل شريف في موقع مسؤولية".
وتابع:
"فعاثت هذه الضباع في بلدنا فسادا وإفسادا، بدون وازع داخلي أو رادع خارجي،
حتى ظننا أنهم غضب من ربنا على أهل مصر، ولولا رجاؤنا في الله وحسن ظننا فيه لقلنا
أنهم لن يبيدوا أبدا".
ويعتقد أن
"تلك الحاشية الفاسدة رتبت نفسها دركات كما في نار جهنم، كل درك منهم له مجال
من مجالات الفساد، وحجم مسموح من هذا الفساد لا يتعداه، ومن يخرج عن هذا النظام
الفاسد طمعا أو تذاكيا يتم التضحية به".
ولفت إلى أن
"هذا ما يحدث في قضايا الفساد التي يتهم فيها رجال النظام، فهؤلاء لم يتم
ضبطهم لأن هناك شرفاء في النظام؛ بل لأنهم خرجوا عن المخطط لهم، فاصطدموا بمن هم
أعلى فسادا منهم وأقرب للنظام من دركهم".
"تهريب ضعف المكتشف رسميا"
ووفق ما لدى
الخبير في التحليل المعلوماتي وقياس الرأي العام، من أرقام وإحصائيات حول حجم ما
يتم تهريبه من آثار مصرية للخارج، قال خضري: "لا توجد إحصائية دقيقة لحجم
تهريب الآثار في مصر".
وأكد أن
"هناك قاعدة متداولة بأن ما يتم تهريبه هو ضعف ما يتم اكتشافه بشكل رسمي، فهي
معادلة مخططة سابقا للموارد التي يحصل عليها النظام ورجاله، مع الحفاظ على ماء وجه
النظام أمام المؤسسات الدولية والمجتمع الخارجي".
وعن نسب تورط كبار
رجال الدولة والمقربين من النظام بعمليات تهريب الآثار، أشار إلى أنه "بالنظر
إلى عملاء تجارة الآثار في مصر سنجد أنهم في معظم الأحيان ممثلون لدول وحكومات
وحكام، وتتم عملية التأمين من خلال أجنحة معينة داخل الأجهزة الأمنية".
وخلص في نهاية
حديثه للتأكيد على أن "هذا يعني أن كل إيرادات تلك التجارة تمر من منبع
الصفقة وحتى رأس النظام، ويأخذ كل منهم نصيبه، مع احتفاظ رأس النظام بنصيب الأسد،
وهذا ما يفسر كيفية الخروج الآمن لها".