يأتي عيد الأضحى لهذا العام في ظروف
اقتصادية مضطربة وأحوال معيشية
أكثر صعوبة، والمؤشر الرئيس على ذلك ارتفاع أسعار كافة السلع، خاصة الأضاحي،
والنقص الشديد في السيولة والذي مظهره الجلي الطوابير الطويلة للمواطنين على
المصارف وعلى أجهزة السحب النقدي خارجها.
مثل التراجع في قيمة الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية منذ أشهر
أبرز أسباب ارتفاع أسعار السلع، فمعدل انكشاف الاقتصاد الليبي كبير جدا،
والاعتماد على الخارج في توفير جُل السلع الاستهلاكية يتراوح ما بين 80 ـ 90%، وقد
بلغ الارتفاع في سعر صرف الدولار أمام الدينار نحو 35% منذ الربع الأخير للعام
الماضي، وبرغم التراجع في أسعار صرف الدولار خلال الشهرين الماضيين، إلا أنه ظل
عند مستوى 6.8 دنانير للدولار في مقابل 5.3 دولارات للدينار في السوق الموازية قبل
الأزمة الأخيرة.
أما السعر الرسمي للعملات الأجنبية، فقد أدى فرض ضريبة على بيعها
وبنسبة 27% إلى ارتفاع سعر صرف الدولار في المصارف من 4.8 دنانير للدولار إلى 6.15
دنانير للدولار.
أزمة الدينار الليبي الأخيرة ترجع إلى القرارات المرتبكة للمصرف
المركزي وسياساته غير الرشيدة في إدارة النقد الأجنبي وبيعه، هذا بالإضافة إلى
الهدر والفساد وأثر الانقسام السياسي والمؤسسي وما صاحبه من إجراءات طباعة عملة
غير قانونية وسحب العملات الصعبة من السوق الموازي بالأموال المطبوعة.
أطلت مشكلة نقص السيولة في المصارف من جديد برأسها، وهي بالأساس
مشكلة يتحمل مسؤوليتها صناع السياسة النقدية مع قدر من المسؤولية أقل تسهم فيه
السلطة المالية. وتتصل أزمة السيولة بشكل أو آخر بسياسة تخفيض قيمة الدينار بعد
فرض الرسوم الأخيرة، وأحد أسباب الأزمة يرجع إلى إقبال المواطنين على شراء العملات
الأجنبية بصكوك وبيعها في السوق الموازي لقاء فرق أسعار الصرف نقدا.
حالة عدم الاستقرار المالي والنقدي في الاقتصاد الليبي تسببت في
تراجع ثقة التجار، الجملة والقطاعي، عن قبول البطاقات المصرفية، مما زاد الطلب على
النقد الذي لم تستطع المصارف مكافأته بعرض ملائم، ولأن الطلب على النقد كبير بغرض
شراء أضاحي العيد، فاقم ذلك من أزمة السيولة.
أزمة الاقتصاد الليبي ليست مستجدة، وقد عرف اقتصاد ليبيا الأزمات الحادة منذ التغيير الكبير في هيكله مع تطبيق مقولات الكتاب الأخضر أواخر السبعينيات من القرن الماضي وتبني سياسات اشتراكية متشددة، ويبرز الاعتماد على مورد واحد للدخل وهو النفط كعامل مهم في تفسير مشكلات الاقتصاد الوطني، كما أسهم النزاع السياسي في مفاقمة الوضع، فظل الاقتصاد عرضة للتقلبات الشديدة، وانعكس ذلك سلبا على الأحوال المعيشية لغالبية الليبيين.
هناك جدل ارتفاع أسعار الأضاحي، حيث بلغ سعر الأضحية في المتوسط نحو
2300 دينار، وما يزال المزاج الليبي العام يميل إلى الطلب على الأضاحي
"الوطنية"، لذا فإن توفير خرفان من الخارج لم يكبح بشكل كبير جموح أسعار
الأضاحي المحلية.
المواطن يلقي باللائمة على الدولة وعلى مربي الأغنام، والمربون يشكون
من نقص العلف الحيواني وارتفاع أسعاره وزيادة تكاليف تربية المواشي، ويدخل الوسطاء
و"المضاربون" ليفاقموا من مشكلة ارتفاع الأسعار، فليس مألوفا أن تصل
أسعار ما تجاوز عمرها العام من الأغنام، "الأكباش"، أربعة آلاف دينار.
وبالنظر إلى دخول الليبيين، والتي تبلغ في المتوسط، بعد الزيادات
الأخيرة، 1300 دينار تقريبا (نحو 200 دولار)، فإن الوضع المعيشي، في ظل ارتفاع
الأسعار وأزمة السيولة، يزداد تدهورا. ولأن المرتبات، والتي تشكل نحو 50% من
الإنفاق العام السنوي، تمثل أبرز محركات الاقتصاد، باعتبارها المصدر الأكبر للحصول
على السلع الاستهلاكية، انعكس ذلك على الحركة التجارية في شكل ركود يشكو منه معظم أصحاب
الأنشطة الاقتصادية والتجارية الصغيرة.
أزمة الاقتصاد الليبي ليست مستجدة، وقد عرف اقتصاد
ليبيا الأزمات
الحادة منذ التغيير الكبير في هيكله مع تطبيق مقولات الكتاب الأخضر أواخر
السبعينيات من القرن الماضي وتبني سياسات اشتراكية متشددة، ويبرز الاعتماد على مورد
واحد للدخل وهو النفط كعامل مهم في تفسير مشكلات الاقتصاد الوطني، كما أسهم
النزاع السياسي في مفاقمة الوضع، فظل الاقتصاد عرضة للتقلبات الشديدة، وانعكس ذلك
سلبا على الأحوال المعيشية لغالبية الليبيين.