ملفات وتقارير

الفرصة الأخيرة قبل التفكيك.. هل ينجح مؤتمر القاهرة في حل أزمة السودان؟

يعيش في مصر نحو 9 ملايين "مقيم ولاجئ" من 133 دولة يمثلون 8.7 بالمئة من السكان - الأناضول
أثارت استضافة مصر 18 حزبا سودانيا وحركة مسلحة السبت، والأحد بالعاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة)، ضمن "مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية"، لبحث طرق إنهاء الحرب الدائرة في الجارة الجنوبية لمصر منذ 15 نيسان/ أبريل 2023، عدة تساؤلات.

وتأتي على رأس التساؤلات احتمالات نجاح المجتمعين في وضع أطر إنهاء الحرب الدموية التي شردت أكثر من 1.7 مليون سوداني ودفعتهم للهجرة للبلدان المجاورة، ومنها مصر، وأيضا إمكانية فرض قراراتهم على جانبي الصراع؟.

وتثار تساؤلات حول ما إذا كانت القاهرة تبحث عن الأوراق السياسية والاقتصادية والعسكرية للضغط على القوى السودانية أو أطراف الحرب، أو أنها تقدم المؤتمر لذر الرماد في العيون، ولن تعدو مخرجاته نتائج "مؤتمر قمة دول جوار السودان"، الذي استضافته القاهرة، في ذات الشهر من العام الماضي.

وينظر البعض ليرى كيف توازن سلطات القاهرة بين رغبتها في دعم الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وبين رغبات حليفتها أبو ظبي في دعم قوات "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو؟، ولماذا تأخر الدور المصري في جمع الفصائل والحركات السودانية؟، ولماذا غاب الدور العربي عن الأزمة في السودان؟.

"حجم الخطر"
ووفق مراقبين، يبدو أن حكومة القاهرة بدأت في استشعار حجم الخطر الذي يمثله تدفق المهاجرين السودانيين على أراضيها خاصة في ظل معاناة أكثر من 106 ملايين مصري من أزمات مالية واقتصادية ومجتمعية طاحنة وتفاقم نسب التضخم والغلاء والفقر والغضب الشعبي.

وذلك خاصة مع حدوث بعض الأزمات عزاها البعض لتصرفات بعض السودانيين في القاهرة، ما قابلته السلطات المصرية بفرض بعض القيود على أعمال السودانيين ومدارسهم ومحلاتهم، وذلك بالتزامن مع حملة تحريض واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضد تواجد الأشقاء السودانيين في مصر.

وتشهد السودان أسوأ أزمات العصر الحديث، مع اندلاع حرب دموية بين الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الحشد السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو، منذ 15 نيسان/ أبريل 2023، أدت إلى هجرة أكثر من 1.7 مليون سوداني للبلدان المجاورة، ومنها مصر، بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ومنذ انقلاب الجيش السوداني، في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بقيادة البرهان على حكومة الرئيس السابق عمر حسن البشير، (معتقل حاليا)، تصاعدت بشكل مثير أدوار قوات الحشد السريع، في البلد العربي الذي يضم نحو 49.4 مليون نسمة، بحسب مؤشرات صندوق الأمم المتحدة للسكان عام 2024، وبه إمكانيات زراعية تفوق 200 فدان من أجود الأراضي، وينتج نحو 100 طن ذهب سنويا.

 وفي نيسان/ أبريل الماضي، أكد الموقع الرسمي لمنظمة الأمم المتحدة أنه منذ اندلاع حرب السودان وتضاعف عدد اللاجئين السودانيين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر 5 أضعاف، ليصل إلى 300 ألف سوداني، فيما ينتظر نحو 250 ألفا آخرين قرار تسجيلهم.

 ووفق تقرير رسمي لمجلس الوزراء المصري، يعيش في مصر نحو 9 ملايين "مقيم ولاجئ" من 133 دولة يمثلون 8.7 بالمئة من نحو 106 ملايين نسمة هم عدد سكان مصر في الداخل، فيما يمثل السودانيون حوالي 4 ملايين بين مقيم ولاجئ، بحسب تقارير المنظمة الدولية للهجرة.

"خطوة تأخرت"

وفي أولى مهامه الجديدة، بعد توليه منصب وزير الخارجية المصري الأربعاء الماضي، خلفا للوزير سامح شكري، افتتح الوزير بدر عبد العاطي، مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية السبت، بحضور ممثلي القوى السودانية، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، وبعض الدول المعنية.

ووجه وزير الخارجية المصري نحو 20 رسالة إلى المؤتمرين، تدعو لنبذ الخلافات، وتؤكد أن مصر ستظل داعمة عودة الاستقرار للسودان، مشيرا لخطورة الأزمة، وضرورة الوقف الفوري والمستدام للعمليات العسكرية، والتوصل لحل سياسي يستند لرؤية سودانية ودون إملاءات أو ضغوط خارجية، مشددا على وحدة السودان ومؤسساته، ووحدة القوات المسلحة السودانية.

الصحافة المصرية بدت مهمة بشكل لافت بالمؤتمر، حيث قال رئيس وزراء السودان السابق، ورئيس تنسيقية تقدم السودانية عبد الله حمدوك، لموقع "اليوم السابع" المحلي: "نتمنى أن يكون هناك توافق لدى القوى السياسية والوطنية السودانية المشاركة في المؤتمر، وذلك من أجل إنهاء الحرب والأعمال القتالية".

وبرغم أهمية المؤتمر، كونه يجمع هذا الحشد الكبير من الفرقاء السودانيين على ما بينهم من خلافات سياسية، وكون حكومة البرهان أعلنت تثمينها لدور مصر في المؤتمر، إلا أن بعض المحللين السودانيين لم يبدوا تفاؤلا، بما قد يصل إليه المؤتمر من نتائج، لكن عده البعض خطوة على الطريق تحتاج إلى خطوات متتابعة.

"الفرصة الأخير قبل سيناريوهات التفكيك"
ولفت البعض إلى نجاح المؤتمر في "جر بعض القوى المدنية كالكتلة الديمقراطية لمربع ضرورة وقف الحرب في ‎السودان، بعدما كانت هذه القوى داعمة للحرب واستمرارها تحت أي تكلفة في سبيل القضاء على الدعم السريع"، وفق ما قالت عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير سلمى نور عبر موقع "إكس".

وعبر موقع "إكس"، أيضا أعرب عضو حزب المؤتمر السوداني، أيمن عثمان حسن، عن أمنيته بأن "تكون بداية جيدة لإنهاء عذابات السودانيات والسودانيين".



وقال الصحفي السوداني، طاهر المعتصم، إنه "من البيّن أن مؤتمر القاهرة يمثل الفرصة الأخيرة للسودان لكي يظل سودانا أو لا يكون، لكي يكون سودانا متكاملا أو يواجه سيناريوهات التدخل الدولي، أو التفكيك أو التجزئة بسبب الحرب".



"لبنة على طريق طويل"

وفي قراءته، وتعليقه قال الكاتب الصحفي والإعلامي السوداني الدكتور عبد المطلب مكي لـ"عربي21"، : "بالنظر إلى ردود الأفعال السودانية على مؤتمر القاهرة، لاحظتُ أن القوى السياسية جميعها رحبت بالمؤتمر؛ حتى التي امتنعت عن المشاركة عبرت عن امتنانها للجهود المصرية، لكنها اعتذرت بلغة دبلوماسية مرنة عن المشاركة".

الأكاديمي السوداني، رأي في مؤتمر القاهرة، أنه "الأوفر حظا في تهيئة المناخ للحوار، أو على الأقل وضع لبنة على طريق طويل يفضي في النهاية إلى كسر حالة العداء المستحكمة بين الأطراف المتحاربة".

ويعتقد أن "الوضع معقد بلاشك؛ إذ لا يزال (اتفاق جدة) - جمع الجيش السوداني، والدعم السريع في 6 أيار/ مايو 2023- يراوح مكانه لسبب عدم التزام الدعم السريع ببنوده".

وأشار إلى أن "موقف مصر أيضا غامض بدرجة كبيرة تجاه المجازر التي تحدث في السودان، مما يضعف موقفها تجاه طرف مهم في هذه الحرب هو الجيش، وكذلك الضحايا المتضررين من جرائم الدعم السريع".

وبالنسبة للموقف الإماراتي يرى مكي، أنه "مبني على رؤى خاطئة قدمتها دوائر غير مدركة لطبيعة مليشيا الدعم السريع؛ وبالتالي اعتمدت على حليف غير موثوق ومدان أخلاقيا ودوليا، مما يجعل نجاح الدعم السريع في مسعاه أمر في غاية الصعوبة".

ولفت إلى ما اعتبره "قراءة أخرى خاطئة؛ وهي الربط الجزافي بين الجيش السوداني والإسلاميين"، مؤكدا أنه "ربط يؤدي إلى تضليل في المواقف ويزيد من عمق المأساة".

"الحياد السلبي لا يشبه مصر"
وعن ما بيد مصر من أوراق ضغط، قال الصحفي السوداني: "لن تتمكن مصر من الضغط على طرفي التفاوض بموقفها الحالي، رغم استضافتها الكريمة لآلاف السودانيين الهاربين من ويلات الحرب".

ويرى أن "مصر بحاجة إلى اتخاذ موقف حاسم وصريح، لا يهم مع من؛ لكن الحياد السلبي لا يشبه مصر، ولا يخدم مصالحها في السودان".

وختم بالقول: "أعتقد أن الموقف الإماراتي في السودان يضر بالمصالح المصرية ويخدم إثيوبيا ومشروعها الزراعي والمائي التوسعي، الذي باتت أطماعه واضحة في السودان".

"أكثر الأطراف نزاهة"
من جانبه، قال مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية محمد حامد: "بالنسبة لتجمع القوى السياسية السودانية، فإن التي حضر منها للقاهرة هي قوى لا تدور في فلك الجيش السوداني، ومعارضة للجيش السوداني".

الباحث المصري أضاف في حديثه لـ"عربي21": "وبها وجوه ورموز الثورة السودانية، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، وهو يساري التوجه ويرى أن قوات الدعم السريع تحمي الديمقراطية، وتريد أن تنهي الحكم العسكري السوداني، حتى ولو كان ذلك على غير الواقع، وكان مخالفا للشعارات التي يرفعها الدعم السريع".

ويرى أن "استضافة القاهرة لمثل هذه القوى السياسية تدل على أن مصر تذكر المجتمع الدولي بالقضية السودانية في ظل ارتفاع نسب المجاعة في السودان، وارتفاع وتيرة الصراع، وزيادة حجم الاستيلاء على الأراضي، وتفاقم نسب اغتصاب المواطنات السودانيات، من القوات المتصارعة".

تقارير الأمم المتحدة، تفيد بأن حرب السودان جعلت نحو 25 مليون سوداني بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية العاجلة، بينهم حوالي 14 مليون طفل، فيما يعاني نحو 37 بالمئة من السكان، (17.7 مليون سوداني)، من الجوع الحاد، وفقا لوكالة "الأناضول".

وأكد أن "الأزمة السودانية تفاقمت أكثر من اللازم، وللأسف استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة أدى إلى تراجع اهتمام المجتمع الدولي والإعلام العالمي بالملف السوداني، ما ساعد القوات المتصارعة بالسودان على تكثيف العمليات غير الشرعية وتسارع وتيرة القتال هناك".

وقال حامد: "تبقى مصر أكثر الأطراف نزاهة في المنطقة العربية في مساعدة الشعب السوداني، ولا يُنظر لها على أنها طرف متحيز على الإطلاق، بل إنه كان لها مواقف عديدة منذ رحيل عمر البشير".

وأضاف: "أكدت فيها على أهمية استقرار وتماسك الدولة السودانية ومؤسساتها من أجل العبور من المرحلة الانتقالية والوصول لانتخاب رئيس وكتابة دستور، وما إلى ذلك، كما أنه كان لمصر مبادرات قبل اندلاع الاشتباكات بين الطرفين".

ولفت إلى أن "المجتمع الدولي نسي الأمر بسبب حرب غزة"، مشددا على أن "الدور المصري نزيه، ويرغب في إنهاء الأزمة، وهو الأكثر توازنا وحيادية من الدول الأخرى، حتى تلك التي تستضيف المحادثات بين الأطراف المتصارعة".

"أهداف ظاهرة وأخرى خفية"

من جانبه، قال الباحث السوداني، عباس محمد صالح: "للمؤتمر أهداف ظاهرة، وهي توحيد مواقف القوى السياسية المدنية ومساعدتها على التوصل لحل؛ لكن الهدف الخفي من وراء المؤتمر هو الحصول على مواقف بشأن الحرب لتعزيز مواقف قوى سياسية محددة سلفا، ولكن قدرة المشاركين فيه على وقف هذه تبقى محدودة ما لم تتحقق الأهداف الحقيقية لمشروع الحرب في السودان".

ويعتقد عباس، في حديثه لـ"عربي21"، أنه "تمت هندسة المؤتمر لشرعنة تيار سياسي محدد باعتباره الممثل الوحيد والشرعي للمدنية والديمقراطية (تقدم)، وبالتالي احتكار الفترة الانتقالية، ومن ثم العمل على هندسة عملية أو تسوية سياسية على هذا الأساس، وليس توحيد أطياف القوى السياسية المختلفة".

ويرى أنه "لذلك جاء انعقاد المؤتمر في سياق (صراع المبادرات) تحت شعار (معا لوقف الحرب في السودان)، وهو مجرد إعادة إنتاج لشعار هذه المجموعة (تقدم) وهو (لا للحرب)، والذي يعبر عن موقف سياسي لمجموعات (تقدم) -وبطبيعة الحال ليس موقف أخلاقي تجاه الحرب أو تداعياتها الكارثية على الأبرياء".

وقال إنه "رغم أن النوايا طيبة لجمع الفرقاء السودانيين؛ ولكن طريقة انعقاد المؤتمر وما حدث من خلافات بشأن ما يجب أن يتضمنه البيان الختامي، توضح أن مؤتمر القاهرة أعاد نفس الأخطاء القاتلة التي وقع فيها أصحاب المبادرات السابقة، وتحديدا الفشل في إدراك طبيعة هذا الصراع ودور القوى الخارجية الرئيس فيه، والموقف الأخلاقي تجاه انتهاكات كافة الأطراف بشكل متناسب".

وأضاف: "من الواضح أن كافة القوى المشاركة في المؤتمر أو رُعاته لا تمتلك أي نفوذ فعلي على القوات المسلحة السودانية أو المتمردين فيما يتعلق بوقف الحرب".

"باعد الشُقة وأضعف الثقة"

ويرى أنه "ليس في مقدور مصر ضمان نجاح المؤتمر في التوصل لحد أدنى من الاتفاق بين الأطراف المختلفة، باعتبار أن الحل يجب أن ينبع من أصحاب المصلحة وهم السودانيون أنفسهم، وذلك لأن الأطراف الإقليمية وعلى رأسها مصر لم يعد يُنظر إليها على أنها في وضع الحياد تماما، بما يؤهلها لحشد الأطراف للتوافق بشأن الحل وفق ما تطرحه من أفكار للتسوية السياسية والحل النهائي".

ولفت إلى أن "ملابسات قيام المؤتمر قطعا سيكون خصما على مصر ومصالحها العليا وأمنها القومي؛ إذ ستخسر قوى سياسية كانت تؤمن بأهمية دورها في الشأن السوداني، كما ستنقلب عليها مستقبلا القوى التي سعت لدعم مواقفها خلال هذا المؤتمر".

ويعتقد صالح، أن "الموقف المصري تجاه الصراع في السودان لم يعد كما كان في بداية هذا الصراع، إذ أُرغمت مصر على (الحياد السلبي)، إن جاز التعبير: بمعنى الامتناع عن أي دعم للقوات المسلحة، وبالتالي لم تعد كذلك بل هي أقرب للفاعل الخارجي الذي يتحكم في مشهد الحرب والفاعلين فيه".

وأكد أن "تعقيدات الوضع في السودان وحساسيات ذلك الوضع حكمت الموقف المصري تجاه الصراع في السودان، كما أن التغير في أدوار دول الجوار -وهي الآلية التي سعت مصر لقيادة تحرك أكبر تحت مظلتها- أيضا أصابها العطب باكرا بعد أن أصبحت بعض دول الجوار بدرجات متفاوتة جزءا من حلقات هذا الصراع".

وخلص للقول: "مؤتمر القاهرة الحالي باعد الشُقة بين القوى السياسية، وأضعف الثقة، فيما سيلقي بظلال سالبة على كافة المبادرات المطروحة على الساحة بشأن الصراع في السودان".