استبقت السلطات
المصرية بعض دعوات التظاهر ضد عبدالفتاح
السيسي، بقرارات حبس واعتقال وأحكام بالإعدام ضد نشطاء ومعارضين ومتظاهرين، ما اعتبره حقوقيون رسالة أمنية شديدة اللهجة موجهة لمنع المصريين من النزول إلى الشارع.
والأحد، 7 تموز/ يوليو الجاري، كشفت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" عن صدور حكم حبس ضابط الصف في القوات الجوية بالجيش المصري حسن صبري (43 عاما) مدة 8 سنوات وعزله من الخدمة، في محاكمة عسكرية أجريت له عقب القبض عليه في مظاهرة غاضبة محدودة طالبت برحيل السيسي، بسبب الغلاء والفقر، في 11 آذار/ مارس الماضي، بحي الدخيلة بمدينة الإسكندرية (شمال غرب).
الشبكة الحقوقية ومقرها العاصمة البريطانية لندن، قالت إن الحكم الذي صدر في أيار/ مايو الماضي، شابه مخالفات قانونية وإخلال بالحد الأدنى من إجراءات المحاكمات العادلة، مشيرة إلى منع الدفاع لقاء المتهم، والحكم عليه بعد أقل من شهرين فقط من القبض عليه، ومحاكمته في جلستين فقط تفصلهما 3 أيام فقط.
وفي حكم قضائي مثير للجدل، يعيد سلسلة أحكام الإعدام المتواصلة منذ الانقلاب العسكري الذي ضرب البلاد وقاده السيسي، منتصف 2013، بحق المصريين وبعد فترة هدوء سابقة؛ قضت السبت الماضي 6 تموز/ يوليو الجاري، محكمة "جنايات أمن الدولة" بإعدام 9 مصريين من بين 43 بقضية "حرس الثورة"، و31 بالسجن المشدد 10 و15 سنة، وثلاثة آخرين بالمؤبد 25 سنة.
وفي موقف لافت ثالث، أمرت "نيابة أمن الدولة العليا" في مصر الأربعاء 4 تموز/ يوليو الجاري، بحبس 12 معارضا مصريا، بينهم الفنان التشكيلي عبدالعزيز السماحي، 15 يوما على ذمة التحقيقات في تهم منها "التمويل والترويج للعنف المستهدف"، و"الانضمام لجماعة إرهابية"، وذلك بعد اعتقالهم وإخفائهم قسريا.
وفي ذات اليوم، ووفقا لـ"المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، جددت "نيابة أمن الدولة" العليا، حبس الطالبين مازن أحمد دراز، وزياد محمد البسيوني، 15 يوما على ذمة التحقيقات في تدشينهما حركة "طلاب من أجل فلسطين"، واتهامها بنشر أخبار وبيانات كاذبة، والإساءة للدولة المصرية، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
والاثنين الماضي، مطلع تموز/ يوليو الجاري، جرى اعتقال دينا مصطفى آدم، زوجة المدير الفني لمنتخب مصر لكرة القدم حسام حسن، بتهم نشر أخبار كاذبة عن انقطاع التيار الكهربائي، والانضمام إلى منظمة منشأة مخالفة للقانون، وذلك إثر نشرها تدوينة ساخرة من السيسي عبر "فيسبوك"، حذفتها لاحقا، ليتم إخلاء سبيلها الثلاثاء الماضي، بكفالة مالية قدرها 5 آلاف جنيه، على ذمة القضية.
وتأتي تلك الأحكام والقرارات من قبل النظام المصري مستبقة ما تسمى دعوة "ثورة الكرامة" التي تطالب المصريين بالخروج والتظاهر ضد السيسي، من كل مساجد مصر، الجمعة المقبل 12 تموز/ يوليو الجاري، ما اعتبره البعض رسالة لمن ينوي التظاهر بأن مصيره سيكون الاعتقال والإخفاء القسري والحبس.
وإلى جانب دعوة تظاهرات الجمعة، انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي بيان يحمل مطالب تظاهرات "طوفان مصر" في 16 آب/ أغسطس المقبل، التي تضم وفق البيان ما دعاهم بالضباط الأحرار من داخل الجيش والداعمين للمظاهرات.
تلك المجموعة تطالب بتنحي السيسي، ورئيس وزرائه مصطفى مدبولي، وتدعو لحل مجلس النواب، والإفراج عن
المعتقلين، وعمل فترة انتقالية يتولاها وزير الدفاع محمد زكي، وتعيين حكومة تكنوقراط.
"فرصة للخلاص أم مصيدة واستدراج"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، جرى سجال بين المؤيدين للتظاهرات ضد النظام، الذين اعتبروها فرصة لإيقاظ الشعب الغاضب، وبين المعارضين للفكرة، والذين أكدوا أنها فخ لاصطياد المعارضين والغاضبين ويزيد فقط من أعداد المعتقلين الذين يفوق الـ60 ألفا، يتكدسون في السجون ومقرات الاحتجاز، وفق تقديرات حقوقية.
وفي أحدث الأرقام، أكدت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، أن "نيابة أمن الدولة العليا" قامت بالتحقيق مع 917 مصريا في النصف الأول من العام الجاري، ممن جرى توقيفهم بمدن وقرى مصر، منذ مطلع كانون الثاني/ يناير الماضي، إلى 30 حزيران/ يونيو الماضي.
وعبر صفحتها على "فيسبوك"، طرحت الناشطة السياسية منى سيف، استطلاعا لآراء متابعيها حول دعوات النزول الجمعة المقبلة في 12 تموز/ يوليو الجاري، وهو ما شهد سجالا بين الرفض والقبول، مع عرض الأسباب في الحالتين، بجانب اتهامات للدعوة بأنها دعوة أمنية مشبوهة، ومطالبات للمصريين بعدم التورط والاندفاع.
وفي رؤيته، طالب الحقوقي المصري أحمد العطار، المصريين بعدم نشر الدعوات المطالبة بنزول المصريين الجمعة المقبل، معتقدا أنها "مصيدة لاعتقال المصريين"، وذلك خاصة مع فشل الدعوات السابقة التي دعا إليها الناشط محمد علي، في أيلول/ سبتمبر 2019 و2020، وغيرها، والتي خلفت وراءها عشرات المعتقلين.
وأكد الممثل المصري المعارض من فرنسا، عمرو واكد، عبر موقع (إكس) أنه مع حق التظاهر، لكنه قال إنه "لا رابح من أي دعوة للتظاهر سوى النظام نفسه"، مضيفا أن "النظام يستدرج الشعب لمواجهة هو الأقوى فيها"، مشددا على أهمية اتحاد المصريين قبل النزول.
وأوضح واكد، أن "علو أصوات النزول مجهولة المصدر في مظاهرات الآن وبسرعة؛ لكي يضرب النظام مشوار (الاتحاد أولا)، ثم ليستبدل شحنة الغضب بشحنة اليأس والخوف من جديد، ونعود إلى النقطة صفر".
وأوضح الخبير والباحث في الشؤون العسكرية محمود جمال، أن "الثورات لا تتم في يوم وليلة، ولتحقيق انتصار في معركة الحرية والتخلص من الاستبداد يجب اتباع سياسة النفس الطويل"، مشيرا إلى أن "التجارب الناجحة التي استطاعت تحقيق انتقال ديمقراطي في عدة دول، دليل على ذلك".
وأكد عبر موقع "إكس"، على ضرورة استمرار الحراك الشعبي لشهور أو لسنوات بوسائل مختلفة حتى يؤتي ثماره، مشددا على أن "الثورة جولات وعمل تراكمي".
ومع ذلك الجدل يثار التساؤل، بشأن ما إذا كان حكم حبس ضابط الصف المتظاهر، وعودة أحكام الإعدام للواجهة، ومواصلة حبس النشطاء والمعارضين، رسالة من النظام لوأد أية محاولات للتظاهر ضده، وحول مدى اعتبار دعوات التظاهر تلك سيفا مسلطا على رقاب المصريين وتزيد من أزماتهم الأمنية والحقوقية.
"حقهم طوال الوقت"
وفي إجابته، قال الحقوقي المصري محمد زارع: "أحكام غليظة وأخرى بالإعدام؛ هذا كلام يرفضه أي حقوقي، وخاصة تطبيق عقوبة الإعدام في القضايا السياسية، ويجب أن ينتهي تماما شبح هذه العقوبة على كل معارض سياسي".
رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، أضاف لـ"عربي21": "وبالنسبة للتظاهر فهو حق من حقوق الإنسان، والدستور المصري ينص على هذا الحق وفق ترتيبات معينة، ولكن لابد من تيسيرها على الناس".
ولفت إلى أن "خروج الناس للتظاهر وطلب تغييرات سياسية هذا حق لأي مواطن، وتصدي الدولة له وقيامها بإجراءات ضد المواطنين وتغليظ الأحكام ضدهم، هذا شيء غير مقبول بالمرة، ودعنا نقول إن الوضع صعب على المواطن، والحكومة وقعت في كثير من الإخفاقات الفترة الماضية اقتصادية وسياسية".
وتمنى الحقوقي المصري، أن "يتحلى الجميع بالعقل"، موضحا أن "المخاطر أكبر من أن يتصورها أحد"، داعيا "الدولة لعمل انفراجة حقوقية ليعبر الناس عن أنفسهم، وانفراجة اقتصادية حتى يتمكنوا من العيش، وفي الوقت ذاته يلتزم الناس بالقانون ويحتجون بدون عنف، وهذا حقهم طوال الوقت".
وفي أمنية ثانية، قال زارع: "أرجو أن يبعد القضاء المصري نفسه عن شبح تسييس الأحكام"، مذكرا بـ"مئات الأحكام التي صدرت في جلسات قليلة ربما وصلت إلى 500 حكما بالإعدام"، معتبرا أنه "شيء غير مقبول بالمرة، وأتصور أن القضاء صحح بعض الأحكام أو ألغى معظمها ولكن كان يجب ألا تحدث من البداية".
ويرى كذلك أن "أي تغليظ للعقوبة الآن غير مطلوب، وفي المقابل مطلوب من الناس احترام القانون، وأن يُقابل ذلك من الدولة والقضاء بعدالة ناجزة تراعي الأوضاع ودون تغليظ للعقوبة".
ويعتقد أن "قضية خروج ضابط الصف للتظاهر، واقعة في حد ذاتها ربما يكون فيها خرق للقانون"، متسائلا: "هل من حق من ينتمي للمؤسسة العسكرية أن يتظاهر أم لا، بغض النظر عن نوع التظاهر؟"، مبينا أنه "كان يجب بحث الموضوع بشكل قانوني أفضل".
وأكد أن "هناك كثيرين تظاهروا في الإسكندرية ضد الإجراءات التي قام بها رئيس الجمهورية، ولذا أتمنى حدوث مراجعة من الدولة، وأن يكون لديها رؤية اقتصادية تنصف الناس أفضل من محاكمة الناس".
وعن قرار التظاهر من عدمه، قال: "الشعب صاحب القرار، بالتظاهر من عدمه أو الخروج في ثورة، والمصري يقدر على حسم أمره كما حسمه في 25 يناير 2011، أو أن تقديره بأن الوقت غير مناسب، ولكن ما يهمني أن يعيش المصري في ظروف اقتصادية وسياسية أفضل في ظل عدالة ناجزة تحترم المواطن وحقوقه".
"لحماية النظام"
من جانبه، قال الحقوقي المصري أحمد العطار: "بالتأكيد النظام المصري، بأجهزته المختلفة يعمل ليل نهار لأجل القضاء على أي دعوات أو تحركات سواء فردية أو جماعية للتظاهر، أو أي خطوة معارضة للنظام".
المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان أضاف لـ"عربي21": "بل إنه يعتبر كل رافضي سياساته التي أضرت بالأمن القومي المصري، مثل (التنازل عن مياه النيل، وجزيرتي تيران وصنافير، وغاز البحر المتوسط، أو حتى التظاهرات الداعمة لفلسطين) أصحابها جميعهم متهمون ويجب اعتقالهم ومحاسبتهم عليها".
ولفت إلى أنه "من أجل ذلك يعمل دائما وباستمرار في فرض حصار أمني صارم على كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعب المصري، وقام بمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، واعتقال من يقوم بنشر أي دعوات للنزول والتظاهر، حتى لنصرة غزة".
وتابع: "فضلا عن اعتقال كل من يقوم كأفراد بالاعتراض والتذمر على الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة، وطليقة حسام حسن نموذج لذلك، أو كجماعات في الشوارع أو المصانع".
وألمح العطار، إلى "دعوات التظاهر بالأزهر الشريف، والإسكندرية دعما لغزة، أو إضرابات العاملين بمدينة المحلة الكبرى (دلتا مصر)، وغيرها من المصانع والشركات ضد أصحاب العمل والمطالبة بمستحقاتهم".
وأكد الحقوقي المصري، أن "فكرة المطالبة ببعض الحقوق مرفوضة من قبل النظام، وإن كانت الدولة ليست طرفا مباشرا فيها، بل واعتقال عدد من العاملين كنموذج لذلك".
وفي نهاية حديثه، أشار إلى أن النظام يقوم أيضا بـ"إصدار أحكام صادمة جدا لا تتناسب مع الجرم؛ كما حدث في واقعة ضابط الصف بالقوات الجوية المصرية حسن صبري، والحكم عليه بالسجن 8 سنوات فقط لأنه تجرأ وتظاهر".
وختم بالقول: "ويقوم بكل ذلك من أجل الحفاظ على رأس النظام وهيكله".