نشرت صحيفة "
فزغلياد" الروسية تقريرا
تحدثت فيه عن وصول رئيس الوزراء
الهندي ناريندرا مودي إلى موسكو، في زيارة مهمة
لكلا الجانبين في إطار تعزيز العلاقات الثنائية، وفي سياق حل قضايا الأمن الدولي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"
عربي21"، إن موسكو تمنح نيودلهي الفرصة لموازنة سياستها الخارجية، وعدم
الانزلاق إلى إملاءات واشنطن التي تبحث عن أي فرصة للضغط على الصين.
وذكرت الصحيفة أن زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا
مودي إلى موسكو ترتبط بعقد القمة الهندية الروسية السنوية الثانية والعشرين. وهذه
الزيارة ملحوظة أيضًا نظرًا لفوز مودي في الانتخابات البرلمانية ما سمح له بقيادة
الحكومة للمرة الثالثة على التوالي.
ولفتت إلى أن القمة الأخيرة بين الهند وروسيا التي
عقدت في كانون الأول/ ديسمبر 2021 في نيودلهي، ترتب عليها توقيع 28 مذكرة تفاهم
واتفاقية وإصدار القادة بيانًا مشتركًا بعنوان "الشراكة الهندية الروسية من
أجل السلام والتقدم والازدهار".
ووفقًا لوزارة الخارجية الهندية فإن الأطراف سيناقشون خلال
القمة في موسكو جميع القضايا الثنائية بما في ذلك الدفاع والتجارة والاتصالات
والاستثمار والتعاون في مجال الطاقة والعلوم والتكنولوجيا والتعليم والثقافة.
وبحسب ما صرح به المدير العام الأول لوزارة الخارجية
الهندية فيناي كواترا فإن الموضوع الرئيسي سيكون اختلال التوازن الذي نشأ في
التجارة بين الهند وروسيا.
وأشار كواترا إلى أنه في الفترة 2023 و2024، نمت
التجارة الثنائية بشكل حاد واقتربت من 65 مليار دولار، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى
التعاون الوثيق في مجال الطاقة. في المقابل، بلغت قيمة الصادرات الهندية 4 مليارات
دولار، بينما تقترب الواردات من 60 مليار دولار.
ووفقا لبيانات الجمارك الهندية، فقد زادت التجارة بين
روسيا والهند في الأشهر الأربعة الأولى من هذه السنة بنسبة 10 بالمئة لتصل إلى
مستوى قياسي يناهز الـ23.1 مليار دولار.
وزادت صادرات السلع الهندية بنسبة 21 بالمئة إلى 1.6
مليار، ما سمح لروسيا بالارتقاء من المركز الـ33 إلى المركز الـ29 بين متلقي المنتجات
من الهند.
ويقول الخبراء إن الاجتماع مهم ليس فقط لتعزيز
العلاقات الثنائية، وإنما أيضًا في سياق الأمن الإقليمي. وبالتالي فإن زيارة مودي
إلى روسيا بعد فوزه في الانتخابات ليست عرضية.
وأوردت الصحيفة أن هناك مشاكل في العلاقات بين الهند
والصين، إذ لم يحضر رئيس الوزراء قمة منظمة شنغهاي للتعاون في أستانا.
في هذا الصدد، أورد أليكسي ماسلوف، مدير معهد جامعة
"موسكو" الحكومية للدراسات الآسيوية والأفريقية، أنه من الواضح أن مودي
يحتاج إلى تعزيز نفوذه في المنطقة حيث يمكن لروسيا أن تكون شريكا مهما للغاية.
ووفقا للبيانات الرسمية، فقد غاب مودي عن القمة الأخيرة
لمنظمة شنغهاي للتعاون بسبب انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، والتي أدى فيها
القسم وتولى منصب رئيس الحكومة.
وبحسب مدير مركز منطقة المحيط الهندي بمعهد الاقتصاد
العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أليكسي كوبريانوف،
فإن "هذه الزيارة قرار طال انتظاره، لأن بوتين زار الهند آخر مرة في سنة
2021، بينما زار مودي روسيا في سنة 2019".
بدورها، ذكرت ليديا كوليك الباحثة في مركز الدراسات
الهندية التابع لمعهد الدراسات الشرقية: "لقد تغير العالم كثيرًا في غضون
سنوات قليلة، ولدى زعيمي الدولتين، اللذين يعتمد على مسارهما الكثير في النظام
العالمي الناشئ، ما يجب مناقشته".
أما بالنسبة للتعاون العسكري التقني، فيؤكد كوبريانوف
أنه متوقف الآن، في حين أن "التعاون الاقتصادي مستمر في التطور. على الأرجح،
نتيجة للمفاوضات، سيتم التوقيع على وثائق تهدف إلى تحسين تنظيم التعاون الاقتصادي".
ويرى ماسلوف أن مهمة مودي الأساسية خلال الزيارة
تتمثل في حل مسألة الخلل في العلاقات التجارية. وأضاف ماسلوف: "سيناقش
الطرفان بشكل أساسي جذب الاستثمارات في الصناعة النووية والطاقة. لقد تم بالفعل
تحقيق الكثير في هذا المجال. سيتحدث أيضًا عن إمدادات النفط من روسيا".
ويعتقد ماسلوف أنه ستتم أيضًا مناقشة القضايا في
مجال التعاون العسكري، قائلا: "كان الطرفان على وشك الانتهاء من المفاوضات
بشأن شراء الهند للمعدات العسكرية الروسية، ولكن في اللحظة الأخيرة فشل كل شيء
بسبب الضغوط التي يسلطها الأمريكيون على الهند". وأشار ماسلوف إلى أنه إذا
انتهت المفاوضات، فستكون هذه خطوة جادة من جانب الهند في الابتعاد عن واشنطن.
ونقلت الصحيفة عن كوليك، أنه "سوف يتوسع التعاون
الاقتصادي ليغطي المزيد من المجالات الجديدة. بالإضافة إلى زيادة إمدادات المواد
الخام والمواد غير الخام في كلا الاتجاهين، ستصبح المشاريع الاستثمارية أكثر أهمية
وسيتوسع تدريب وجذب الإطارات الهندية. القضية الأكثر أهمية هي إنشاء بنية تحتية
حديثة وفعالة لممر النقل الدولي "شمال جنوب"، وهو أمر ضروري لأعمال
البلدين بالإضافة إلى مواصلة تحسين نظام الدفع سواء الثنائي أو في إطار مجموعة
البريكس بلس".
ووفقا لتوقعات كوبريانوف، فإنه سيتم خلال الاجتماع مناقشة
قضايا الأمن الأوراسي والدولي، فضلا عن الوضع في أوكرانيا، مشيرا إلى أن ممثل الهند
الذي حضر مؤتمر جنيف حول أوكرانيا لم يوقع على الإعلان النهائي، بحيث تفضل نيودلهي
مشاركة الجانبين في المفاوضات معتبرة أن الأزمة الأوكرانية يجب أن تحل من خلال
الدبلوماسية والحوار.
وأضاف كوبريانوف: "إذا كانت زيارة مودي لموسكو
قبل سنتين تبدو وكأنها تحدّ جريء للغرب، فقد أصبحت في الوقت الراهن منطقية تمامًا
على خلفية الدبلوماسية المكوكية لرئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، فضلاً عن
تصريحات أردوغان والسعوديين".
وبحسب كوليك فإن موسكو ونيودلهي تتبنيان نفس وجهة
النظر لأولوية السيادة الوطنية والحفاظ على الاستقرار في وسط القارة الأوراسية
وخطورة تدخل اللاعبين الخارجيين في القضايا الحساسة المتعلقة بالعلاقات بين الدول
الأوراسية.
وأضافت كوليك: "حتى الصعوبات في علاقات الهند
مع الصين لا تمنع القيادة في دلهي وبكين من العمل على تحقيق الاستقرار والقدرة على
التنبؤ في المنطقة الكلية. إن خطر المواجهة بين الكتلة في آسيا هو أيضًا موضوع
للمناقشات الثنائية".
من جهته، يستبعد كوبريانوف قلق الولايات المتحدة من
التقارب بين موسكو ونيودلهي لأن "الهند تحاول تطوير العلاقات مع كل من
الولايات المتحدة وروسيا في الوقت نفسه"، مضيفا أن "واشنطن هي أحد
الشركاء ذوي الأولوية بالنسبة للهند. لكن روسيا مهمة أيضًا والهند لا تريد جعل
سياستها الخارجية تعتمد على الرغبات الأمريكية، وموقفها هو أن تجد مكانها بين
القوى العظمى".
مع ذلك، يعتقد ماسلوف أن الولايات المتحدة منزعجة من
تطور العلاقات الروسية الهندية، إذ "ينظر الأمريكيون إلى الهند باعتبارها
ثقلًا عسكريًا وتكنولوجيًا وتجاريًا موازنًا للصين، لذلك تبذل واشنطن قصارى جهدها
لتشجيع نقل شركاتها من الصين إلى الهند. وفي حال حدوث هذا في ظل التقارب بين
نيودلهي وموسكو، التي من الواضح أنها غير مهتمة بالصراع في هذه المنطقة، فإن
الولايات المتحدة ستفقد وسيلة خطيرة للسيطرة".
ووفقا لكوليك، فإن شركاء نيودلهي الغربيين يقللون من أهمية
العلاقات الروسية الهندية، ويركزون على الصعوبات القائمة. وقالت كوليك: "خلال
الحملة الانتخابية الأخيرة في الهند، ذهبت الصحافة الغربية إلى حد التوصية علنا
بالتصويت ضد مودي، كما لو أن الأمر لا يتعلق بالهند المستقلة، بل بسياساتها
الداخلية".
وذكرت كوليك أن الهند تعتبر روسيا شريكًا وصديقًا
يمكن الاعتماد عليه، لافتة الانتباه إلى حاجة الشركات الروسية إلى استخدام رأس مال
الثقة هذا بشكل أكثر نشاطًا في أكبر دولة وفي أسرع الاقتصادات نموًا في العالم.