قضايا وآراء

إعادة رسم خريطة التحالفات: هل تتوجه السعودية شرقا؟

"تعزيز العلاقات مع روسيا والصين يوفر للسعودية العديد من المزايا الاستراتيجية"- جيتي
إن الضغط المستمر الذي تمارسه الولايات المتحدة على المملكة العربية السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، يولد توترات دبلوماسية كبيرة، وقد يدفع المملكة العربية السعودية إلى إقامة علاقات أقوى مع الكتلة الشرقية، خاصة مع روسيا والصين. ويمثل هذا المحور الاستراتيجي المحتمل تحولا كبيرا في السياسة الخارجية السعودية، مدفوعا بتغير المصالح الاقتصادية والجيوسياسية. وإذا استمر هذا الاتجاه، فإنه يدل على تآكل التحالف الأمريكي السعودي القوي تاريخيا، وهي العلاقة التي شكلت المشهد الأمني والاقتصادي والجيوسياسي في الشرق الأوسط، منذ أعقاب الحرب العالمية الثانية، مرورا بالحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفييتي.

إن الميل نحو بناء تحالفات مع الكتلة الشرقية، بدلا من الاعتماد فقط على الولايات المتحدة (الشريك الذي كان في بعض الأحيان أقل من توقعات المملكة العربية السعودية)، أصبح حجر الزاوية في التفكير الاستراتيجي السعودي. ويعد هذا الاتجاه بمستقبل متوازن يقدم العديد من المزايا للسعودية بدلا من الاعتماد على التحالف الأمريكي، وبدلا من الانخراط في علاقات غير استراتيجية مع إسرائيل، التي أصبح شغلها الشاغل احتلال المزيد من أراضي الفلسطينيين، وممارسة الإبادة الجماعية بحقهم بشكل يومي في قطاع غزة.

عد هذا الاتجاه بمستقبل متوازن يقدم العديد من المزايا للسعودية، بدلا من الاعتماد على التحالف الأمريكي، وبدلا من الانخراط في علاقات غير استراتيجية مع إسرائيل، التي أصبح شغلها الشاغل احتلال المزيد من أراضي الفلسطينيين، وممارسة الإبادة الجماعية بحقهم بشكل يومي في قطاع غزة.

تعمل إدارة بايدن بقوة على تعزيز تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، كجزء من استراتيجية أوسع لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط، وتذكرنا هذه الجهود باتفاقات أبراهام التي ضغطت إدارة ترامب بقوة نحو تنفيذها وإقرارها. وقد تضمّن هذا المسعى ارتباطات دبلوماسية رفيعة المستوى، ومناقشات أمنية، ومجموعة من الحوافز المصممة لتأمين اتفاق تاريخي بين الرياض وتل أبيب. ومع ذلك، أكدت المملكة العربية السعودية باستمرار على أن أي تطبيع مع إسرائيل، يجب أن يكون مشروطا بإحراز تقدم ملموس نحو إنشاء دولة فلسطينية. وشددت المملكة على أن تحقيق التطلعات الفلسطينية، شرط أساسي لإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل، كما سعت إلى إبرام اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة كجزء من حزمة التطبيع هذه.

ويتزامن هذا الضغط الدبلوماسي مع فترة من إعادة التقييم الاستراتيجي داخل المملكة العربية السعودية، حيث تعيد المملكة تقييم تحالفاتها وتبعياتها الاقتصادية. قد تشير عملية إعادة التقييم هذه إلى تباطؤ تجاه مشروع التطبيع، حيث إن الفوائد المتوقعة قد لا تكون كبيرة كما كان متوقعا في البداية. ومن الجدير بالذكر بشكل خاص أن المملكة العربية السعودية، قررت عدم تجديد اتفاقيتها النفطية المستمرة منذ عقود مع الولايات المتحدة، مما يشير إلى تحول عميق في استراتيجيتها الاقتصادية والجيوسياسية. ويعد هذا القرار جزءا من الجهود الأوسع التي تبذلها المملكة العربية السعودية لتنويع شركائها الاقتصاديين، وتقليل اعتمادها على السوق الأمريكية.

نشأت اتفاقية البترودولار الأصلية، التي وقعها وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر والأمير السعودي فهد بن عبد العزيز في الثامن من حزيران/ يونيو 1974، في أعقاب الحظر النفطي العربي، وما تلا ذلك من ارتفاع أسعار النفط. وتهدف هذه الاتفاقية إلى تحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية، وضمان التدفق المستمر للنفط السعودي إلى الولايات المتحدة. وفي المقابل، قدمت الولايات المتحدة للمملكة العربية السعودية الدعم العسكري والاقتصادي.

وبموجب هذا الترتيب، وافقت المملكة العربية السعودية على تسعير صادراتها النفطية حصريا بالدولار الأمريكي، وإعادة استثمار فائض عائدات النفط في سندات الخزانة الأمريكية. وقد حل هذا النظام محل الذهب بشكل فعال كمعيار عالمي للقيمة، مما سمح للولايات المتحدة بالحفاظ على هيمنتها على التجارة الدولية، والسيطرة على سوق الطاقة العالمية. ونتيجة لذلك، اعتمدت معظم دول أوبك أيضا الدولار الأمريكي في معاملاتها النفطية.

كان لنظام البترودولار آثار عميقة على ديناميكيات الاقتصاد العالمي، مما أدى إلى توليد طلب ثابت على الدولار الأمريكي. وقد أدى هذا الطلب إلى تعزيز قيمة الدولار، وتعزيز مكانته باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم. وقد استفادت الولايات المتحدة من هذا الترتيب من خلال قدرتها على إدارة عجز تجاري أكبر، والحفاظ على أسعار فائدة منخفضة. وقد فصَّل تقرير صدر عام 1979 عن مكتب محاسبة الحكومة (GAO) آليات الاتفاقية الأمريكية السعودية، التي تضمنت لجنتين مشتركتين ركزتا على التعاون الاقتصادي والاحتياجات العسكرية. أدت هذه اللجان إلى تشابك الثروات الاقتصادية لكلا البلدين، وعززت النفوذ الاقتصادي للولايات المتحدة على مستوى العالم.

ومن خلال اختيار عدم تجديد اتفاقية البترودولار، اكتسبت المملكة العربية السعودية المرونة اللازمة لإجراء مبيعات النفط بعملات متعددة، بما في ذلك الرنمينبي الصيني واليورو والين واليوان. وتأتي هذه الخطوة في إطار استراتيجية أوسع لتنويع التحالفات الاقتصادية، وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي. ويعكس هذا التنويع اعتراف المملكة العربية السعودية بالمشهد الاقتصادي العالمي المتغير، ورغبتها في التحوط ضد المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بالاعتماد المفرط على شريك واحد.

إن تعزيز العلاقات مع روسيا والصين يوفر للسعودية العديد من المزايا الاستراتيجية. فمن الناحية الاقتصادية، تعد كل من روسيا والصين لاعبين عالميين مهمين، ولديهما طلب كبير على موارد الطاقة. وتعد الصين، على وجه الخصوص، أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، وتوفر مبادرة الحزام والطريق فرصا عديدة للاستثمار والتعاون السعودي. ومن خلال التوافق بشكل أوثق مع هذه الدول، يمكن للمملكة العربية السعودية تأمين أسواق مستقرة وطويلة الأجل لصادراتها النفطية، ومن ثم ضمان استمرار الازدهار الاقتصادي.

ومن الناحية الجيوسياسية، فإن العلاقة الوثيقة مع الكتلة الشرقية، تسمح للمملكة العربية السعودية بالتنقل عبر الديناميكيات المعقدة والمثيرة للجدل، في كثير من الأحيان لسياسة الشرق الأوسط بشكل أكثر فعالية. إن روسيا بوجودها العسكري الراسخ والمتنامي في الشرق الأوسط، ودورها كلاعب رئيسي في الدبلوماسية الإقليمية، توفر للمملكة العربية السعودية شريكا قيما في منطقة تحكمها النزاعات المستمرة. وتشكل الصين بنفوذها الاقتصادي والسياسي المتنامي، ثقلا موازنا للنفوذ الغربي، وتقدم نموذجا بديلا للحكم والتنمية، يلقى صدى لدى الكثيرين في دول المنطقة.

الضغط الأمريكي على المملكة العربية السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، يحفز على إعادة توجيه كبيرة للسياسة الخارجية السعودية. ومن خلال تعزيز العلاقات مع روسيا والصين، لا تقوم المملكة العربية السعودية بتنويع تحالفاتها الاقتصادية والجيوسياسية فحسب، بل تضع نفسها أيضا في وضع يسمح لها بالتنقل في مشهد عالمي سريع التغير بشكل أكثر فعالية.

بالإضافة إلى ذلك، يتماشى انخراط المملكة العربية السعودية مع الكتلة الشرقية مع الاتجاهات الأوسع في الجغرافيا السياسية العالمية، حيث تسعى الاقتصادات الناشئة والقوى الإقليمية بشكل متزايد إلى تأكيد استقلالها وتقليل اعتمادها على القوى الغربية التقليدية الآخذة في الأفول. ويتجلى هذا الاتجاه في النفوذ المتزايد للمؤسسات المتعددة الأطراف، مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا وإيران)، التي تهدف إلى تعزيز نظام عالمي أكثر تعددية الأقطاب.

في الختام، فإن الضغط الأمريكي على المملكة العربية السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، يحفز على إعادة توجيه كبيرة للسياسة الخارجية السعودية. ومن خلال تعزيز العلاقات مع روسيا والصين، لا تقوم المملكة العربية السعودية بتنويع تحالفاتها الاقتصادية والجيوسياسية فحسب، بل تضع نفسها أيضا في وضع يسمح لها بالتنقل في مشهد عالمي سريع التغير بشكل أكثر فعالية. ويؤكد هذا التحول الاستراتيجي، رغبة المملكة في مستقبل متوازن يستفيد من نقاط القوة والفرص التي يوفرها الشركاء العالميون المتعددون، مما يقلل من اعتمادها التاريخي على الولايات المتحدة.

ومع استمرار المملكة العربية السعودية في اتباع هذا الاتجاه، فمن المرجح أن تعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، مما يؤثر على الديناميكيات الاقتصادية العالمية، ويساهم في ظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب، دون الانخراط في تطبيع للعلاقات مع إسرائيل التي لا تولي أي اهتمام سوى لمصالحها الخاصة، وتصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل.

x.com/fatimaaljubour