نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا، للصحفيين محمد الشماع، وسوزان حيدموس، من بيروت، قالا فيه إن الصراع المحتدم بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله، أدّى إلى قلب الحياة رأسا على عقب في معظم أنحاء جنوب
لبنان، بما في ذلك حياة
اللاجئين السوريين الذين عاشوا وعملوا بالقرب من الحدود، ولكنهم نزحوا الآن مع القليل من الموارد وقلة من الناس على استعداد لاستقبالهم.
على مدى أشهر، تبادل جيش الاحتلال الإسرائيلي ومقاتلو حزب الله الضربات، مما أسفر عن مقتل مدنيين ومقاتلين في كل من الاحتلال الإسرائيلي ولبنان، مع تصاعد التوترات بشأن حرب غزة.
وفي شمال الاحتلال الإسرائيلي، نزح أكثر من 60 ألف شخص، وفقا لمكتب رئيس الوزراء، فيما يعيش الكثير منهم في فنادق أو إيجارات في جميع أنحاء الاحتلال الإسرائيلي. وفي جنوب لبنان، أدّى القتال إلى نزوح أكثر من 95 ألف شخص، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة، وألحق أضرارا بالمنازل والأراضي الزراعية حيث يعمل العديد من السوريين كعمال يوميين.
وكانت محنة اللاجئين السوريين توصف بـ"الرهيبة" في لبنان. حيث تواجه البلاد منذ سنوات أزمة اقتصادية، مما أدى إلى تفاقم الاستياء تجاه أكثر من 1.5 مليون سوري لجأوا إلى لبنان بعد الحرب الأهلية السورية عام 2011. والآن تزداد الأوضاع سوءا، حيث يلوح في الأفق الخوف من حرب محتملة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وقد دعا السياسيون ووسائل الإعلام إلى عمليات ترحيل جماعي للسوريين وتشديد القواعد حول قدرة اللاجئين على التحرك داخل البلاد، حتى أثناء فرارهم من الظروف الخطيرة في الجنوب. وقد هاجمت لجان الأمن الأهلية السوريين في شوارع بيروت ومدن أخرى، وفرضت السلطات المحلية قيودا على الإيجارات وحظر التجول وغيرها من المتطلبات القانونية الصارمة على السوريين المقيمين في مناطقها القضائية، وذلك وفقا لمكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
إلى ذلك، خلص تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" في نيسان/ أبريل إلى أن السلطات اللبنانية "قامت باعتقال سوريين تعسفيا وتعذيبهم وإعادتهم قسرا إلى
سوريا في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك نشطاء المعارضة والمنشقون عن الجيش".
وفي هذا السياق، قالت أم سورية لثلاثة أطفال نزحت من المنطقة الحدودية وحاولت توطين عائلتها في مدينة صور، على بعد حوالي 12 ميلا إلى الشمال من المكان الذي تدور فيه الأعمال العدائية: "قالوا لنا: لا نرحب بالسوريين هنا".
وقالت المرأة، التي تحدثت في أواخر نيسان/ أبريل بشرط عدم الكشف عن هويتها، إنها اضطرت وعائلتها إلى إقامة مخيم في بستان ليمون على مشارف صور، باستخدام صفائح النايلون التي قدمها صاحب الأرض كمأوى.
وقالت: "أقترض المال لآكل". فيما حاول زوجها العودة إلى العمل في مزرعة خضروات بالقرب من الحدود، لكنه رأى أن الأمر خطير للغاية مع تصاعد الصراع.
وتواجه دولة الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله، منذ الثمانينيات، عندما احتل جيش الاحتلال جنوب لبنان. وخاض البلدان حربا عنيفة في عام 2006، وبعدها ظلت المنطقة الحدودية هادئة نسبيا حتى الخريف الماضي.
وبدأ حزب الله، المدعوم من إيران، إطلاق الصواريخ والمدفعية على دولة الاحتلال الإسرائيلي في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر، بعد يوم واحد من عملية "طوفان الأقصى". ومنذ ذلك الحين، تبادل الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله إطلاق النار بشكل شبه يومي عبر الحدود، مع تزايد نطاق وشدة الضربات بشكل مطرد في الأسابيع الأخيرة.
وقُتل أكثر من 400 شخص في لبنان نتيجة القتال، بما في ذلك أكثر من 300 من مقاتلي حزب الله وما لا يقل عن 92 مدنيا وغير مقاتل، وفقا لإحصاء صحيفة واشنطن بوست. وقتل تسعة مدنيين و19 جنديا في شمال الاحتلال الإسرائيلي في نفس الفترة، وفقا لجيش الاحتلال الإسرائيلي ومعهد التأمين الوطني الإسرائيلي.
وقالت وزارة الزراعة إن نحو 1680 هكتارا (4151 فدانا) من الأراضي الزراعية في لبنان تضررت بسبب القتال، بما في ذلك قذائف الفسفور الأبيض التي أطلقها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي، في بيان، إنه يستخدم قذائف الفسفور الأبيض لخلق ستائر من الدخان، وليس للاستهداف أو التسبب في الحرائق. إلا أن القوات الإسرائيلية تمتلك بدائل أكثر أمانا، مثل قذائف المدفعية M150، التي تنتج دخانا ساترا دون استخدام الفسفور الأبيض.
كما أفاد 72 في المئة من المزارعين في جنوب لبنان، وكثير منهم يزرعون القمح والتبغ والتين والزيتون، عن فقدان الدخل، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
لكن كريستينا أبو روفائيل، وهي الباحثة في مؤسسة الأشغال العامة، وهي مؤسسة بحثية محلية، قالت إن استجابة الحكومة لأزمة النزوح ركزت على "التعامل مع احتياجات النازحين اللبنانيين فقط".
ويتولى ناصر ياسين، وزير البيئة اللبناني، مسؤولية تنسيق الاستجابة مع منظمات الإغاثة الدولية. وقال إنه كجزء من خطة الاستجابة، تتولى وكالات الأمم المتحدة مسؤولية تقديم المساعدة للاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان.
وتكثر المشاعر المعادية للاجئين في لبنان. في وقت سابق من هذا العام؛ قامت قناة تلفزيونية شعبية وغرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت برعاية حملة من اللوحات الإعلانية والإعلانات التلفزيونية التي حثت اللبنانيين على "إصلاح الأضرار" الناجمة عن استضافة اللاجئين السوريين "قبل فوات الأوان".
وفي آذار/ مارس، ذكر تقرير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أنه في العام الماضي تم ترحيل 13772 سوريا من لبنان أو "إعادتهم إلى الحدود".
وتستضيف ملاجئ النازحين، التي تديرها البلديات المحلية، مواطنين لبنانيين، في حين أفاد اللاجئون السوريون أنهم تعرضوا للمضايقات والطرد من المرافق.
ويعتمد العديد من اللاجئين الفارين من الأعمال العدائية على شبكات الدعم ويعيشون مع الأصدقاء أو الأقارب، أو في وحدات مستأجرة، وفقا للمفوضية. لكن رسوم الإيجار ارتفعت في الجنوب، ويتردد بعض أصحاب العقارات في قبول مستأجرين سوريين.
وفي نهاية المطاف، غادرت الأم السورية النازحة بستان الليمون ووجدت أماكن في مدرسة محلية تم تحويلها إلى ملجأ. لكن حتى هناك، شعرت عائلتها بعدم الأمان، مضيفة أن الحراس هاجموا غرفتهم وشتموا أطفالها.
وقالت: "لا يُسمح لي باصطحاب أطفالي للعب. إن الأمر يشبه العيش في سجن، ولكن على الأقل في السجن، تمنح فرصة المشي لاستنشاق بعض الهواء النقي". ولم تكن متأكدة مما إذا كانت الأسرة ستتمكن من العودة إلى المزرعة في الجنوب، حتى لو توقف القتال.
وأضافت: "أنا قلقة بشأن كيفية تغير الوضع؛ هل يُسمح لنا كسوريين بالعودة؟".