أثار الإفراج عن مدير
مستشفى الشفاء، الدكتور محمد أبو سلمية، غضب مسؤولي
الاحتلال، وعلى رأسهم رئيس
الوزراء بنيامين نتنياهو والوزير إيتمار بن غفير، وتبادل المستويين العسكري
والسياسي الاتهامات حول المسؤولية عن صدور هذا القرار.
فمن جهته، وصف مكتب
نتنياهو الإفراج عن أبو سلمية "بالخطأ الجسيم"، واعتبره "فشلا
أخلاقيا"، وكرر نفس المزاعم السابقة بأنه تم "احتجاز وقتل مخطوفين
إسرائيليين تحت مسؤولية أبو سلمية، وأن مكانه السجن".
كما أكد البيان أن نتنياهو أمر بإجراء تحقيق شامل
في كيفية حدوث ذلك، ومن المتوقع أن يقدم (رونين بار) رئيس الشاباك (جهاز الأمن
العام) الاستنتاجات في اليوم التالي".
بالمقابل، قال وزير الأمن القومي بن غفير في تصريحات
إعلامية: "منذ توليت منصبي وزيرا للأمن القومي كان من أسمى أهدافي تغيير ظروف سجن
الإرهابيين للأسوأ".
وتابع: "اكتظاظ السجون بالمعتقلين الفلسطينيين أمر جيد، ويجب ألا يكون سببا للإفراج عنهم"، مضيفا أنه "يجب أن يظل معسكر الاحتجاز
سديه تيمان مفتوحا، وألا يغلق لأنه مكتظ بالمعتقلين".
وأردف: "رئيس الشاباك هددني في قضية الإفراج عن أسرى
غزة؛ لأنه يعارض سياستي بتشديد القمع، وأفرج عن مدير الشفاء ومخربي غزة، وهو يفعل ما
يريد دون العودة إلينا".
تكذيب ذاتي للرواية الإسرائيلية
وكان الاحتلال قد اتهم
الدكتور محمد أبو سلمية بأنه كان يعلم مكان المخطوفين الذين تم احتجازهم في مستشفى
الشفاء الذي يديره، كما روج الاحتلال روايته المزعومة بأن هذا المجمع الطبي كان
يحوي مراكز قيادات عسكرية في حركة حماس.
واعتبر خبراء أن التناقض
الواضح ما بين اتهام أبو سلمية بمعرفته ومسؤوليته عن احتجاز مخطوفين إسرائيليين،
والإفراج عنه بعد 8 أشهر من الاعتقال في سجون الاحتلال، ربما هو ما أثار غضب بعض
مسؤولي الاحتلال.
الخبير بالشأن الإسرائيلي سليمان بشارات يعتقد أن
"منبع الغضب الإسرائيلي من الإفراج عن أبو سلمية، أنه كان يُمثل مجمع الشفاء الطبي،
والذي حوله الاحتلال الإسرائيلي لهدف من الأهداف الأساسية والمركزية للحرب على
قطاع غزة، وكان يصفه بأنه مركز القيادة العسكرية لحركة حماس وتخزين السلاح والقذائف الصاروخية".
وأوضح بشارات خلال حديثه لـ"عربي21" أن
"الإفراج عن أبو سلمية بعد ثمانية شهور من الاعتقال، هذا بحد ذاته يُدلل على كذب
الرواية والسردية الإسرائيلية التي حاول الاحتلال أن يروج لها منذ البداية".
وتابع: "بمعنى آخر، الإفراج عن شخص يمثل مكانا
كان يُعتبر واحدا من أهداف الحرب الرئيسية يؤكد على أن الاحتلال الإسرائيلي كان
يستخدم ذرائع وأكاذيب كثيرة لتنفيذ حملاته في قطاع غزة، وبالتالي عندما يخضع هذا
الشخص لعملية تحقيق واستجواب على مدار كل هذه الفترة الزمنية ولم يُثبت أيا من
الادعاءات الإسرائيلية، فهذا يدل على كذب الاحتلال وسرديته، وبالتالي يمكن أن يقاس
ذلك على عشرات بل مئات الأهداف التي استهدفها، خصوصا المنظومة الصحية في قطاع غزة،
والتي دمرها بشكل كامل تحت ذرائع مختلفة".
صراع داخلي وأهداف شخصية
وعلى الرغم من محاولة مستويات الاحتلال السياسية
والعسكرية إظهار توافقهم على الحرب على قطاع غزة وأهدافها، وأن هناك تماسكا داخليا، فإن الإفراج عن الدكتور محمد أبو سلمية كشف هشاشة تماسكهم ووحدتهم، حيث ظهرت
الصراعات والخلافات الداخلية بشكل جلي، وبدأ المسؤولون هناك بتبادل الاتهامات
بالمسؤولية عن عملية الإفراج.
بشارات
يرى أن "حجم وطبيعة المواقف التي صدرت عقب عملية الإفراج من قبل المستويات الإسرائيلية، سواء العسكرية أو السياسية، تدلل على حجم الصراع الموجود داخل هذه
المستويات".
وأكد
أن "هذا يدل أن الاحتلال الإسرائيلي بكافة أذرعه السياسية والأمنية والعسكرية
في حالة من الصراع الكبير، التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الاحتلال
الإسرائيلي لم يعد قائما كمؤسسة قادرة على اتخاذ قرارات مركزية أو قادرة على اتخاذ
قرارات تستند إلى بُعد مؤسسي، وإنما وفقا لرؤى شخصيات تؤثر في سياساتها وتؤثر في
مجرياتها، وهذا أيضا يُدلل على حالة ضعف وإرباك وتخبط داخل المستويات والمؤسسات
الإسرائيلية المختلفة".
وأضاف: "هذا أيضا يُدلل على عمق الأزمة
الداخلية الإسرائيلية، وأن الحرب الحقيقية ليست في قطاع غزة، وإنما ساحتها الرئيسية داخل المؤسسات
الإسرائيلية بكافة مسمياته ومرجعياتها".
ضغط عسكري على المستوى السياسي
وأوضح
بشارات أنه "عندما يلجأ الشابات بالتحديد إلى نشر القرار، وأنه موقع من قبل
ضباط في الجيش ومصلحة السجون الإسرائيلية، فهذا يُراد منه أيضا ربما إحراج المستوى
السياسي الإسرائيلي من قبل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية".
وأضاف:
"بمعنى أن المؤسسة العسكرية تقوم بواجباتها الكاملة، ولكن غياب الأهداف
الأساسية من هذه الحرب من المستوى السياسي وعدم القدرة على حسم المواقف باتجاه
اليوم التالي للتعاطي والتعامل مع قطاع غزة، هذا بحد ذاته يُضعف استمرارية الحرب،
ويجعل إمكانية أن تستمر بتحقيق أهداف حقيقية وواقعية أمرا غير واقعي، ويجعل العمل
داخل قطاع غزة من قبل المؤسسة العسكرية ضعيفا جدا ويراوح مكانه".
ويعتقد الخبير بالشأن الإسرائيلي أن "عملية
الإفراج وما تلاها من صراع داخل المستويات الإسرائيلية تدلل بشكل كبير على حجم
وطبيعة الخلاف وعدم القدرة على تحديد الأهداف والمنطلقات في التعاطي والتعامل مع
هذه الحرب ومجرياتها".
تصفية حسابات
ويرى بشارات أنه "تم
استخدام عملية الإفراج كنوع من تصفية الحسابات الداخلية، فعندما اتهم بنيامين
نتنياهو وزير الجيش بالمسؤولية، هذه فرصة بالنسبة له لأن يُعزز تحميل مسؤولية الإخفاقات
للجيش ووزير الجيش منذ السابع من أكتوبر حتى الآن، وهو يريد أن يتنصل من هذه
المسئولية".
وأردف: "بالمقابل، عندما يرد الجيش بأن مصلحة السجون والتي تقع تحت قيادة بن غفير هي من قرر الإفراج
عن أبو سلمية، هذا أيضا يضرب مسؤولية بن غفير، وأنه غير قادر على إدارة منصبه
ومهامه بالشكل الصحيح والمطلوب".
ويكمل: "وهنا تبدأ
عملية تصفية الحسابات لإظهارها أمام الشارع الإسرائيلي بأن القيادات التي تحاول أن
تدير الحرب الآن هي تديرها انطلاقا من رؤاها الفكرية والأيديولوجية وليس من مصلحة
إسرائيل كدولة، وهنا باعتقادي يبرز صراع الأشخاص أمام صراع الدولة".
صراع داخلي إسرائيلي ومقاومة فلسطينية متماسكة
ويرى أنه "على الرغم من أن نتنياهو عندما
انطلقت الحرب أراد أن يُظهر أن هناك حالة من الإجماع الإسرائيلي الكامل حولها، فإن الأمور الآن عكس ذلك كليا، فالآن ليس هناك إجماع إسرائيلي بل صراع إسرائيلي
داخلي حول الحرب وأهدافها وجدواها وحول مآلاتها واستراتيجية الخروج منها".
ويعتقد
بشارات أن "هذا أمر بالغ الأهمية في هذا التوقيت، سيما أننا نلاحظ أن هذا
الصراع الإسرائيلي الداخلي هو بعد 8 أشهر من عمر هذه الحرب، في المقابل فإن
المقاومة الفلسطينية، التي يقول الاحتلال الإسرائيلي إنها تعرضت إلى ضربات وهزات، ما زالت حتى هذه اللحظة تقدم خطابا وأداء متماسكا في الميدان، وتتعامل
بالمسار السياسي والتفاوضي بمنهجية وثبات واضحين، وبالتالي باعتقادي هذا يعطي
المقاومة أفضلية في الصمود وأفضلية في إطالة أمد هذه الحرب".
الفلسطيني هو الضحية
وحول تأثير هذا الصراع
الإسرائيلي الداخلي على الفلسطينيين، قال سليمان بشارات: "هذا الصراع ربما قد
يكون ضحيته الفلسطينيون أنفسهم، وبالتحديد أمثال أبو سلمية، بمعنى آخر فإن عملية
التحريض التي تجري قد تدفع بالاحتلال الإسرائيلي إلى استهداف مثل هذه الشخصيات حتى
بعد الإفراج عنها؛ لمحاولة إظهار أنها قادرة على تحقيق أهداف في ظل الصراعات
الإسرائيلية الداخلية".
وخلص بشارات بالقول:
"بالطبع الإفراج عن أبو سلمية سيعمق الخلافات الإسرائيلية الداخلية، وسيُظهر
حجم وطبيعة التربص ما بين الشخصيات والمستويات الإسرائيلية، سواء ما بين الجيش
والمستوى السياسي أو حتى داخل المؤسسة الأمنية نفسها أو حتى ما بين المؤسسات
الإسرائيلية المختلفة".