في الحادي عشر من حزيران/ يونيو 2024 قابلت قناة الجزيرة بالصورة والصوت
عددا من الذين اعتقلوا منذ ثمانية أشهر، وقد أُفرج عنهم وعددهم 35 أسيرا، وكانوا
جميعا في حالة يرثى لها. وقد تمت مقابلة بعضهم وهم على الفراش، وفي غرف مستشفى
كمال عدوان.
أعطى كل من قوبل وصفا للتعذيب وسوء المعاملة، وألوان التنكيل الذي تعرضوا
له. وكانت المحصلة فاقت كل ما نشر عن تعذيب وسوء معاملة في أي من
سجون العالم، أو
أسوأ سجن عالم ثالثي، أو ما عرفته الأنظمة النازية والفاشية في زمن الحرب العالمية
الثانية.
هذا، ولا بد من أن يخرج بمثل هذا الحكم كل من شاهد واستمع إلى مقابلات قناة
الجزيرة مع ما يزيد عن عشرة من بين الـ35 أسيرا (معتقلا)، أفرج عنهم بعد الثمانية أشهر الماضية.
المحصلة فاقت كل ما نشر عن تعذيب وسوء معاملة في أي من سجون العالم، أو أسوأ سجن عالم ثالثي، أو ما عرفته الأنظمة النازية والفاشية في زمن الحرب العالمية الثانية
تبدأ المقابلات بالحديث من اليوم الأول من الاعتقال، وذلك بربط القيود
الحديدية الممتدة من الزندين وراء الظهر إلى القدمين، وليحز الحديد حزا، ليبدأ
بالحفر فيما يليه، من جلد وعضل وشرايين. ثم يرمى المعتقلون أرضا، وكلهم من
المدنيين العاديين الذين لم يعرفوا ولم يجدوا سببا لاعتقالهم، وليبدأ التحقيق معهم
وهم على هذه الصورة، وليس عندهم ما يمكن أن يلبي ما يسأل عنه المحقق من خلال
التعذيب بالضرب والركل، ثم العودة إليهم في اليوم التالي أو في أثناء الليل، وقد
باتوا على الأرض بلا بطانية أو غطاء، وهم مكبلون بالقيود والأغلال، وبجراح مؤلمة
تنزف دما.
ثم لا تسأل في هذه الصورة عن الجوع والعطش والحرمان من قضاء الضرورة، كان
الذي يطلب قضاء الحاجة يردّ عليه بأن يقضيها على نفسه.
ثمانية أشهر من الضرب الجسدي اليومي، ومن الإذلال، والحرمان من الطعام
والماء، كانت حدودها بما يبقي السجين على قيد الحياة، ولكي يمكن الاستمرار بتعذيبه
والتنكيل به في اليوم التالي. فالذين أُفرج عنهم بانت ضلوع صدورهم، كحالة من لم
يأكلوا أكثر مما يبقيهم قادرين على البقاء أحياء.
منظر الذين أُطلق سراحهم، وبلا حاجة إلى حديثهم عما عانوه خلال الأشهر الثمانية الماضية، يقدم شهادة مروّعة لما تعرضوا له في سجون الاعتقال الصهيوني من تعذيب وسوء معاملة، وجرائم لا تغتفر
وقد أشار أحدهم إلى قميصه الذي يلبسه على اللحم، قائلا إن هذا القميص لم أنزعه
لثمانية أشهر، ولم أغتسل. وقد أُصبنا بالجرب وبأمراض جلدية تنجم عن عدم وصول الماء
إلى أجسادنا طوال ثمانية أشهر. بكلمة، فقد كان كل ما حولهم قذرا
وملوثا، ولا يسمح بالحياة.
جميعهم عاشوا هذه الجريمة التي تذهب بمن يتعرض لها إلى الهزال الشديد
المرضي، وإلى الانهيار العصبي، وإلى تفضيل الموت على حياة التنكيل الذي لا يحتمل.
إن منظر الذين أُطلق سراحهم، وبلا حاجة إلى حديثهم عما عانوه خلال الأشهر الثمانية
الماضية، يقدم شهادة مروّعة لما تعرضوا له في سجون الاعتقال الصهيوني من تعذيب
وسوء معاملة، وجرائم لا تغتفر.
وبهذه الصورة في معاملة المعتقلين يكون الكيان الصهيوني فاق كل تعذيب في
أردأ سجن، وذلك ليكمل سجله الإجرامي في القتل الجماعي، وارتكاب جريمة الإبادة
البشرية، وتدمير الحياة المدنية في قطاع
غزة. ويصبح المتفوق على كل ما عرفته
السجون، من جرائم وتنكيل في أجساد ضحاياها، في كل بلدان العالم.
يا للحضارة الغربية في تمثيل الكيان الصهيوني لها، وفي كل ما أحاطته من
حماية ومن تغطية له.